Ad

المفارقة العجيبة هنا أن تستجيب الحكومة بعد تبنيها خيار الموضوعية والحكمة لشكاوى ودعاوى مصدرها أفراد قفزوا من عالم المجهول على موضوع التأبين ليكيدوا تهماً خطيرة من قبيل قلب نظام الحكم والانقلاب على الدستور والضرب في ولاء ووطنية نخبة من أشراف أبناء هذا الوطن.

إحالة موضوع التأبين إلى ساحة القانون كان قراراً حكومياً حكيماً ومبعثاً للارتياح الشعبي لثقة الجميع بأهمية وجود دولة المؤسسات الدستورية وصمام أمانها المتمثل في السلطة القضائية من جهة، وكونها معالجة رشيدة من قبل الحكومة إذ يسجل لها احترام مبدأ الفصل بين السلطات حتى في أحلك الظروف من جهة ثانية، ومحاولة جادة وحقيقية لامتصاص الهيجان العاطفي الذي انجرف في غالبه الأعم مع الآلة الإعلامية التي نجحت، مع الأسف الشديد، في خلط الأوراق واستثارة الحس الطائفي وبث سموم الفتنة والفرقة الوطنية من جهة ثالثة.

ولكن يبدو أن الحكمة الحكومية هذه مازالت مترددة بين المد والجزر، ففي مقابل الدعوة إلى المعالجة العقلانية والموضوعية لموضوع التأبين واحتوائه ضمن إطاره المحدود، وهذا ما تؤكده المواقف الرسمية حتى الآن، هناك مَن يسعى إلى جر الحكومة ومن خلال الدفع في الماكينة الإعلامية إياها من جديد وعن طريق بعض التحركات الميدانية المشبوهة لإعادة زج البلد برمته في أتون الفتنة والمحرقة الطائفية، بل والسعي من أجل إرباك حتى السلطة القضائية.

فمسألة التأبين في حد ذاتها يمكن احتواؤها بسهولة، وخصوصاً في ظل العقلنة السياسية وأجواء التهدئة التي باتت تسيطر على الساحة إضافة إلى تحمل الحكومة نفسها جانباً كبيراً من المسؤولية في عدم التدخل المباشر أو حتى غير المباشر في منع أو إلغاء إقامة التأبين وعدم التصريح بموقف رسمي صريح قبل الإعلان عنه، بل والتردد والتناقض في التعبير عن موقف مجلس الوزراء نفسه حتى بعد التأبين.

وبالتأكيد فإن بعضهم لا يحلو له مثل هذا الانفراج وسوف يقاتل من أجل أن يقتات على هذا الموضوع بالوسائل المختلفة ومنها ما بدأ يطفو على السطح بالفعل وذلك من خلال رفع الدعاوى الكيدية التي سبقت مع الأسف الشديد الدعوى الحكومية نفسها!!

وهنا تكون الحكمة الحكومية على المحك مرة أخرى، بل يبدو أنها انجرفت ولو جزئياً نحو الانسياق مع بعض مروجي الفتنة الطائفية الكبرى والمُصرين على شق الصف الوطني وعدم التورع من إقحام البلد في آتون نفق مظلم وحرق الأخضر واليابس وخلق الاصطفاف المذهبي من أجل أهداف رخيصة لا تتجاوز التشفي والتمادي في الخصومة الشخصية لرموز وطنية أمثال سيد عدنان عبدالصمد وعبدالمحسن جمال وأحمد لاري التي سوف تبقى كبيرة مهما استمرت بعض الصحف في التطبيل والتضليل ضدهم.

والمفارقة العجيبة هنا أن تستجيب الحكومة بعد تبنيها خيار الموضوعية والحكمة لشكاوى ودعاوى مصدرها أفراد قفزوا من عالم المجهول على موضوع التأبين ليكيدوا تهماً خطيرة من قبيل قلب نظام الحكم والانقلاب على الدستور والضرب في ولاء ووطنية نخبة من أشراف أبناء هذا الوطن، بل وتنجرف إلى حد تسخير أجهزتها ومؤسساتها الحساسة والسيادية ومنها جهاز أمن الدولة لنواياهم الشخصية وتمكينها من نبش ملفات الماضي.

فإذا كانت الحكومة على قناعة ويقين بمثل هذه الاتهامات كان الأجدر بها أن تتحمل مسؤولية هذا الملف، وإلا فلتغلق هذا الباب فوراً ولا تسمح لأي كان بأن يتطاول بفرض دولة داخل الدولة وحكومة على الحكومة.

بل والأدهى والأمَر أن يكون مثل هذا التعرض لرموز وشخصيات يمثلون تياراً وطنياً ويعملون في وضح النهار ضمن بوتقة القوى الوطنية الأخرى بمختلف مشاربها وأطروحاتها السياسية وتشكل في مجموعها تياراً شعبياً تتداعى دائماً للعمل في إطار الدستور والمكاسب الوطنية والطموحات الشعبية وارتبطت بوثيقة الشرف الكويتية من أجل تجسيد شعار «حماية الدستور» ومبادئ وحماية الأموال العامة، بل وتميزت مواقفها تاريخياً بالرجولة والإخلاص تحت قبة البرلمان وخارجها، تلك الرموز التي طالما تعاملت معها الحكومة والسلطة في القرارات السياسية الكبرى وعرضت عليها الحقائب الوزارية فعفت نفوسها وكبريائها عنها من أجل الاستمرار مع الصف الشعبي.

إن مثل هذه الشخصيات المخلصة والنظيفة لا تزحزحها الآلة الإعلامية التي لم تتورع في الفجور في الخصومة حتى في الرقص على دماء الشهداء، ولم تراع حتى حرمة روح سمو الأمير الراحل، وليكن الاختلاف معهم اختلافاً رجولياً، كما هم رجال، وفي نقاط الاختلاف لا غير.