نقلت الصحف قبيل العيد تصريحاً للشيخ جابر المبارك رئيس مجلس الوزراء بالنيابة وزير الداخلية ووزير الدفاع، وصفته الزميلة «الوطن» بالهجوم، شكك من خلاله بدستورية الاجتماعات التي عقدتها التكتلات السياسية منذ أيام ونتج عنها إصدارها لبيان مشترك، وذكر الشيخ جابر في هذا التصريح ما معناه أن أي اجتماع خارج قبة البرلمان هو غير دستوري، وأن البلد تديرها ثلاث سلطات فقط!

Ad

لم يقع هذا التصريح الهجومي، على حد تعبير «الوطن»، مني في محل الاستغراب، فالفوضى القانونية التي تعيشها القوى السياسية في الكويت منذ سنين طويلة لا شك بأنها ستفضي إلى مثل هذه النظرة السلبية نحو نشاطها وربما وجودها!

الشيخ جابر يطالب بأن تكون الأنشطة السياسية للكتل والقوى تحت قبة البرلمان، ولعله ذهب إلى هذا من باب عدم توافر سند قانوني لوجود قوى سياسية خارج إطار البرلمان، ولكنه قد فاته أن المذكرة التفسيرية للدستور قد أشارت إلى الجماعات السياسية صراحة في تفسير المادة 56 والتي تحدثت عن المشاورات التقليدية التي تسبق تعيين رئيس مجلس الوزراء، وواضح فيها أن الجماعات السياسية المقصودة ليست تلك التجمعات الظرفية التي تتكون تحت قبة البرلمان، وإنما جماعات سياسية مجتمعية تعمل خارج البرلمان.

هذه الجماعات السياسية المقصودة هي ذاتها التي يجلس معها رئيس مجلس الوزراء قبيل التشكيلات الحكومية ليستأنس برأيها في أسماء الوزراء المحتملين، وهي ذاتها التي يزورها كبار مسؤولو الدولة ابتداءً من سمو أمير البلاد وولي عهده ورئيس مجلس الوزراء وفريق الوزراء، بما فيهم الشيخ جابر المبارك نفسه، في الأعياد والمناسبات.

لذلك، وفي ظل هذا الواقع السياسي الصارخ فهل يفترض الشيخ جابر أن على هذه الجماعات السياسية، وبالرغم من كل هذا الاعتراف الحكومي السافر بوجودها أن تلتزم الصمت ولا تقدم على الاجتماع مع بعضها بعض للتنسيق والتشاور في ما يعتري البلد من أمور ومشاكل وما أكثرها، وأن تبقى في حالة سكون standby حتى يتم استدعاؤها تنفيذاً للمادة 56 من الدستور لمشاورتها في تعيين رئيس مجلس الوزراء؟!

لا يا معالي الوزير، هذه الجماعات السياسية قد نشأت استناداً إلى حق دستوري واضح، حيث ذكرها الدستور عبر مذكرته التفسيرية صراحة، وهي تجتمع وتنشط استناداً إلى حق منطقي أكثر وضوحاً، لأنه يجافي العقل والمنطق أن يسمح لها الدستور بالوجود ويمنعها من مزاولة نشاطها السياسي في الوقت ذاته!

إن هذه التصريحات المتكررة التي تخرج علينا بين الفينة والأخرى لتشكك بوجود الجماعات السياسية من قبل الأطراف الحكومية المختلفة، هي نتيجة متوقعة لعدم وجود قانون صريح يعالج مسألة عمل الأحزاب والجماعات السياسية وينظم شؤونها، وما من شك بأن هذه المفارقات والتناقضات في تعامل الحكومة مع هذه القوى السياسية ستستمر حتى يظهر هذا القانون، لأن الحكومة يطيب لها أن يستمر هذا الوضع الهلامي الضبابي، لانه يخدم مصلحتها بشكل من الأشكال. في يوم نراها تخطب ود القوى السياسية، بل وتزورها في مقراتها الحزبية غير المرخصة وتبارك لها بالأعياد والمناسبات، وفي اليوم التالي لا تتورع أن تشكك بدستورية وجودها وتنفي حقها في الاجتماع والنشاط!