Ad

لم يكن أحمد الربعي وأنا نقرأ على خطيب واحد، فهو كان أقرب إلى حركة القوميين العرب وإلى التيار الناصري الناهض حينذاك، وأنا كنت أقرب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي قبل انقسامه، والمعروف أنه كان بين البعثيين وبين عبدالناصر في مرحلة عقد ستينيات القرن الماضي ما صنع الحداد وأكثر مما صنع الحداد!!

عندما جاءني صوته من خلف البحور، خافتاً لكنه مفعم بالتصميم والإرادة، عادت ذاكرتي بي إلى تلك الأيام البعيدة عندما كان أحمد الربعي، (أبو قتيبة) في ريعان الشباب وعندما كان مندفعاً حتى حدود التهور، وعندما كانت الأحلام والتطلعات التي تملأ رأسه تدفعه إلى ما هو أبعد من الجرأة والشجاعة وإلى ما هو أكثر من الموقف غير المساوم وغير القابل لأنصاف الحلول.

قبل أكثر من أربعين عاماً التقيت أحمد الربعي في إطار لقاءات قادة الحركة الطلابية العربية ورموزها... في ذلك الوقت كانت الحرب الباردة في ذروتها وكان صراع المعسكرات على أشده... وبالطبع فإننا؛ هذا الشاب الكويتي المـُهاجم دائماً والمقتحم دائماً وأنا، كنا إلى جانب الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي ضد المعسكر الغربي و«الاستكبار العالمي».

لم يكن أحمد الربعي وأنا نقرأ على خطيب واحد، فهو كان أقرب إلى حركة القوميين العرب وإلى التيار الناصري الناهض في ذلك الحين، وأنا كنت أقرب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي قبل أن ينقسم ويصبح هناك بعثان أحدهما عراقي وآخر سوري، والمعروف انه كان بين البعثيين وبين جمال عبدالناصر في مرحلة عقد ستينيات القرن الماضي ما صنع الحداد وأكثر مما صنع الحداد!!

لكن هذه العلاقة الصِّدامية والمتأزمة دائماً بين جناحي الحركة القومية «العربية» في عقود العواصف والأنواء تلك، لم تؤثر على علاقة الصداقة التي كانت تربطني بهذا الكويتي الطيب، وكل أهل الكويت طيبون، وقد تمنيت هذه العلاقة على مدى السنوات، منذ ذلك الحين حتى الآن وذلك رغم الانقطاع الطويل، حيث ذهب هو إلى الولايات المتحدة لاستكمال تحصيله العلمي، وساقتني الظـروف أنا لأستقر في لبنان وأستكمل دراستي في إحدى جامعاتها الرسمية الحكومية.

لقد عاد أحمد الربعي من جامعة «هارفارد» الأميركية ليخـدم -بشهادة الدكتوراه التي حصّلها، بتفوق النشطاء والمثابرين والأذكياء- وطناً يحبه وقاتل من أجله في الميادين والساحات والمواقع كلها، بينما ذهبت أنا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 إلى لندن لأحترف مهنة الصحافة، مهنة المتاعب، نهائياً ولألتقي مع صديقي الذي انقطعت عنه وانقطع عني سنوات طويلة على صفحات الجرائد... والغريب أننا كنا دائماً نلتقي في النظرة إلى الأمور عند نقطة واحدة وكنا لا نختلف إلا بالنسبة لبعض الجزئيات والحيثيات الثانوية والصغيرة.

أحمد الربعي كان أحد فرسان البرلمان الكويتي أكثر من مرة، وهو غدا وزيراً للتربية والتعليم وأنا ترشحت للبرلمان الأردني في انتخابات العام 1993 ولم يحالفني الحظ لأسباب ليس من الضروري الخوض فيها الآن، ولكن ومع ذلك فقد أصبحت وزيراً للإعلام والثقافة وكنت أستعين بهذا الصديق كلما واجهتني معضلة وكلما اعترضت طريقي عقبة كؤود صعبة.

كان أحمد الربعي في بدايات تسعينيات القرن الماضي أحد فرسان استقلال الكويت وكان وهو يدافع عن بلده الذي احتلته جيوش صدام حسين في تلك المرحلة السوداء الموحشة واضحاً وحاسماً ومقنعاً ومتفانياً... وأيضاً كان انتحاريا لا يتردد رغم أن كواتم الصوت في تلك الفترة كانت تطارد كل صاحب رأي مخالف لما يقوله قادة الانقلابات العسكرية «الملهمون»!! في كل شبر في الكرة الأرضية.

قال أحد المتكرشين في إحدى المرات، وهو لا يعرف حميمية الصداقة بين أبي قتيبة وبيني: يا أخي ما بال هذا المدعو أحمد الربعي يدافع عن الكويت كل هذا الدفاع؟! وقلت لذلك المتكرش الذي رأيته بعد عدة سنوات لاحقة في الكويت: إنه يدافع عن وطنه ومَن لا يدافع عن وطنه عندما يتعرض لما تعرض له الوطن الكويتي لا يمكن أن يدافع عن شرف أمه ولا عن عرض أخته!!

عُدْ إلينا يا «أبا قتيبة»... عُدْ إلى الكويت فهي لاتزال بحاجة وستبقى بحاجة إليك وإلى أمثالك... عُدْ إلينا ياأحمد الربعي... فالوحشة تأكلنا ونحن نرى مكانك خالياً، عُدْ إلى الكويت ياأحمد الربعي سالماً غانماً فالمسيرة لاتزال طويلة... ووطنك وأهلك بحاجة إليك... ونحن أيضاً بحاجة إليك!!

 

*كاتب وسياسي أردني