خذ وخل: صافح... لا تبوس!

نشر في 19-09-2007
آخر تحديث 19-09-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

لا جدال في أن عادة تقبيل الرجال بعضهم ضارة جداً، لما تنطوي عليه من مغبة نقل عدوى الأمراض التي يمكن انتقالها عبر التقبيل في الفم! ولو أن الواحد منا ـ نحن معشر «المبوسة» اكتفى بتقبيل أم العيال ـ حمالة الأسية والأذية، لهان الأمر ولما اشتكى أحد من بني «المبوسة»، لأن المرء «يبوس» حلاله وزوجه التي تتقبل بعلها بقضه وقضيضه وتتقبله وتقبّله بعلاته احتسابا وأجرا على بليتها وصبرها المحمودين!

حين تربعت على مقعدي في قاعة المنتظرين بقصر «بيان»، إذ يتلقى سمو الأمير، حفظه الله، تهاني المواطنين والمقيمين بالشهر الكريم، جاءني ولدي «فواز» مدير الضيافة في الديوان الأميري، وهمس بأذني قائلا (يبه... صافح لا تبوس) وحسبت ـ لأول وهلة ـ أن العبد للّه هو المقصود وحده بهذه النصيحة، بدعوى أن الولد يخبرني «مبوسة» أعتدت أن أطيح في خلق الله بوساً وعناقاً، كلما قابلتهم!

وقلت لنفسي، في لحظات الانتظار، بأن «فواز» معه حق، سيما وأنه يعرف أني طفحت الفطور الرمضاني المدجج بأسلحة الدمار ذي الروائح القاتلة، مثل «المعبوج» والثوم والبصل والفجل والكرات وغيرها من لذائذ المائدة الرمضانية، التي لا تفلح العطور ولا البخور في إزالة آثارها!

وحين انتظمت في طابور المهنئين، سمعت أحد موظفي إدارة المراسم يهمس هو الآخر بالنصيحة ذاتها على مسامع المهنئين كافة: (مصافحة باليد بمنأى عن البوس والتقبيل)، وقد إنشرح صدري لكوني لست المقصود وحدي بالنصيحة، بل موجهة للجميع!

لكني لاحظت أن العديد من المهنئين لم يلبوا النداء النصيحة، واتخذوا موقف «عمك أصمخ» وأطرش، بدافع أن الطبع أقوى من التطبع، وأن العادة أحياناً تكون مثل العبادة... وربما أشد! والحق أن عادة تقبيل الرجال لبعضهم بالفم: ليست سوية، ولا صحية، والناس يعرفون ذلك... لكنهم مثل مدخني السجاير يدركون مضارها القاتلة، ومع ذلك يمجونها بلذة متعامين عن المواعظ والنصائح جميعها المسطرة على كل علبة دخان!

وقد سبق لي أن سمعت النصيحة ذاتها تلعلع في قصر «بيان» إبان العزاء في سمو الأمير الراحل رحمه الله وغفر له، الأمر الذي يشي بأن اجتهاد الأخوة في الديوان الأميري بهذا الصدد ثابت، وقد يكررونه في المناسبات والأعياد القادمة، إلى حين يكف الناس عن ممارسة هذه العادة السيئة... أي إلى حين «تحج البقر على قرونها»!

أقول ذلك لأن تغيير العادات التي ألفها الناس عقوداً طويلة تحتاج إلى وقت طويل، مشفوع بحملة دعاية وترشيد (بالإذن من وزارة «القهر ... باء») تتضافر فيها جهود وخبرات وزارات: الصحة، والتربية، والأوقاف، والإعلام، فضلا عن جمعيات النفع العام المعنية بالمحافظة على الصحة العامة، وأعرف سلفاً و»إخوانا» إن شئتم... أن هذه الحملة لن تكون سهلة، لكونها متصلة بعادة عتيقة موروثة يصعب تغييرها بجرة نصيحة عابرة، من هنا: تكمن أهمية أن تكون الحملة المرجوة مستمرة ومتواترة، تستخدم تقنيات النصح والإرشاد كافة، بمعنى أن تكون طويلة المدى... إلى ما شاء الله!

ولا جدال في أن عادة تقبيل الرجال بعضهم ضارة جداً، لما تنطوي عليه من مغبة نقل عدوى الأمراض التي يمكن انتقالها عبر البوس والتقبيل في الفم! ولو أن الواحد منا ـ نحن معشر «المبوسة» أكتفي بتقبيل أم العيال ـ حمالة الأسية والأذية ـ لهّان الأمر ولما اشتكى أحد من بني «مبوسة»، لأن المرء يبوس حلاله وزوجه التي تتقبل بعلها بقضه وقضيضه وتتقبله وتقبله بعلاته احتسابا وأجرا على بليتها وصبرها المحمودين!

إن نداء الديوان الأميري يجب أن يتحول إلى شعار يدب على أرض الحياة اليومية؛ فعلاً وممارسة، لأنه اجتهاد صحي محمود يستأهل الإنصياع له برحابة صدر. ذلك أن «ديموقراطية» البوس ليست من الديموقراطية في شيء، لكونها ديموقراطية ذميمة، تصادر حق الآخرين الرافضين لهذه العادة! والعبدالله شخصياً تروق له طريقة السلام الباكستانية حيث يتعانق القوم، من دون قبل في الفم... ولا غيره!

والعبدالله يدرك أن المتنطعين والملكيين أكثر من الملك نفسه سيرفضون هذه النصيحة، وسيصرون على ممارسة العادة إياها إلى حين انقراضهم من حياتنا اليومية! لا يهم... المهم هو أن نشرع في حملة التوعية والإرشاد، سيما وأن «بني مبوسة» جلهم من المسنين الذين يصعب عليهم الآن تغيير عادات ألفوها عشرات السنين، من هنا أحسب أن الحملة يجب أن تركز مضامينها على الشباب الذين يمكن أن تؤثر فيهم ايجاباً، فيطلقوا البوس بالفم طلاقاً بائناً... وبالثلاثة!

وليت كل ديوانية ترصع مدخلها بشعار (صافح لا تبوس) لعل وعسى.. رغم علمي أن العديد من شعارهم «بوس لا تصافح»!

والمهم الآن «أن الأخوة في الديوان الأميري علقوا الجرس في أذن «عاداتنا وتقاليدنا» إياها... وبقى علينا الآن إشاعة هذه الدعوة والعمل بها، إن كره المتنطعون الذين يختارون المرض على الصحة، ويفضلون تلقي أسلحة الدمار الملغمة بالروائح الكريهة لمجرد التشبث بعادة ضارة آن زوالها إلى الأبد! والمصرون حسبهم بوس العيال وأمهم، كما أسلفت! ماذا وإلا فإنهم قد يجدون رفضاً بواحاً صريحاً من ذوي المصافحة! الأمر الذي يوقعهم في حرج، يمكن تحاشيه بالامتثال لنداء: صافح... لا تبوس!

وإذا أصر «بنو مبوسة» على ممارستهم إياها، أحسب أنه من حق الرافضين للبوس الرجالي إلى وضع كمامات تقيهم مغبات البوس، وتجنبهم مضاره! وإذا كانت الكمامات تشكل «بدعة» ليست من عاداتنا وتقاليدنا، فيمكن اللجوء إلى «التلثم» بالغترة، كما نفعلها في موسم «الطوز» والغبار!

وأيا كان الأمر: خذ... وخل!

back to top