ظاهرة الهواش الديموقراطي!
حالات الحرب الكلامية بين عدد من النواب تستعر مع إثارة كل قضية تعتريها شبهة الفساد والانتفاع الشخصي، وعند تحديد أسماء بعض المسؤولين المتورطين بفضائح مالية، أو بعد اتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية بحقهم إذا ثبت قصورهم أو إدانتهم.
الحرب الكلامية بين الخصوم السياسيين ظاهرة شبه طبيعية في الكثير من المجتمعات الديموقراطية والمنفتحة، وقد تصل ذروتها أثناء الحملات الانتخابية، ولافرق في ذلك بين المجتمعات المتقدمة أو النامية، بل تصل الحال في بعض البرلمانات إلى التشابك البدني والضرب بالكراسي وغير ذلك من صور العنف، ومثل هذه المواجهات هي المادة الإعلامية التي تشرئب لها الصحافة ومحطات الإذاعة والتلفزيون، بل إن بعض الدول تتبع أسلوب تقنين الحرب الكلامية وتخصيص مواسم لها ودعوة الجمهور لها وتعيين حكام لتقييمها وتحديد الفائز فيها. إن مثل هذه الظاهرة في الكويت تسمى بـ«الهواش» السياسي بين الفرقاء أو الخصوم، وهي منتشرة على أكثر من صعيد سواء من خلال أعمدة كتاب الصحافة، أو في جمعيات النفع العام، أو النقابات، أو بين صفوف الطلبة، وحتى بروزها في مجلس الأمة لم يكن عارضاً جديداً، بل شهدت قاعة البرلمان أحداثاً كثيرة مشابهة منذ عام 1963، ولكن ما يميز العراك السياسي البرلماني الجديد هو بلا شك التغطية الإعلامية والتضخيم الصحفي التعبوي وجموح الذوق الشعبي للمشاهدة والتعليق والتشجيع.وهذا لا يعني بالتأكيد تشجيع أسلوب حرب التصريحات ونشر الغسيل أو احتدام المواجهات السياسية لدرجة الخروج عن حدود اللباقة وأدب الحوار والانزلاق نحو هاوية الشخصانية المقيتة، ولا يعني في الوقت نفسه السكوت عن الحق وكشف المتجاوزين والمتلاعبين بمقدرات البلاد والعباد أياً كانت مواقعهم ومسمياتهم بالحجة والدليل، ولكن تبقى مثل هذه المعايير متداخلة ومتفاوتة من قضية لأخرى وبين الشخصيات المتصدية لمثل هذه القضايا أنفسهم.ولكن ما يلفت الانتباه على مدى الشهور الماضية، وتحديداً منذ أجواء حل مجلس الأمة في صيف عام 2006، هو الاصطفاف والاستقطاب السياسي الحاد ليس بين القوى والتيارات السياسية المتنافسة فحسب، بل حتى بين أعضاء مجلس الأمة أنفسهم، والغريب أن حالات الحرب الكلامية بين عدد من النواب تستعر مع إثارة كل قضية تعتريها شبهة الفساد والانتفاع الشخصي وعند تحديد أسماء بعض المسؤولين المتورطين بفضائح مالية أو بعد اتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية بحقهم إذا ثبت قصورهم أو إدانتهم، أما دخول النواب كأطراف وخصوم في هذا المعترك وتحت أي تبريرات أو حجج كانت فهو أمر جدير بالبحث، فالعراك السياسي قد يرفع أسهم أطراف النزاع أنفسهم ويزيد رصيدهم البطولي عن أنصارهم، ولكنه بالتأكيد يؤدي إلى تهميش القضايا الأساسية وتناسيها مع ارتفاع غبار الحرب الكلامية والدخول في تفاصيل ومتاهات هامشية، في بلد وصل فيه الفساد بكل أنواعه حد نخر العظم وفي ظل غياب التشريعات الخاصة بالشفافية وانعدام أدوات المحاسبة والتأديب يخشى أن يمتد «أخطبوط» الفساد ليشمل مؤسسة مجلس الأمة، وهي الملاذ الأخير للشعب الكويتي بعدما بلع الكثير من المؤسسات الاقتصادية والإعلامية ومراكز اتخاذ القرار.