انقلاب على إصلاح الدوائر
ذكرت صحيفة «الآن» الإلكترونية أخيرا أن هناك تنسيقاً بين أطراف في الحكومة ونواب قريبين منها لطرح اقتراح تقليص الدوائر الانتخابية إلى دائرة واحدة في دور الانعقاد المقبل على أن يكون للناخب حق التصويت لمرشحين فقط، وينجح في الانتخابات أول خمسين مرشحاً. وسواء كان هذا الخبر صحيحا أم لا، فإن مثل هذا الاقتراح مطروح منذ السنة الماضية، إضافة إلى اقتراح مماثل، مع إعطاء الناخب حق التصويت لخمسة مرشحين، لكن من حيث المبدأ، فإن أي اقتراح يدعو إلى الدائرة الواحدة مع حصر التصويت في عدة مرشحين وبشكل فردي يعتبر ردة على إصلاح الدوائر وأسوأ من نظام الـ25 دائرة المقبور، لأنه يشكل دعوة صريحة إلى استخدام المال السياسي لإيصال بعض الدمى النيابية، كما كان حاصلاً مع النظام الانتخابي السابق. فمع هذا الاقتراح ما على قوى الفساد سوى رصد أقل من 100 مليون دينار (وهو مبلغ لا يساوي شيئا عندها) وتوزيعها على صبيانها لشراء الذمم، وتحصل بذلك على عدد كاف من النواب لإجهاض المشاريع التي تحمي مصالح الشعب الكويتي والمال العام لأن عدد الأصوات المطلوبة للفوز تكون قليلة على عكس نظام الدوائر الخمس.
ولو نظرنا إلى هذا الاقتراح منطقياً، لوجدناه غير عملي إطلاقا، فهل يتخيل أحد منا أن يصوت باستخدام ورقة انتخاب مطبوع عليها أسماء 300 أو 400 مرشح؟! ومن ناحية الإعلانات، هل سيقوم كل مرشح بنشر الإعلانات في كل شوارع الكويت؟! وهل سيتواصل مع آلاف الدواوين المنتشرة في كل المناطق؟ وماذا لو كان عند المرشح نشرة انتخابية يريد أن يوزعها، فهل من المنطق أن يقوم بتوزيعها على 300 ألف ناخب تقريبا؟ من كل ما سبق يتبين أن هذا الاقتراح يريد أن يؤصل الفئوية والقبلية والطائفية في المجتمع، فالمرشح المنتمي إلى قبيلة ما سيسعى إلى التواصل مع أبناء قبيلته فقط حتى يحصل على أصواتهم، وذلك لاستحالة تواصله مع مختلف شرائح المجتمع ولقلة الأصوات المطلوبة للنجاح، وينطبق الأمر ذاته على المرشح المنتمي إلى طائفة أو عائلة معينة.قد نفهم أن يكون التصويت بشكل فردي في نظام الـ25 دائرة نظراً لصغر القاعدة الانتخابية واعتمادها على التواصل الشخصي، لكن تطبيق هذا المنهج أمر مرفوض بالنسبة للدائرة الواحدة التي يجب أن تعتمد على القوائم والتصويت النسبي لأن الخطاب الانتخابي سيكون لكل أهل الكويت وليس محصورا في دائرة صغيرة قد لا تشمل جميع مكوناته، ولذلك فإذا كانت الحكومة فعلا مؤيدة هذا الاقتراح، فإن ذلك سيعتبر آخر مسمار يدق في نعش مسيرة الإصلاح.