أسلمة قياديي الجامعة
نشرت «الجريدة» في عددها الصادر يوم السبت الموافق 14/7/2007 خبرا مفاده أن مدير الجامعة د.عبدالله الفهيد يخضع لضغوطات خارجية، وهو بصدد ترشيح من سيشغل منصب الأمين العام لجامعة الكويت. تأتي الضغوطات كما تذكر «الجريدة» من نواب التيار الاسلامي، وبالاخص (حدس) مهددين مدير الجامعة بسيل من الأسئلة البرلمانية، اذا لم يستجب لمطالبهم في تعيين «المحسوب عليهم».على الرغم من ان مثل تلك الضغوطات والتدخلات التي يمارسها بعض النواب عند تعيين قياديي الدولة ليست بالأمر الجديد، فإن ذلك لم يمنع اصابتي بالذهول «والخرعة» على جامعة الكويت كمؤسسة تعليمية مهمة جدا في هذا البلد.
إن «الخرعة» مصدرها هنا ليس في أن يتوسط تيار معين أو نائب معين لتعيين الموظف المحسوب عليه، فالواسطة أصبحت جزءا من العادات والتقاليد الكويتية المتأصلة.إن «الخرعة» مصدرها التهديد باستغلال صلاحيات النائب من أجل الانتقام من القيادي الذي لا يذعن لأوامر «الجماعة»، إنه لأمر مفزع حقا أن يأتي تيار معين من خارج الجامعة ويهدد مديرها «إما اتعينون صاحبنا... وإلا راح نهريكم أسئلة برلمانية». هذا التهديد يوضح لنا كيف أصبحت الاسئلة البرلمانية (وكذلك الاستجوابات) أداة للانتقام النيابي تخلو في كثير من الأحيان من المصداقية وتهدف الى التشويش وتشتيت الوقت والجهد.ماذا نسمي هذا السلوك؟ هل هو مجرد ضغط؟ مجرد تهديد؟ إنني أرى أن مبدأ التلويح بتوجيه الأسئلة أو الاستجوابات كوسيلة للمقايضة هو سلوك يتعدى كونه ضغطا نيابيا، إنه تجاوز للصلاحيات المشروعة للنائب ومظهر من مظاهر الفساد النيابي.مصيبتنا هنا تكمن في أن عددا لا بأس به من النواب الفضلاء ممن اعتادوا تجاوز صلاحياتهم والتعدي على صلاحيات غيرهم مؤمنون بأن وصولهم الى الكرسي الأخضر يؤهلهم الى أن «يدخلوا خشومهم في اللي أكو واللي ماكو». فهم من يحدد نيابة عن الشعب معايير الصواب والخطأ، حتى على صعيد السلوكيات والخيارات الشخصية. فهم من يحدد ماذا يرتدي الناس وكيف وأين يقضون أوقات فراغهم، وما هواياتهم (الشرعية) أو متى تخرج المرأة للعمل ومتى تجلس في بيتها، وماذا يجب أن تكون اهتماماتها... إلخ؟ لقد اعتدنا التدخل في هذه الأمور «وطوفناها»، لكن يصل الحد بهؤلاء النواب الى «فرض محسوبيهم» على مؤسسة تعليمية مثل جامعة الكويت فهذا أمر خطير.إن تسييس أي مؤسسة تعليمية ما هو إلا دمار لها. ولكي يرتقي العلم والتعليم ويحافظ على مصداقيته لا بد أن يبقى بعيدا عن الحسابات السياسية. وهذا ينطبق على مبدأ اختيار قياديي الجامعة.لذا أرجو ان تصمد يا د.الفهيد حتى إن كان الضغط شديدا، فقد سيّس البعض ديننا الحنيف و«أسلموا» حسب تعبيرهم قانون تنظيم التعليم الجامعي حتى «رجّعوا جامعتنا قري»، وها نحن نعاني ويعاني أبناؤنا الطلبة تبعات قانون منع الاختلاط الذي استنزف من الموارد الكثير ولم ينجز سوى السلبيات وعلى رأسها تأخير خطط التطوير والتنمية لضعف الميزانية، وكذلك «لخبطة» جداول الطلبة وتأخر تخرج الكثير منهم.لقد «طوّفنا» وسكتنا عن الكثير من التجاوزات في صلاحيات النواب، أما آن الأوان أن توضح لكل طرف حدوده التي لا يمكنه تجاوزها؟ إن تعيين الامين العام لجامعة الكويت هو من صلاحياتك يا د.الفهيد وصلاحيات ادارتك ومجلس الجامعة، تختارون من ترونه مناسبا وكفؤا لشغل المنصب. اما النواب فهذه الأمور تخرج عن دائرة صلاحياتهم، يعني بالكويتي «مو شغلهم».إن ما لا يفهمه هؤلاء أن اختيار القياديين يجب أن يخضع لمعيار التجانس،بالاضافة الى معيار الكفاءة، فالإدارة غير المتجانسة هي ادارة ضعيفة ولا تقوى على الانجاز «بس وين اللي يفهم».سكتنا وسكت الجميع عن مجموعة من التجاوزات على حريات الأفراد الشخصية، ولكن نرجو هذه المرة ألا تسكت أنت يا د.الفهيد حفاظا على استقلالية الجامعة، هذا الصرح الأكاديمي الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز التنمية في هذا المجتمع. فاذا سيّست الجامعة بهذا الشكل وتم اختيار قيادييها استجابة لضغوطات نيابية حزبية أو طائفية فلا يسعني إلا القول: «عليه العوض... ومنه العوض».