Ad

على الرغم من مأساوية العمل المتمثل في إنشاء معتقل غوانتانامو، فإن الجهد العظيم الذي بذلته ومازالت تبذله منظمات حقوق الإنسان الدولية قد يمثل نقطة ارتكاز يستوعب من خلالها أصحاب الفكر المتشدد والرافضون للآخر بأن مبادئ حقوق الإنسان وحريته وكرامته هي ملك للجميع.

قبل يومين بالتحديد مرت الذكرى السادسة على إنشاء معتقل غوانتانامو، وقد أقامت منظمات حقوق الإنسان الغربية والدولية مهرجانات تضامنية في العشرات من المدن حول العالم، ففي تمام الساعة الثامنة والنصف من صباح الحادي عشر من يناير وأمام القنصلية الأميركية في مدينة سدني في أستراليا على سبيل المثال قام أعضاء منظمة العفو الدولية هناك بالتجمع مطالبين الحكومة الأميركية بإغلاق المعتقل المشؤوم.

وقامت كلير مالينسون بإلقاء كلمة قالت فيها: «إنه من واجب كل الحكومات حماية مواطنيها من الهجمات الإرهابية وأن تقوم بتقديم الذين ارتكبوا تلك الأفعال إلى العدالة، إلا أنه وبالمقابل فإن على تلك الحكومات نفسها أن تتصرف في إطار القانون واحترام حقوق الإنسان الأساسية. إن مكافحة الإرهاب بالإهارب لا يمكن أن تؤدي إلى النتيجة المتوخاة، بل إن ذلك سيؤدي إلى عزل مجتمعات، وتغذية المعاناة، وتعزيز الخوف والعنف».

ويهدف هذا التحرك الدولي إلى جعل عام 2008 عام إغلاق معتقل غوانتانامو، ويبدو أن ذلك التحرك المستمر قد أحدث أثراً ما في الساحة الأميركية تحديداً، حيث إنها المستهدفة على أي حال، فعلى الرغم من جاذبية المبررات التي أنشئ بموجبها المعتقل، وهي مبررات تدور في معظمها في إطار «الحرب الكونية على الإهارب» فإنها قد بدأت تفقد جاذبيتها، كما أنها فقدت وقودها، فالعديد من القيادات الأميركية انضم إلى صفوف المنادين بإغلاق المعتقل والتشكيك في جدواه والتنبيه إلى خطورة الإبقاء عليه والأثر السلبي الذي أحدثه معتقل لا جدوى منه على صدقية الولايات المتحدة، ومدى التزامها بدستورها نفسه والمواثيق الدولية.

ومع أن هذه الحملات في مجملها تقام في أنحاء العالم، يظل مهماً ملاحظة أن أضعف تلك الحملات، هذا إن وجدت، قد تم في منطقتنا العربية والإسلامية مع أن أغلبية المعتقلين هم من هذه المنطقة، وهو أمر يثير الاستغراب على أقل تقدير، بل إنك تسمع على الدوام من يقول إن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لم تفعل شيئاً، وهي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها ضد الولايات المتحدة في كل المواقع والأصعدة حتى أصبح ملف غوانتانامو جمرة مزعجة تحاول القيادة الأميركية التخلص منها بسبب الإحراج الذي سببته لها.

وتبذل منظمات حقوق الإنسان جهوداً متنوعة، حيث تطوع مئات المحامين الأميركيين -من غير المسلمين- للدفاع عن معتقلي غوانتانامو مع علمهم أن المعتقلين من المفترض أنهم من الإسلاميين المتطرفين. والمؤسف أن ذلك الجهد لا يبدو أنه أحدث أثراً كبيراً في ذهنية التعامل مع منظور حقوق الإنسان ولنأخذ على سبيل المثال المحاولات المضنية التي بذلتها المنظمات الإنسانية للحصول على توكيلات قانونية من أهالي المعتقلين لكي يتسنى لهم تمثيلهم أمام المحاكم الأميركية، فبدلاً من التعاون معهم بدأ البعض بالتشكيك في دوافع وأهداف المحامين الأجانب، بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن شقيق أحد المعتقلين في غوانتانامو من اليمن رفض مصافحة المحامي الأجنبي لأنه كافر وأنه بحسب فهمه المتطرف للإسلام لا تجوز مصافحته، هكذا.

ومع ذلك فإن الالتزام المبدئي لتلك المنظمات والعاملين فيها لم يتوقف عند هذه الأفعال، ولكنهم استمروا في عملهم حتى حققوا نجاحات لا تحصى، وبدأت بعض بوادر انفراج، ولكنها مازالت في مراحل البدايات، ففي إطار عملنا التطوعي في هذا المجال وجدت أثراً مهماً قد حدث مع العديد من الذين كانوا يحملون فكراً متشدداً من الإسلاميين تجاه الآخرين، وهو في الاتجاه الإيجابي، بل إن بعضهم قال لي إنه لم يكن يعرف حقيقة صدق تلك المنظمات إلا من خلال هذه التجربة، مؤكداً أنه قرر الانخراط فيها وأنه يعتبر ذلك تكليفاً شرعياً!!

وهكذا فإنه على الرغم من مأساوية العمل المتمثل في إنشاء معتقل غوانتانامو، فإن الجهد العظيم الذي بذلته ومازالت تبذله منظمات حقوق الإنسان الدولية قد يمثل نقطة ارتكاز يستوعب من خلالها أصحاب الفكر المتشدد والرافضون للآخر بأن مبادئ حقوق الإنسان وحريته وكرامته هي ملك للجميع، فيدافعون عنها وعن حرية الآخرين وكرامتهم بنفس الالتزام. فهل يحدث هذا؟ دعونا نأمل ذلك... فقد فتحت قضية غوانتانامو فرصة لا تعوض لإقامة بناء إنساني من بين الخرائب والركام، فيصبح الزمن الأشهر لانتهاك حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة مدخلاً لتعزيز كرامة الإنسان وحقوقه، على طريقة «رب ضارة نافعة»، من يدري؟!