كان محمد بك الدفتردار أحد السواعد القوية التي اعتمد عليها محمد علي في تثبيت حكمه وتشديد قبضته على الشعب المصري، وكان وحشاً كاسراً يحمل بين جنبيه قلباً صخرياً لا يعرف الرحمة، وعاشقاً للدماء، ويطرب لمشهد الرؤوس وهي تطير في الهواء.
وحدث أن كان الدفتردار يطوف على بعض القرى، عندما تقدم منه فلاح بائس عارضا شكواه فقال: لقد تأخرت عن سداد الضريبة المستحقة عليّ وقدرها ستون قرشاً، لكن ناظر القرية أبى إلا الدفع، فاستولى على بقرتي الوحيدة وأمر جزار القرية بذبحها ثم قسمها ستين جزءاً وأمر بتوزيعها على الفلاحين بواقع قرش واحد للجزء، وأعطى الجزار رأس البقرة لقاء عمله، وبعد أن جمع المبلغ مضى وتركني من دون أن أتذوق حتى ولو قطعة واحدة، فلما فرغ الفلاح من قصته مضى الدفتردار إلى القرية، وأطلق المنادي يطلب من أهلها التجمع في الجرن، وبعث في استدعاء الناظر والجزار، ثم أمر الجند بتكبيل الناظر بالحبال وإلقائه وسط الحلقة، وأنَّب الجزار على فعلته فرد عليه قائلاً: إني يا مولاي، عبد مأمور، فسكت الدفتردار برهة كأنها دهر وأمر الجزار بذبح الناظر، فخف الجزار مسرعاً وانقض على رقبة الناظر فجزها حتى فصل رأسه عن جسده، وقال له الدفتردار أمام هذا المشهد الرهيب: والآن آمرك أن تقطِّع جثته ستين إرباً، ومضى الجزار في تنفيذ الأمر حتى فرغ والتفت الدفتردار نحو أهالي القرية وأمرهم أن يشتري كل فرد قطعة ويدفع قرشين، وصرع الأهالي بالأمر، فتجمع له مئة وعشرون قرشاً دفع بها للفلاح المنكوب ليشتري بقرة جديدة، وكافأ الجزار برأس الناظر جزاء على تعبه، وانطلقت منه ضحكة فظيعة كأنها زلزال مدمر، وظن أنه بذلك قد أقام عدلاً، ومحا ظلماً.
توابل
عبد مأمور
25-09-2007