كشف سمو رئيس الحكومة للزميلة «السياسية» يوم الأول من أمس، عن تفاؤله بأن الكويت بخير، فهي حسبما قال في حالة إقلاع، والاستثمارات قوية، والاقتصاد متين، وأن مرحلة التنمية التي نعيشها ستمتد إلى ثلاثين عاما، ستقام خلالها مدن ومؤسسات صناعية في المناطق الشمالية.

Ad

سمو الرئيس، بيّن خلال نفس اللقاء أنه يحمل «إرثاً ثقيلاً من الفساد»، كما طمأن بأن القانون سيطبق على الجميع، وأكد أن الحكومة تسير على الطريق السليم للنهوض بالبلاد، وأنها بالتعاون مع مجلس الأمة، ستتمكن من تعديل وتحديث التشريعات البالية، وأن هذا التعاون سيسفر عن تمرير «سلة قوانين» جديدة، منها قانون للتجنيد وآخر لهيئة المال والشركات، وحقول الشمال.

سمو الرئيس، ضرب كذلك مثلا بمشروع «الحكومة مول» كونه دلالة على التطور الإداري، وهذا «المول» لمن لا يعرفه، عبارة عن تجميع للمكاتب التنفيذية في الوزارات الخدمية، ودورها تسهيل مراجعة المواطن، ويمكن الاستدلال عليه، من الازدحام الذي يتسبب فيه مراجعوه، عندما يغلقون حارتين مروريتين من أصل ثلاث في شارع عبد العزيز الصقر مقابل برج التحرير بالعاصمة.

بقدر ما أسعدني كم التفاؤل الذي ظهر به سمو الرئيس، بل وكل رئيس للحكومة قبله، رغم «إرث الفساد» الذي نعيش فيه، بقدر ما ازددت ألماً على حال البلد، التي يريد فيها المواطن فقط 300 متر مربع، تؤويه مع أبنائه بكرامة، بدلاً من 1000 متر سينتظرها مدة 30 سنة.

مشكلة الموطن الكويتي أنه «وحده» ولا أحد غيره ساقط من الحسبة، فالكل يتمنى له الخير، ولكنه مع ذلك عليه أن يقبل العيش في واقع مترد، فتجده يحلم بتطبيق القانون، وأن يرتاد شوارع نظيفة، ومدراس تعلم أبناءه لا تربيه نيابة عنه، ومستشفيات يأمن فيها على نفسه، لكنه بالمقابل أمام واقع مغاير لذلك، وجُل اهتمامه من سلة قوانين الحكومة، قانون وحيد يفرض احترامه على موظف الدولة، حينما يراجعه من دون واسطة.

المواطن يا سمو الرئيس، لا يطالب حكومتك بالمعجزات، بل باستثمار هذه الوفرة الناضبة، بمشاريع يراها متحققة أمامه، لا وعود يسمعها من سموك، كما سمعها ممن تعاقبوا على سدة الوزارة قبلك، فهو يعلم أن البلاد منذ عام 1962 رهينة %5 من مساحتها الإجمالية، وهو وحده لا يستطيع كبح جماح غلاء أسعار العقار، كما لا يستطيع تأمين استمرار وصول الكهرباء إلى بيته صيفاً.

خلال العامين الماضيين، سمو الرئيس، أطلقت المملكة العربية السعودية خمس مدن اقتصادية، ومثلها مشاريع إسكانية، وتم تحسين مستوى معيشة المواطنين الخليجيين، وشيدت عشرات الأبراج في إمارة دبي لتستوعب مئات الشركات التي تأسست فيها، ويشارف مطارها الجديد على الانتهاء، ومثله خط القطار المعلق، بينما نحن خلال هذه الفترة، لا نزال ننتظر أن تقدم الحكومة خطتها التي ستطبقها بعد ثلاثين عاماً.

في هذا البلد، جُبل المواطن على الانتظار، سواء في المستوصف، أو للحصول على بيت حكومي، أو وسط الزحام المروري، أو لإنجاز معاملته بإحدى وزارات الدولة، أو في طابور الجمعية التعاونية، أو للقاء مسؤول حكومي، فهو لا يملك في حياته سوى الانتظار، وعليه، فلن يضره كثيراً أن ينتظر وعود الحكومة تتحقق بعد ثلاثين عاما، فعندها سيكون لكل حادث حديث، وحتى ذلك الوقت سيسلي نفسه بالصبر والتفاؤل، وتخيل شكل بيته ذي الـ 1000 متر مربع.