أُقر دستور الكويت عام 1962 وانتخب أول مجلس نيابي عام 1963. وقيل وقتها إن دستور الكويت هو أفضل دستور عربي وأن فيه كثير من القواعد الديموقراطية التي ستنقل البلاد من سلطة الفرد إلى سلطات ثلاث متكاملة يكون لكل منها دورها المحدد المستقل والمتكامل.

Ad

واليوم، نحن في عام 2007، أي بعد 45 عاماً منذ أُقر الدستور و44 عاما منذ انتخاب أول مجلس أمة، فأين نحن من منظومة الدول الديموقراطية؟ هل تحقق لنا الكيان الديموقراطي الذي نريد؟ هل أصبحنا دولة ديموقراطية ... السلطة فيها للشعب؟ هل مارسنا الحقوق التي وردت بالدستور نصاً وروحاً في اتجاه تكريس وتعميق الديموقراطية؟ هل أدت الممارسة البرلمانية دورها الديموقراطي والدستوري في نشر أسس الحياة الديموقراطية وتطبيقها، والمشاركة الفعلية في حكم البلاد وإدارتها وتعميق دور الفرد والشعب في مواجهة سلطة الفرد؟ هل تقدمنا خطوة واحدة في بناء الحريات العامة وبناء كيان ديموقراطي حقيقي لدولة الكويت؟ هل أشعر أنا كفرد بقيمتي الحقيقية والارتياح لأمن بلدي ومستقبل أبنائي وأحفادي بعد ما يقرب من نصف قرن على إعلان الدستور واختياري أول ممثل لي في مجلس الأمة؟ هل نحن أحسن حالاً، أم أسوأ حالاً بعد كل هذه السنين؟

هذه أسئلة أوجهها إلى نفسي، وأعتقد ان كل مواطن يوجهها إلى نفسه أو «إلى ربعه» في الديوانية، ولكن النتيجة للأسف مفجعة ومحبطة. فكما أن إدارة البلاد تتدهور من سيئ إلى أسوأ، وكما يتضح استخفاف السلطة بالدستور والقوانين بدليل عدد المرات التي جمدته فيها أو حاولت تعديله أو معارضة أي تطوير للقوانين المتعلقة بالحريات العامة، فإن ممارسات ممثلينا في مجلس الأمة، هي أيضاً تتدهور من سيئ إلى أسوأ.

مجلس الأمة الذي تقع عليه مهمة التشريع، هل قدم أي تطوير للقوانين الخاصة بالحريات والممارسة الديموقراطية؟ مجلس الأمة الذي من واجبه مراقبة الحكومة ومحاربة الفساد، هل حال الفساد في البلاد أفضل مما كان قبل 44 عاماً؟ نوابنا الأفاضل يريحون ضمائرهم بذكر الفضائح والتجاوزات ويصرخون في كثير من جلساتهم، ولكنني لم أسمع أو أرَ المجلس أو النائب الذي يكشف فضيحة أو فساداً يستمر حتى يقدم استجوابا أو يشكل لجنة للتحقيق حتى نخرج بنتيجة، ولكي تعرف الحكومة، أو العضو المفسد فيها أو منها، أن الحق حق وأن مجلس الامة يقف بالمرصاد ولا يترك كبيرة أو صغيرة إلا أحصاها، وأنه لا يهدأ حتى يستأصل حال الفساد التي حقق فيها.

إن أياً من هذا لم يحدث.. واكتفى مجلسنا الموقر بالصراخ ثم عاد العضو إلى ديوانيته ليقول هل رأيتم ماذا فعلت هذا اليوم بهم؟ والحقيقة... أنه لم يفعل شيئاً، وإنما قال وكرر ما قالته الصحف أو ما ردده الناس في دواوينهم، ولم ينجز المهمة التي هي لُب عمله وأساس القسَم الذي حلف به في بداية ممارسة دوره نائباً عن الأمة. ألم يرَ النواب انشغال الناس عنهم واستخفافهم بمناقشاتهم؟

الحكم لم يتغير خطوة إلى الأمام في الاتجاه الديموقراطي، بل أثبتت الأيام استمرار عملية التآمر لتفريغ الدستور من محتواه وتزوير الانتخابات وشراء الضمائر. وعندما رأت السلطة أنها لا تستطيع تغيير الدستور ولا تعطيل البرلمان تعطيلاً غير دستوري بعد تحرير الكويت، فإنها، كغيرها من الدول الديموقراطية العربية، استخدمت طريقة الإغراق؛ الذي يعني أن تكون السلطة ديموقراطية في الشكل أكثر من مجلس الأمة، بل أكثر من الأحزاب والمنظمات الأهلية.

إن ما تكتبه الصحافة وما يقال في الندوات والجمعيات وغيرها من وسائل التعبير لا بد أن يراه البسطاء بعين الإعجاب، فليست هناك حرية أوسع من هذه الحرية؛ ولكن الديموقراطية العربية عبر عنها أحد الشعراء الشعبيين على لسان أحد الرؤساء العرب:

(إحنا بلد ديموقراطية... أنتم تقولون ونحن نفعل ما نريد).

والسلطة أصبحت تجيد اللعبة مع برلمان وجد معظم أعضائه طريق الثروة، فضاع الدستور وشُوهت الديموقراطية بفعلهما المشترك.

فكيف نسترد حقوقنا ونستعيد دستورنا ونحقق المشاركة الفعلية في إدارة بلادنا ونقنن لتقدمها وحمايتها؟ ألا يكفي 45 عاماً للانتهاء من فترة التجربة؟