فيلم الموسم..نورية فوق المنصة!

نشر في 27-12-2007
آخر تحديث 27-12-2007 | 00:00
 د. ساجد العبدلي

لا أقف ضد المستجوِّب أو المستجوَّب، ولكن ما أقف ضده هو نظامنا الذي أفرغ أداة الاستجواب من محتواها الإصلاحي التقويمي وأحالها إلى عصا يُساء استخدامها، وطبل يملأ جونا ضجيجاً ويشغلنا عن قضايانا الأهم. ولعبة عبثية سخيفة يمارسها نواب البرلمان يتساقط على أثرها الوزراء وتبقى المشاكل التي أثاروها عالقة وجذورها ثابتة لا تتحرك

النظام، وليس غيره، هو من أحال أداة الاستجواب البرلمانية من حالتها المفترضة كأداة تقويمية إصلاحية هادفة إلى فائدة المستجوب والمستجوب (بكسر الواو مرة ونصبها مرة) وإلى الصالح الوطني العام، إلى وسيلة للضغط والتحدي والتصادم السياسي مع الحكومة. واليوم، وعندما لا تتجاوب الحكومة مع ما يريده نائب أو كتلة برلمانية ما، نجده يهددها بالاستجواب، ونجد الحكومة في المقابل ترتعد فرائصها وتسعى وبشتى الطرق إلى منع حصول هذا الاستجواب، وكأنه نهاية العالم!

هذا الأسلوب الخاطئ في تعامل النظام مع أداة الاستجواب البرلمانية، خلق من حول الاستجوابات مجالا مشحونا بالتشنج وبالتوتر الإعلامي، وجعلها تصبح وكأنها أفلام موسم يترقبها الناس ويتتبعون أخبار أبطالها وممثليها، في حين أننا لو نظرنا إلى الديمقراطيات المستقرة حول العالم فسنجد بأن الاستجوابات ما هي إلا ممارسة طبيعية تتم بهدوء وبسلاسة وبلا أي ضجة إعلامية مبالغ فيها، وبدون تهويل وتهييج شعبي، وبدون، وهذا هو الأهم، أن ترتعد فرائص الأنظمة والحكومات!

كدت أسقط من الضحك وأنا أشاهد صور النائب سعد الشريع في صحف أول أمس (الثلاثاء)، حيث ظهر في الصفحات الأولى وهو يسلم السيد علام الكندري الأمين العام لمجلس الأمة صحيفة استجوابه لوزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح، في مشهد درامي ظهرا فيه وكأنهما يسلمان بعضهما وثيقة من وثائق التاريخ أو كأس انتصار في بطولة عالمية! الاستجواب حق دستوري لأي نائب تجاه أي وزير، وليس في الأمر أية بطولة أو انتصار، وإنما هو إجراء روتيني بحت، لكن التعامل الغريب لنظامنا مع هذه الأداة البرلمانية الروتينية أحالها إلى استعراض مسلسل، ومسرحية إعلامية عبثية، كما نشاهد اليوم في استجواب نورية الصبيح الذي في علم الغيب عما سينجلي.

نورية الصبيح في اليوم نفسه تصرح بأنها ستصعد المنصة وستفند الاستجواب. جميل جداً، لكن ما دام الأمر كذلك، وطالما أن الأمور بهذه السلاسة، فلماذا كل هذا الصخب الإعلامي وكل هذا الضجيج الحكومي الذي شنّف آذاننا طوال الأيام الماضية وسيبقى دون شك حتى يوم الاستجواب؟ ولماذا لم يكن هذا قول الوزيرة منذ البداية حتى تقطع الطريق على النافخين في الجمر ليجعلوها ناراً تلظى، ليخلقوا من هذا اللا شيء الذي ستفنده الوزيرة شيئاً؟!

لست في هذا المقال أقف ضد المستجوب أو المستجوب (من جديد، بكسر الواو مرة ونصبها مرة)، فقاعدتي الثابتة هي أن الاستجواب حق لكل نائب وعلى الوزير الصعود إلى المنصة والرد وللبرلمان الحكم والتصويت بطرح الثقة من عدمها، وليس أمامي لذلك سوى انتظار يوم الاستجواب لأسمع وأشاهد ما سيحصل. ما أقف ضده هو نظامنا الذي أفرغ أداة الاستجواب من محتواها الإصلاحي التقويمي وأحالها إلى عصا يُساء استخدامها، وطبل يملأ جونا ضجيجاً ويشغلنا عن قضايانا الأهم، ولعبة عبثية سخيفة يمارسها نواب البرلمان يتساقط على أثرها الوزراء وتبقى المشاكل التي أثاروها عالقة وجذورها ثابتة لا تتحرك!

back to top