ندوة الجريدة الاقتصادية: الثروة والتوزيع: أزمة التنمية وفلسفة الريع

نشر في 04-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 04-03-2008 | 00:00
ندوة الجريدة الاقتصادية تناقش آمال الإنتاج وسلبيات عقلية الاستهلاك
الإقتصاد الكويتي: ثروة ناضبة وموارد مستنزَفة
المشاريع والتنمية بين الإرادة والإدارة
 قراءات بالأرقام لإحصائيات بعضها مبعث للتفاؤل، وآخر منذر بضرورة اتخاذ ما يلزم من اجراءات، تحسبا لايام يصبح فيها النفط شيئا مذكورا في دولة جاب تجارها دول العالم قبل وبعد اكتشاف النفط، فضلا عن اسطول بحري مؤلف من نحو 250 قطعة بنيت له قواعد تجارية في عدد كبير من دول العالم.

ذاك بعض ما تناولته ندوة «الجريدة» في يومها الثاني الذي تحدث فيه رجال اقتصاد مثلوا ويمثلون القطاعين العام والخاص، ماضين على ضرورة عدم تحويل المواطن الكويتي الى مستهلك سلبي يكتفي بالمطالبة بزيادة الرواتب، والكوادر.

افتتح مدير عام غرفة تجارة وصناعة الكويت احمد راشد الهارون حديثه بإعطاء لمحة تاريخية عن دولة الكويت، حيث قال «الكويت في التحليل الاقتصادي والتاريخي ميناء طبيعي وموقع استراتيجي وحرية فكرية واقتصادية، وتلاحم عضوي بين حكم رشيد ومجتمع مدني نشيط».

ولفت الى دور الكويت في نقل التجارة وامتدادها الاقتصادي، بامتلاك مناطق الانتاج وفتح مكاتب تصدير في مواقع مختلفة وصناعة وامتلاك وسائل النقل، الى جانب انها كانت ميناء لإعادة الصادرات وهي، اي الكويت، ليست نبتة في حقل نفط.

واشار الى دور القطاع الخاص في انشاء مؤسسات اقتصادية حديثة (البنك الوطني- الخطوط الجوية الكويتية- الناقلات- البترول الوطنية- المطاحن...).

وقال «في السبعينيات وبعد القفزة الكبيرة في اسعار النفط، استحوذت الدولة على معظم تلك المؤسسات، واصبح واضحا انحسار دور القطاع الخاص مقابل نمو القطاع العام، مشيرا الى ان درجة الحرية الاقتصادية تتناسب عكسيا مع مستوى تدخل الدولة في الانشطة الاقتصادية، فالحرية الاقتصادية وجه من وجود الديموقراطية».

واضاف في مارس من العام الماضي 2007، نظمت غرفة تجارة وصناعة الكويت مؤتمرا اقتصاديا كبيرا، حظي برعاية سامية وحضور كريم من صاحب السمو الامير كان عنوان المؤتمر «كلام مكرر وقرار مؤجل»، تناول 6 محاور في 6 جلسات غطت مختلف الجوانب الاقتصادية وسلطت الضوء على الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد الكويتي.

وبين ان من ابرز الاختلالات ونواحي الضعف البطء في اللحاق بالمستجدات العالمية (العولمة ومتطلباتها)، والبطء في وضع الهدف، الذي اطلقه صاحب السمو، من ان تكون الكويت مركزا ماليا وتجاريا موضع التنفيذ الفعلي، والاختلال الهيكلي في الانتاج والعمالة بسبب هيمنة القطاع العام على مجمل النشاط الاقتصادي (حجم العمالة الكلية 1.6 مليون -350 ألف كويتي أي نحو 18% من حجم العمالة، ويتوزع الكويتيون على نحو 88% موظفي حكومة، 12% قطاع خاص، الى جانب عدم تجاوب نظام التعليم ومخرجاته مع احتياجات ومتطلبات السوق للخروج من المأزق، وعلينا الاجابة عن بعض الاسئلة والقضايا.

وروى الهارون قصة، هي ان رجل اعمال كبير سأل ابنه العائد من امتحان التخرج في كلية الاقتصاد بجامعة هارفارد، ما السؤال الذي طرح عليك اليوم؟ فلم ذكر له السؤال استغرب الوالد جدا لأنه ذات السؤال الذي طرح في امتحان التخرج من كلية الاقتصاد بجامعة هارفارد قبل 30 عاما. وعندما التقي عميد الكلية، لم يخف عنه استغرابه، فأجابه العميد «صحيح ان السؤال ذاته، ولكن الاجابة قد تغيرت».

نحن في الكويت مازلنا نطرح الاسئلة ذاتها ايضا، ونسمع الاجوبة نفسها. مؤكداً أن سر الكويت في العودة إلى روح المبادرة.

واكد ان توسيع القاعدة الانتاجية لم يتحقق، بل ان درجة اعتمادنا على النفط ودرجة ارتهان مستقبلنا قد زادت. (اكثر من 60% من الناتج المحلي الاجمالي، و94% من الايرادات العامة)، مشيرا الى وجود خلل في التركيبة السكانية، واصبح اكثر تعمقا، اذ تراجعت نسبة العمالة الوطنية من 34% في الثمانينيات الى 18% حاليا، وتعمقت مع هذه الحقيقة ظاهرة البطالة المقنعة، الى جانب ضعف الادارة العامة، الذي تعمق بعدما اصابها من تضخم.

وقال ان فرصة الاصلاح اصبحت اضيق، لافتا الى ان المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس World Economic Forum أجرى دراسة مستفيضة العام الماضي 2007، يستشرف فيها صورة دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2025. وقد بنى استشرافه هذا من خلال محاولة الاجابة عن سؤالين اثنين الأول: مدى رغبة وقدرة هذه الدول على تنفيذ برامج الاصلاح السياسي والاقتصادي، وفرض هيبة القانون ومبادئ الحوكمة الرشيدة في الادارتين العامة والخاصة، والثاني مدى نجاح هذه الدول في الحفاظ على الامن والاستقرار الداخليين في ظل الحالة المضطربة للمنطقة ككل.

ولفت إلى أن هناك قضيتين اساسيتين برزتا كمؤثر كبير في مستقبل المنطقة، هما التعليم والابتكار، ثم القيادة والحوكمة: المقصود بها القيادات السياسية، والادارة العامة، ونظام القانون والقضايا كلها أساسية في تحديد الطريق الذي ستسير فيه دول المنطقة.

على الصعيد نفسه أكد الهارون أنه توجد 3 سيناريوهات لدول المنطقة مع عام 2025 متسائلا بالقول، هل تستطيع دول المجلس أن تعزل نفسها عن اضطرابات المنطقة لتتفرغ للبناء الداخلي، وفرض القانون وتحقيق الاصلاح؟

ثم هل تستطيع الاستثمار الكثيف في التعليم والابتكار وخلق قطاع خاص قوي والاصلاح من القاعدة إلى رأس الهرم؟ وبين أن السيناريوهات الثلاثة رغم كل ما نأخذه عليها تبين لنا أن استقراء مستقبل الكويت الاقتصادي يعتمد على متغيرات رئيسية عديدة أهمها: التعليم والتدريب والابتكار، والقيادة والادارة العامة، واسعار النفط، والاصلاح الاقتصادي والسياسي، والتنمية الاجتماعية، ومدى النجاح في دخول العولمة.

وأكد أن فوق هذا كله وقبله يبقى العاملان الحاسمان اللذان هما هيبة القانون واحترامه وتطبيقه بعدل وحزم داخليا، واستقراء الأوضاع الأمنية في المنطقة خارجيا.

وأوضح القول: أنا شخصيا لست منجما لاستقرئ مستقبل الاقتصاد الكويتي في إطار كل هذه العوامل التي تشكل الصورة، وأنا شخصيا لست متشائما لاستقرئ المستقبل الاقتصادي الكويتي في ضوء الأوضاع الحالية ودلالاتها، وأنا شخصيا لست متفائلا إلى درجة أتخيل معها مدينة الحرير بعد سنوات قليلة وتوزيع ألف مسكن شهريا اعتبارا من الشهر المقبل، وخصخصة المشاريع العامة خلال ثلاث سنوات، وتحسين خدمات الصحة والمواصلات والاتصالات خلال سنة، وقبل هذا كله انقاذ التعليم من السياسة، وانقاذ المجتمع من الوصاية قريبا.

نرجع إلى الوراء

تحدثت نائب الرئيس التنفيذي في بنك الكويت الوطني شيخة البحر عن قصة الكويت كدولة قامت على مقومات، ابرزها مجموعة من التجار والحكام، اضافة إلى الشعب.

وقالت ان التجار امتلكوا منذ القدم رؤية لتحويل الكويت إلى بلد يستغل امكاناته في قطاعات التنمية المختلفة، لافتة إلى أن فكرة المنطقة الحرة ظهرت في الكويت منذ الستينيات غير أن المستغرب أن دبي نفذتها بينما

لانزال في الكويت نرجع إلى الوراء، فبدل مكافأة الشركات عاقبناها.

وأضافت أن عام 1960 في عهد الشيخ جابر الصباح شهد إقرار عدة عقود اسست عليها نواة الاستثمارات في الكويت.

من جانب آخر لفتت البحر إلى أن مخرجات التعليم لا تتوافق مع احتياجات القطاع الخاص، ومستواها ليست بالمستوى الكافي والمطلوب لتحقيق طموحات موجودة في شركات القطاع الخاص، في اشارة إلى بروز هيمنة كبيرة من القطاع العام على القطاع الخاص.

الكويت أعلى زيادة في الرواتب

من جهة ثانية، اشارت البحر إلى أن الكويت تعتبر الاعلى نسبة من حيث نسبة زيادة الرواتب البالغة 14% بينما السعودية والإمارات لم تتجاوز الـ 8%.

وأكدت ان الحاجة ليست ماسة الى زيادة الرواتب بقدر الحاجة الى خلق سيناريوهات خاصة بالكويت، لافتة الى ان بعض الدول تصل الى درجة لا تستطيع فيها دفع رواتب موظفيها اذا تدنى سعر برميل النفط الى مستوى 52 دولارا.

ولفتت الى ان الحاجة ماسة جدا الى التفكير في مجلس استشاري لايضاح الرؤية للكويت حتى 2020، مشيرة الى ان المفترض بمجلس الامة ان يعمل على ذلك وليس المناداة بخلق صندوق للاجيال الحالية كما قيل على لسان احد النواب.

الطريق واضح... والتردد دائم

من جانبه، اكد عضو المجلس الاعلى للتخطيط والتنمية علي الرشيد البدر ان الوضع الاقتصادي والتنموي في الكويت يتطلب تفكيرا رسميا جديدا ورائدا ومبدعا، ولكن ضمن طريق واضح معروف ومجرب يؤدي الى تنمية واسعة وحية وذكية.

ونحتاج الى مثل هذا التفكير لإنقاذ الكويت من الجمود التنموي والسياسي الحالي، الذي سينتج عنه ضرر واسع بمستقبل الاجيال القادمة اذا لم يتم تدارك الامر في اقرب وقت.

واضاف «ففي الكويت حاليا، وبسبب هيمنة الدولة على الاقتصاد والاعمال. هناك قدر واستنزاف غير مرئي لقدرات ومصادر الاقتصاد الوطني، يتمثل في وجود بطالة وطنية مقنعة في اجهزة الحكومة المترهلة بعشرات الألوف من الشباب الكويتي المتعلم والقادر على الانتاج لو اتيحت له الفرصة في العمل في جو انتاجي منفتح، ان في هذه البطالة المقنعة اهدارا وحرقا لأهم موارد الانتاج في الاقتصاد الوطني».

فهناك مئات بل ألوف الملايين من الدنانير تصرف من حصيلة بيع النفط، وهو اصل ناضب، على مرتبات وظائف وهمية استهلاكية.

ان تكلفة الرواتب والاجور والكوادر وتعويضات التأمينات الاجتماعية السنوية اضحت تستنزف الجزء الاكبر من ايرادات النفط، ان التزايد غير المسبوق في المصروفات العامة خلال السنوات الاربع الماضية سيعرض الميزانية العامة للخطر في السنوات القادمة، اذا ما تراجع سعر النفط، ولقد خفض من انتاجية المصروفات الحكومية الى مستوى متدن، بل كان له دور رئيسي في ارتفاع نسبة التضخم. وهناك تأخر ملموس لمشاريع تنموية مطلوبة بسبب هيمنة الدولة البيروقراطية على مفاصل الاقتصاد، بحيث تفوقت كل دول الخليج علينا.

وقال البدر «ان 80% من العاملين الكويتيين (250 ألفا) يعملون في الحكومة ولا يتجاوز عدد الكويتيين في القطاع الخاص 14% من مجمل العاملين الكويتيين وهناك اكثر من 520 الف كويتي تحت العشرين سنة سيدخل منهم اكثر من 100 الف الى سوق العمل خلال الخمس سنوات القادمة، فاذا لم يوفر القطاع الخاص تلك الوظائف الجديدة، واذا لم تقم الدولة بفتح المجال للقطاع الخاص لتنمية الاقتصاد على الوجه السليم المنتج والفعال كي يستوعب تلك الوظائف فان هؤلاء المئة الف كويتي سينتهي المطاف بهم للعمل في مئة الف وظيفة وهمية تضاف الى عشرات الالوف من الوظائف الوهمية التي تضج بها دوائر الدولة الآن، والتي لا طموح لاغلبهم سوى المطالبة بالمزيد من المنح والعلاوات والكوادر المكلفة دون اي انتاجية تذكر».

هيمنة الدولة

واشار الى ان الكويت اصبحت بسبب هيمنة الدولة المفرطة على الاقتصاد دولة رعوية مستهلكة بشكل مطلق، فصارت الحكومة صاحب العمل والمجلس نقابة العمال، والاجندة الرئيسية للمجلس والحكومة، بالتالي هي رفع الرواتب من وقت الى اخر بغض النظر عن مدى الحاجة الى تلك الوظائف، ونوعية تلك الوظائف، بل ادت تلك الهيمنة الى اغراق جهاز الدولة بمسؤوليات واسعة اقتصادية وسياسية، ومثلت بالتالي نقاط تأزيم مستمرة تعكسها الاسئلة النيابية والاستجوابات المتلاحقة.

واضاف ان الدولة تسيطر حاليا على 70% من اعمال الاقتصاد، فهي تحتكر كل اعمال الصناعة النفطية، وهي الصناعة الرئيسية ان لم تكن الوحيدة في البلد، وتسيطر سيطرة شبه كاملة على اعمال قطاع الخدمات التعليمية والصحية والطيران والهواتف الارضية، والنقل العام وتسيطر الجمعيات التعاونية وهي مؤسسات شبه حكومية على الجزء الاكبر من تجارة التجزئة، ولاتزال الدولة تمتلك حصصا كبيرة في كبريات الشركات المدرجة، واخيرا تسيطر الدولة على كل الاراضي القابلة للاستصلاح، وهي العنصر الاساسي في جميع مشاريع التنمية الاقتصادية، ولم تقدم حتى الان برنامجا اقتصاديا فعالا لتطوير تلك الاراضي.

فلم يتبق للمواطنين الا بعض الاعمال العقارية التجارية على رقعة محدودة تتصاعد اسعارها الى مستويات غير اقتصادية مكلفة للاقتصاد، واعمال استيراد البضائع الاستهلاكية، وجزء محدود من نشاط الخدمات.

واشار الى ان الدولة اصدرت أخيرا وبعد طول انتظار قوانين تنموية ناقصة في مجال التخصيص والتنمية، وهي قانون تخصيص الكويتية وقانون الـ«بي او تي»، بل واتى مشروع قانون التخصيص الذي بنيت عليه امال كبيرة في مجال التنمية، ناقصا لم يحقق اهدافه الاساسية بالفعالية المطلوبة.

وقال البدر ان هدف الدولة يجب ان يكون تنويع مصادر الدخل القومي، والعمل على تحسين مستوى معيشة المواطنين وتسهيل الطريق امامهم بتكوين الثروة الشخصية لهم ولاولادهم عن طريق تشجيع التنمية والحث على الادخار والاستثمار، وتوفير البيئة المناسبة لبناء الكثير من الشركات المساهمة العامة الدائمة والنامية وليس زيادة ثروة المالية العامة فقط، بالاضافة الى بناء احتياطي مناسب للاجيال القادمة تعتمد عليه اذا ما نضبت الايرادات النفطية.

عيوب تنموية

واضاف البدر ان القوانين الاخيرة تضمنت عيوبا تنموية واضحة حين سعت الى زيادة اموال الخزينة العامة على حساب استثمارات المواطنين وارتفاع تكلفة الخدمات التي ستقدمها تلك المشاريع لهم، فهي لم تقدم مشاريع استثمارية دائمة للمواطنين، بل تخلق كيانات مؤقتة مكلفة عندما تدفع الدولة الى إنشاء شركات مؤقتة لتنمية المشاريع الجديدة، بدلا من خلق شركات وطنية دائمة مطلوبة ولازمة لبناء الاقتصاد الوطني، وستضيق الاجراءات التي تضمنتها تلك القوانين من فرص المواطنين والمستثمرين من تحقيق عوائد مناسبة على استثماراتهم الوطنية، وستخلق جوا استثماريا سلبيا سيترتب عليه زيادة تكاليف التشغيل على الشركات الجديدة على المدى الطويل بما يرفع من تكلفة منتجات وخدمات تلك المشاريع التي ستقدم للمواطنين، ويؤدي الى تدني مستوى معيشتهم.

وقال، خذ على سبيل المثال قانون الـ«B.O.T»، فالدولة وهي التي تمتلك الارض، وهي العنصر الاساسي في كل مشروع تنموي تركز على تأجيرها لمدة معينة للمشروع الجديد، وهذا يعني ان شركة المشروع الجديد والتي ستطرح للاكتتاب العام ستكون شركة مؤقتة لا توفر ظروف وعناصر الاستثمار الدائم، وهذا خطأ فادح، فإدارة تلك الشركة ستستخدم مواد واساليب بناء منخفضة التكلفة ومتوسطة الجودة في بناء المشروع، ولذلك سيكون المشروع منخفض الجودة وستحرص ادارة المشروع على استرجاع اموالها وارباحها في فترة قصيرة، لذلك سيكون سعر الخدمات التي سيقدمها المشروع مرتفعا تماما بسبب قصر فترة الاستثمار، وسيتحمل تلك التكلفة المواطنون والمستهلكون، فيتراجع مستوى المعيشة وسيزيد الوضع سوءا عندما تنتهي فترة الاستثمار وتتلاشى الشركة من الوجود، ويفقد المساهمون -او ورثتهم- اموالهم الاصلية وتسترجع الدولة المشروع من دون مقابل، وتعيد طرحه اما في المزاد العام باسعار عالية ستترجم آنذاك الى زيادة اخرى في اسعار الخدمات التي يقدمها المشروع فتزيد تكلفة المعيشة على المواطنين اكثر واكثر، او بطرح ادارة المشروع مقابل عمولة مع كل المشاكل التي ستتبع مثل هذا النظام.

وبين ان حصيلة تنفيذ هذا القانون ستكون في زيادة ثراء الخزينة العامة على حساب المواطنين والاضرار بمستوى معيشتهم وقدرتهم على الاستثمار الطويل الاجل لصالح اجيالهم القادمة، وتقزيم الشركات الجديدة، اضافة الى ان هذا القانون يتعارض مع هدف الدولة الحديثة، وهو زيادة ثروات المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، وسيتحول القانون الى مصادرة استثماراتهم وزيادة تكاليف المعيشة عليهم.

قصور تنموي في التخصيص

واكد ان القانون الخاص بـ «الكويتية» بل ومشروع القانون الخاص بالتخصيص تضمنا في تقديري قصورا تنمويا واضحا بالاصرار على ضرورة اجراء تقييم نمطي (كلاسيكي) للموجودات بغض النظر عن قدرة تلك المؤسسات على تحقيق العوائد المناسبة، وسيشكل صعوبات على طريق التنفيذ، ولن يحقق الاهداف الخاصة بهيكلة تلك المؤسسات على الاسلوب الذي يتماشى مع اهداف تلك القوانين بخلق شركات لها فرصة في النجاح وتستقطب كل المواطنين اليها.

فالتقييم الكلاسيكي لموجودات مؤسسات الخدمات -قطاع الكهرباء- سيكون غير منطقي لغرض التخصيص، فأي قيمة ستؤخذ في الاعتبار، هل هي القيمة التاريخية للمحطات ام القيمة الاستبدالية الجارية، وكلا القيمتين ستمثل مبالغ باهظة تتنافى مع اهداف التخصيص.

فاذا ما اصرت الدولة مثلا على تقييم موجودات ذلك القطاع بسعر الاستبدال مثلا، فإن ذلك سيكون بآلاف الملايين من الدنانير، وهذا سيعني زيادة واسعة في تكاليف التشغيل المرتبطة بها، وهذا سيعني بدوره ارتفاعا مضاعفا في سعر الخدمة التي ستقدمها الشركة الجديدة عن السعر الحالي، وسيكون في ذلك زيادة هائلة في التكاليف التي سيتحملها المواطنون، وستضطر الدولة بالتالي لا محالة الى اعادة انفاق الاموال التي اخذتها عند البيع -ان استطاعت- في شكل دعم مكلف للمواطنين، وذلك بعد الحاق افدح الضرر بمستوى معيشة المواطنين، وتدمير اجراءات برنامج التخصيص وجودته في جاذبيته وسمعته واقتصادياته.

وبين ان هذا كله يحتم على الدولة ان تفكر في برنامج جديد للغاية ووفق منهج ابداعي اقتصادي تنموي جسور، برنامج يعطي للتنمية القادمة افاقا جذابة وواقعية، برنامج عملي واقعي يأخذ في الاعتبار اهداف سياسة التخصيص التنموية ومصلحة الاقتصاد على المدى الطويل، برنامج يحول المواطنين كلهم الى مالكين في مؤسسات الاقتصاد الوطني يعملون على تحسين مستواها وتخفيض الهدر في مصروفاتها، برنامج يشجع الكويتيين على الاستثمار والادخار لصالحهم ولصالح اولادهم من بعدهم وترك الاسراف والتبذير، برنامج يخفف من مسؤوليات الدولة ويوقف الهدر في مصروفاتها ويصفي نقاط التوتر السياسي بين الحكومة والبرلمان، برنامج يستدعي همم الكويتيين وطاقاتهم ويحفز من ابداعهم بتشجيع المبادرات الشخصية الخلاقة وينقذ البلد من حالة الجمود التنموي الحالية.

رسملة مؤسسات الاقتصاد

وسيتحقق ذلك من خلال الاخذ بالتوصيات الاخيرة للجنة التنمية والاصلاح الاقتصادي في المجلس الاعلى للتخطيط والتنمية والتي تتلخص في ضرورة المضي قدما في برنامج للتخصيص يتضمن رسملة مؤسسات الاقتصاد العامة بثمن منطقي يتوافق مع احتياجات الاقتصاد والهدف الاساسي لسياسة التخصيص، ويخفف من اعباء المواطنين المعيشية لاحقا، مع توزيع اسهم تلك المؤسسات المخصصة على كل المواطنين بالتساوي ومن دون مقابل ان لزم الامر، على ان تباع الاسهم المخصصة للمجموعات الاستثمارية بالمزاد العلني مع تحديد ثمن ابتدائي منطقي لها، يمكّن الدولة والاقتصاد من بناء شركات قوية مزدهرة قادرة على النمو والبقاء.

وعلى ان تستخدم الدولة الأموال التي ستوفرها لاحقا من جراء عمليات التخصيص في تمويل ايجاد انظمة دعم مدروسة للمواطنين تمكنهم من تحمل تكاليف الخدمات بعد التخصيص.

إن مثل هذه التوصيات الجريئة هي الوحيدة التي ستكفل قبول الرأي العام لمشروع التخصيص العام، وستؤدي بالتالي الى موافقة مجلس الأمة عليه ووضعه موضع التنفيذ في أسرع وقت ممكن، ان التكاليف التي سيتحملها المال العام محدودة من وراء ذلك لا تتعدى قيودا دفترية فقط، باعتبار ان موجودات مؤسسات الخدمات مستهلكة بالكامل من الناحية المحاسبية، بينما تكلفة استمرار الوضع الحالي هي تكلفة نقدية ضخمة للغاية وآخذة في الازدياد باطراد.

وقال وفي النهاية دائما وفي كل الأحوال، يجب ان تعي الدولة الكويتية ان دور الدولة الحديثة التنموي هو ان تبذل قصارى جهودها في تنمية الاقتصاد لمصلحته والمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم، وان تعمل الدولة في خدمة الشعب لا ان يعمل الشعب في خدمة الدولة، وان يكون هدفها هو زيادة ثروة المواطنين ورفاهيتهم وتحسين مستوى معيشتهم، لا ان يكون واجب المواطنين هو العمل على زيادة أموال الخزينة العامة اكثر فأكثر.

وبيّن أن الاصلاح الاقتصادي هو اللبنة الاولى في الاصلاح السياسي، واصلاح الوضع العام الذي تمر به الكويت، ومعالجة مختلف المشاكل السياسية والاقتصادية التي نمر بها، والتنفيس من حالة الاحباط والشكوى التي تهيمن على المواطنين لا يكون من خلال التنظير والخطب، بل من خلال الاقدام على برنامج تنموي جسور شامل يستقطب كل المواطنين ويشغلهم بما يفيدهم، ويحول الكويت الى ورشة عمل نشيطة يشارك فيها مجمل الشعب من خلال خطة التخصيص المقترحة، فيحول عشرات الألوف من البطالة المقنعة الى نشاط تنموي وحي وفعال، فيتحول المهندسون والمدرسون والاطباء والموظفون الى شركاء ومساهمين ومديرين فاعلين في شركاتهم يهتمون بأعمالهم ومستقبلهم في مؤسساتهم على مستوى الحافظات صعودا الى مستوى الدولة ككل، وتتغير الاهتمامات من زيادة الرواتب ومنح الكوادر المكلفة الى العمل الجاد المنتج في شركاتهم التي يمتلكونها ويديرونها بما يحقق مصالحهم بشكل مباشر لا يتطلب الواسطة او التزلف.

وأوضح ان مسؤولية الدولة الحديثة في الأساس هي اقامة العدالة وحماية البلد داخلياً وخارجياً، ووضع انظمة الدعم الاجتماعية الكافية والعادلة، وتحفيز التنمية والتقدم، لا ان تعمل منافسا للمواطنين في ارزاقهم واعمالهم.

مشروع التنمية الواقع... ومخارج المستقبل

وفي كلمته عن مشروع التنمية في ندوة «الجريدة» قال رئيس مجلس ادارة شركة الشال جاسم السعدون:

في حدود فهمي الشفهي ومن واقع الدعوة المكتوبة، هو أن على كل مشارك الحديث مدة ربع ساعة، نصفها في تشخيص ما آلت إليه أمور التنمية في الكويت، ونصفها الآخر في المخرج من هذا الوضع، ولعلها الدعوة الثالثة لي للحديث في نفس الموضوع، لذلك لن يخرج حديثي في صلبه عما سبق ان ذكرت، ولن يكون مسهباً بسبب ضغوط عنصر الوقت.

وسوف ألتزم بالحديث في ثلاثة محاور، الأول، خاص بقراءة المؤشرات الرقمية، والتي إن قرأت صماء، فستكون للتشخيص دلالة ايجابية عن وضع التنمية القائم، والثاني خاص بتحليل الوقائع التي ان قرأت من منظور مؤشرات الاقتصاد الكلي، فقد تعطي دلالة مناقضة تماماً لقراءة الأرقام الصماء، وهذان المحوران الأول والثاني يحاكيان مرحلة تشخيص الحاضر، ولا شك ان فيهما بعض الاجتهاد القابل للجدل. أما المحور الثالث فهو محور خاص بالمخرج من الوضع القائم، وهو لا يقدم نموذجا تنمويا بديلا، ولا يعد بحلول سحرية، ولكن من دونه لا أمل في الخروج من الوضع المتخلف القائم.

دلالات الأرقام

وأكد السعدون ان قراءة الأرقام توحي بأن مسار التنمية في الكويت متفوق، وربما يعد شيئا قريبا لما يتحقق في آسيا، إذ تتسارع معدلات النمو الاقتصادي منذ عام 2003، ومعها تتراكم فوائض الموازين الداخلية والخارجية، وبين الاقتصادات التقليدية، تحسم تلك الأرقام تفوق دولة على أخرى وبشكل قاطع، ومؤشرات الكويت الرقمية تعلن تفوقها.

وأضاف السعدون أن الأرقام تعطي دلالات موجبة، ولكن ليس هذا ما يعكسه تحليل الوقائع، ولن أخوض طويلا في جدل نظري، ولكن سأذكر مؤشرات سريعة توحي بأن الاقتصاد الكويتي إما انه يتخلف بشكل نسبي وهو أهون الشرين، وإما انه يتخلف بشكل مطلق وهو الاسوأ، وسوف ألخص المؤشرات بالتالي:

وبين أن القطاع العام يساهم بنحو 70% من حجم الناتج المحلي الاجمالي، وهو الأمر الذي ليس له مثيل في اي دولة في عالمنا المعاصر، بعد ثبوت فشل قيام الحكومات بعملية الانتاج السلعي والخدمي، لافتا إلى أن الحكومات استعاضت في معظم دول العالم عن دور الانتاج السلعي والخدمي بدور أشد قوة وأنفع وهو دور المعد والمنظم والمراقب لحماية مصالح الدولة، ولا اظن أن أي أحد يمكن أن يجادل على أن فشل حكومتنا في الدور الانتاجي يصاحبه فشل أعظم في دورها كمنظم ومراقب.

تشوهات النمو

وقال من أشد تشوهات النمو العشوائي هو قيام الحكومة بتوظيف 80% ممن هم في سن العمل من الكويتيين، ونذكر تواضعا بأن نصفهم بطالة مقنعة، وهي تضمن معظم نفقات تقاعدهم.

وأكد بالقول ولان الأمر لا يعدو تخريج موظفي حكومة، فقد تدهور مستوى التعليم العام في معظم حكوماته، وأصبح حتى القادرون يذهبون إلى اقل التخصصات حاجة وأسهلها في تمرير الشهادة ولأنهم لا يتعلمون في مجال العمل العام، تمت، وبفعل فاعل، الاساءة إلى قدرات راس المال البشري وهو الاساس في أي مشروع تنموي.

ولفت إلى أن الانفاق العام الجاري تولى المهمة التوزيعية بدلا من مهام البناء، وأصبحت التشوهات واسعة جدا ما بين الجهد والمكافأة، ولم يعد بإمكان القطاع الخاص المنافسة على اجتذاب معظم العمالة الكويتية لارتفاع تكلفتها وضعف انتاجيتها وقلة عدد ساعات العمل الفعلية في القطاع العام، والطبيعة التوزيعية الجارية للانفاق العام، لا تستطيع التعويض بخلق فرص عمل جديدة، وهو التحدي الذي تحسب له كل الدول ألف حساب.

وقال إن الاقتصاد الكويتي الذي يبلغ فيه عدد من هم دون الـ21 سنة نحو 541.9 ألف نسمة أو نحو 52.2% من عدد السكان الكويتيين، ويحتاج إلى خلق نحو 300 ألف فرصة عمل خلال 15 سنة قادمة، وهو ما لم يستطع خلقه خلال 60 سنة فائتة سيعجز كل من القطاع العام والقطاع الخاص عن مواجهة أهم تحديات الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي أي احتمالات البطالة السافرة.

وجزم السعدون بأن المؤشرات الرقمية مرتبطة بمساهمة النفط بنحو 55% من الناتج المحلي الاجمالي ويمول نحو 90% من مصروفات الموازنة العامة، وأكثر من 90% من حصيلة العملات الاجنبية والتي تمكننا من الانفاق على ما نريد والتنمية تعني ضرورة ان تكون تلك المؤشرات قابلة للاستمرار إلى الأبد، مع خضوعها لتذبذبات الدورات الاقتصادية التقليدية، ونحن نعرف أننا بعد 60 سنة لم نستطع تنويع مصادر الانتاج وبالتبعية مصادر الدخل، وأن النفط بطبيعته ناضب بالاستهلاك أو بالتقدم العلمي، وبأننا نملك منه أقل مما كنا نعتقد، أي أننا من دون النفط أو بضعفه لا نستطيع الاستمرار بالحد المعقول من المستوى المعيشي.

أين المخرج؟

قال السعدون إذا جازت بعض الاستعارة وقد لا تكون صحيحة تماماً، ولكنها تقرب كثيرا من فهم المقاصد ربما استطيع أن أذكر أن أي تجربة تنمية ناجحة تحتاج إلى عنصرين اساسيين «العضل» أو الموارد و«العقل» أي الادارة القادرة والواعية، ومما تقدم، يمكن أخذ الاستعارة إلى الفقرتين السابقتين فالمؤشرات الرقمية هي مؤشرات وفرة العضل، بينما دلالات الوقائع، هي مخرجات ضعف العقل او الادارة أي اننا في الكويت حققنا ما يمكن أن يصنعه العضل، والعضل دون عقل متوازن، قد يحقق ما هو ايجابي ولكن كمية الأذى التي تنتج عن الاسراف في استخدام العضل بغير الخيارات السليمة يكون كبيرا أو كبيرا جدا.

وأضاف وللإدارة سبيلان أحدهما سليم والآخر غير سليم واختارت الكويت سبيل الادارة السليم في بدايات ستينيات القرن الفائت ثم حادت عنه وصرفت كل طاقاتها لالغائه فتخلفت اقتصاديا وثقافيا ورياضيا واجتماعيا وكل تجارب العالم توحي وبشكل قاطع بأن التقدم والتخلف دالة في الادارة السليمة، وهناك دول نجحت بامتلاك العقل وحده ودون ما يكفي من عضل، ونجحت في وضع دولها في مصاف الدول المتقدمة، ليس أولها دول أوروبا ما بعد العصور الوسطى، وليس آخرها اليابان وكوريا وفنلندا وايرلندا، واسمحوا لي باستعارة اخرى في تعريف خيار الادارة السليمة، فالتراث الانساني يثبت أن خيار الادارة كان دائما بين ما اسميه شخصيا بهيبة السلطان مقابل هيبة السلطات وفي نماذج الصراع المنظمة قاد اوليفر كروميل في اربعينيات القرن السابع عشر جيش البرلمان في حرب بريطانيا الأهلية ضد جيش الملك شارلز الأول، الذي حل البرلمان حلا غير دستوري اكثر من مرة وبعد انتصار جيش كروميل تأسست جمهورية برلمانية على انقاض الملكية سار بعدها الامر في سقوط الجمهورية وعودة الملكية، ودفعت بريطانيا ما يكفي من دماء حتى استقر الأمر على الانتصار لهيبة السلطات على حساب هيبة السلطان، وكان الطريق لتحول بريطانيا إلى الملكية الدستورية وإلى الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

وقامت الثورة الفرنسية في العقد الأخير من القرن الثامن عشر وكانت الهيبة للكنيسة الكاثوليكية وحفنة من النبلاء بالاضافة إلى الملك الضعيف لويس السادس عشر، وتبنت الثورة أفكار جان جاك روسو حول نظرية العقد الاجتماعي ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة ورغم كل التقلبات التي حدثت لاحقا ومعها المآسي، إلا أن الأمور استقرت لصالح هيبة السلطات مع نزعة شديدة لاحترام حقوق الإنسان وخصوصياته.

ولفت إلى إنه ذكر في محاضرة سابقة في غرفة تجارة وصناعة الكويت أن الثورة الأميركية أو حرب الاستقلال قامت بوحي من أحداث اوروبا، ورفض الاميركان الزامهم بدفع ضرائب دون دور مقابل في صناعة قدرهم ومستقبلهم، وقال ابراهام لنكولن ما معناه بأن تفوق امة في انجازاتها هو نتاج تمازج الارض والانسان والقانون، والأخير يعني هيبة السلطات وليست هيبة السلطان، والواقع انهم في دول الغرب التي تتبع النظام الديموقراطي الرئاسي وضعوا سقفا زمنيا معلوما لبقاء السلطان في السلطة حتى لا يصدق بدوامة أن السلطة اصبحت للسلطان.

وأضاف في عجالة رغم النجاحات الوقتية للدول التي سادت فيها مبادئ هيبة السلطان على حساب هيبة السلطات، ومنها مثلا المانيا الهتلرية وآخرها نظام صدام في العراق، وبينهما ستالين في روسيا وشاه ايران عبر الخليج إلا أن النهاية الأخيرة والحتمية كانت كوارث، ومن دان له العالم علما واقتصادا وسياسة هو تلك النماذج التي حسمت امرها في سيادة مفهوم هيبة السلطات في إدارة شؤونها العامة.

ولعل بعض الاستعارة الاضافية من التاريخ المعاصر مفيدة ففي عالمنا العربي والاسلامي هناك نموذجان تنمويان ناجحان فقط، الأول فى أقصى الشرق، والثاني في اقصى الغرب، ففي أقصى الشرق تنازل سلاطين الولايات في ماليزيا عن هيبة سلطانهم لصالح هيبة سلطات الدولة، وقدمت ماليزيا النموذج الإسلامي الوحيد الذي وضعها في مصاف نمور آسيا الأخرى، وفي أقصى الغرب فاز حزب اسلامي في انتخابات حرة، ويبصم الحزب الاسلامي على العمل تحت مظلة واحترام الدستور العلماني وذهب إلى أبعد من ذلك، فبينما يطلب الاستثمارات من الشرق المسلم يتوق ويستخدم الدعم والضغط الاميركي للتوحد من الغرب المتقدم المسيحي، من أجل مصلحة الشعب التركي، وهكذا بات الماليزيون حكاما ومحكومين فخورين جدا بانتمائهم إلى ماليزيا، وبات الاتراك يفاخرون بأن نموذجهم الاقتصادي نجح في جعل تركيا سادس اكبر اقتصاد اوروبي، والاقتصاد رقم 17 على مستوى العالم.

وعودة إلى الحالة الكويتية لقد وضعت الكويت الأسس لبناء دولة حقيقية، ولكن بعد وضع القواعد السليمة اضاع كل من المالك والمقاول خارطة البناء وتمترس كل من في البلد خلف فريقين: الاول يدافع عن القواعد فقط، والثاني يعمل بالجرافات على ازالتها، وأهمل الفريقان الخارطة لاكمال البناء، وبدلا من توجيه العضل والطاقة بالاتجاه الصحيح، هدرت الطاقات في الصراع الثنائي، ولكسب الصراع استبيح كل شيء مثل لا حرمة للدستور والقوانين لا خطوط حمراء في التفتيت القبلي والطائفي والعرقي والمناطقي وتوجيه العضل أو الموارد لشراء المؤيدين والمريدين، والحصيلة هي أن أصبحت دلالات الوقائع مناقضة لدلالات الارقام أو الموارد أي أن العقل بات يوجه العضل إلى وظيفة يغلب عليها الهدم وليس البناء.

الموارد غير دائمة

وأخطر ما يحدث هو ان العضل او الموارد غير دائمة، وأن العقل القادر على انتشال البلد من واقعها لا يبشر بخير، فالمرشحون للصراع من أجل هيبة السلطان أقل خبر وحصافة من تعاقب الاجيال، وأكثر ما أخشاه هو ان يحتدم الصراع مع نزوع الى استخدام وسائل لم تكن تستخدم، منها مثلا سرقة البلد لشراء العزوة والنفوذ، وهناك نماذج له، وألا نجد بدا من تكرار التجارب العنيفة والمؤلمة لكل من بريطانيا وفرنسا لحسم أمر الهيبة، ولكن، ربما بعد فوات الأوان.

وأعتقد، ان هذا البلد الطيب والجميل، يستحق منا كل الجهد لحسم سبيلنا في إدارته لصالح هيبة السلطات، ولابد أن يحدث ذلك بالقناعة والتفاهم مع أعلى السلطات، وهو خط الدفاع الأول عن مستقبل البلد، أما خط الدفاع الثاني فهو القوى السياسية المنظمة او السياسيون الفاعلون، والذين مهما اختلفوا لابد أن يراعوا ان تكون بينهم مساحة للاتفاق، وأمن البلد ومصيرها في إدارتها الديموقراطية، وهو ما يجب ان يضعوا أسس تعزيزه حتى في حالة فشل خط الدفاع الأول في انتشال البلد، والأحزاب والدوائر التي تعمل على خلط مناطق واعراق وطوائف وقبائل هذا البلد الصغير، إقرارها ضرورة قصوى لإعادة بناء كيان الدولة على انقاض كل التقسيمات الاخرى، وتعزيز كيانات وفعاليات ومؤسسات المجتمع المدني الاخرى النقابية والمهنية، وتهيئة كل الناس للتحول الى دافعي ضرائب ولو رمزية، ضرورة ثالثة لحسم خيارنا الاداري المؤسسي، حيث لا هيبة طاغية سوى القانون.

وحتى لا يفهم بأن الخيار الديموقراطي الشامل لتداول السلطة التنفيذية من قبل الأحزاب السياسية نظام مثالي وخال من العيوب والأخطاء وربما الخطايا، لابد من التأكيد على انه ليس نظاما مثالياً، ولكنه افضل وآمن نظام إداري اخترعه البشر، وفيه خاصية الاصلاح الذاتي بمرور الزمن، وتراكم الخبرة، وفيه خاصية حث البشر على احترام ذاتهم وصفاء الانتماء والمواطنة، وفيه خاصية اطلاق قدرات البشر في تنافس يشحذ عقل وهمم الانسان، ليعطي أقصى ما لديه للوصول الى ما ينبغي، وأحد الأمثلة الصارخة هو احتمال ان يرأس اقوى قوى العالم رئيس ملون مختلط الأعراق، بينما لم يكن في مقدوره قبل نحو 40 عاما الزواج من امرأة بيضاء في الولايات الجنوبية.

المجرن: الخصخصة هي الأهم

د. عباس المجرن استاذ الاقتصاد في جامعة الكويت أكد ان موضوع الخصخصة في الكويت من اهم المواضيع التي يجب الأخذ بها، لانها ليست مخترعاً كويتياً لكي يتم بحثها 16 سنة. وقال ان أول برنامج خصخصة بدأ في نيويورك 1676 عندما قررت أن توكل تنظيف الطرق الى شركات خاصة.

والاقتصاد بصورته الحديثة عندما طرح في أول كتاب لآدم سميث «أبو الاقتصاد» 1767 كان في الأساس قطاعا خاصا يقوم على أن ترفع الدولة يدها عن التدخل في قضايا الاقتصاد.

وذكر المجرن ان الأزمة الاقتصادية في الثلاثينيات أساساً كانت من مسؤوليات الدولة، بسبب ضعف الرقابة على الشأن الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن نحن عالجنا الخلل بخلل عندما استمر دور الدولة في الهيمنة والتوسع، حيث ان العالم تدارك هذا الخلل في الستينيات من القرن الماضي، مشيرا في الوقت ذاته الى ان هناك مئات التجارب في الخصخصة وناجحة جداً.

وتطرق المجرن الى تجربة الخصخصة في تشيلي عندما خصخصت نظام التأمينات الاجتماعية وأصبح من أنجح الأنظمة. واعرب المجرن عن اعتقاده بان التكلفة الاجتماعية، التي نخشى منها في ما يتعلق بالخصخصة، هي أقل بكثير من تكلفة استمرار هيمنة الدولة على النشاط الاقتصادي.

اليوحة: خلل سكاني

حسين اليوحه قال ان هناك خللا سكانيا في الكويت، وان عدد العمالة في الكويت 23% في عام 1964 والآن في 2008 أصبح 18%، وهل هذا صحيح بأن نعتمد على الآخرين من العمل في القطاع الخاص وأين دور القطاع الخاص من ذلك؟

واكد ان قانون القطاع الخاص سيئ، ووضع في فترة لم يكن أحد من المواطنين يعمل في القطاع الخاص، ولكن اليوم نرى القطاع العام متخما، والعمال في الكويت تحتاج الى جهود كبيرة من جميع الاطراف.

المجدلي: القطاع الخاص ليس بلاعاً للبيزة

الباحثة ضياء المجدلي قالت نطمح الى مشاركة القطاع الخاص للنهوض وحل مشاكل البلد، لكن يجب قبل ذلك ان اعرف ماذا قدمت الكويت للقطاع الخاص، وماذا قدم الأخير الى الكويت، معربة عن رغبتها في معرفة ميزان الأخذ والعطاء.

ما المنتظر من القطاع الخاص ان يقدمه للكويت، لأن هناك نماذج من دول قريبة من الكويت ترى ان القطاع الخاص لا يطمح الى الربحية في مقابل ترك بصمة للبلد، كذلك هناك مشاركة اجتماعية للقطاع الخاص في بعض اجزاء الدولة وللأسف نرى ذلك في الكويت، وكأن القطاع الخاص «بلاع البيزة» يأخذ دون ان يعطي، مع تمنياتها بان يكون هناك قانون خاص يلزم القطاع الخاص للمساهمة ودفع ضريبة خاصة للبلد. من جانبها، تساءلت الطالبة في جامعة الكويت زينب بدر ما الأفكار المطروحة بالنسبة الى الجيل الحالي والأجيال القادمة، وكيف يستطيعون ان يصلحوا الوضع الاقتصادي؟

3 سيناريوهات للخليج في 2025

أشار الهارون إلى أن دراسة المنتدى في استشراف مستقبل دول المجلس اعتمدت على مدى نجاحها في تطوير قضيتين اثنتين، اعتبر أن لهما وزنا كبيرا في تحديد المستقبل وهما: التعليم والابتكار، والقيادة والحوكمة، ويقصد به القيادات السياسية، الإدارة العامة، النظام القانوني والقضائي، وقال ان الدراسة انتهت إلى ان مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي عام 2025 يمكن أن يكون وفق أحد السيناريوهات الثلاثة التالية، الأول: سيناريو الواحة Oasis وانتهى إلى أن مسيرة العولمة ستبقى مستمرة ولكن ببطء بسبب الدواعي الأمنية، وستنعم المنطقة بنمو اقتصادي جيد يدعمه ارتفاع كبير في أسعار النفط، وستحرز تقدما مقبولا في توسيع القاعدة الانتاجية وبناء الصناعات، بينما ستبقى التنمية الاجتماعية غير متوازنة ويغطي ضعفها وعدم توازنها استمرار دولة الرفاه، بينما ستقوى العلاقات مع الغرب ومع آسيا، غير أن الاستقرار الإقليمي يبقى ضعيفا، لافتا إلى أنه، وعلى الناحية السياسية ستكون الاصلاحات الديموقراطية محدودة جدا.

أما السيناريو الثاني: الذي يسمى عاصفة رملية Sand Storm فيتصف، بهيمنة قضايا الأمن والهموم المحلية، وبأسعار نفط منخفضة بسبب انهياره في الأسعار عام 2011، مما يخلق مشاكل حقيقية في ميزانيات ومديونيات دول المجلس، وان القطاع الخاص والانشطة غير النفطية ستلقى منافسة عالية جدا في مناخ اقليمي وعالمي غير طيب، بينما يتفاقم التوتر الاجتماعي بسبب الارهاب وعدم القدرة على الاستمرار في برامج الرفاه وازدياد الفوارق في الثروة والدخل، وسيزداد الاعتماد على الولايات المتحدة في ضمان أمن دول المجلس بسبب ازدياد المخاطر الخارجية، وستركز الحكومات والانظمة على الاستقرار قصير المدى وتفعل الرؤية طويلة المدى.

أما عن السيناريو الثالث: الخليج الخصيب Fertile Gulf فوصفه الهارون بأنه الأكثر تفاؤلا وينتهي إلى اندماج أكثر وكفاءة في ميدان العولمة، وتصبح المجتمعات أكثر التصاقا وتعاونا وذات ثقافة متكاملة، وبأسعار نفط مرتفعة، وباستثمارات ضخمة في التعليم والابتكار، واقتصادات تعمل حسب قوى السوق، واتساع القاعدة الانتاجية، مع تنمية اجتماعية متوازنة في ظل تعاون خليجي أقوى، وتوزيع أكثر عدلا للدخل، مع مشاركة ديموقراطية أفضل.

الصقر: نواب معارضة وخدمات في آنٍ

قال الصقر عن دور مجلس الأمة والحكومة في الاصلاح الاقتصادي، يجب أن يسبقه اصلاح سياسي، وإذا كان هناك اصلاح سياسي فالعنصر المهم في ذلك هو تطبيق القانون، ولكن للأسف أكثر جهة تكسر القانون هي الحكومة، واكثر جهة تقف امام النواب المدافعين عن القانون هي الحكومة.

واضاف الصقر هناك مثال على ذلك وهو قانون التعديات على أملاك الدولة الذي أخذنا به وعودا من الحكومة لتطبيقه، ولكن في نهاية الأمر قامت الحكومة بتأجيله، وهذا يعني الغاءه، وقال انا أحد النواب المعارضين للصرف العشوائي واسقاط القروض والزيادات التي تضر بالمواطن، ومع الصرف على الخدمات الحكومية، الصحة والتعليم والكهرباء، وللاسف الكثير لا يعلم أن اسقاط القروض فيه اعتداء على الدستور لانتفائه مبدأ العدالة، ومع هذا الحكومة ممثلة في البنك المركزي تفرض على البنوك بأن تأخذ احتياطيات تدمرهم، وللاسف هناك اعضاء يديرون البلد، وأنا من أحد النواب الذين يطالبون وينادون بالاصلاح الاقتصادي وماذا سيكون مصيرنا؟، الحكومة هي ضرر على البلد فهي لا تمارس حقوقها.

وأوضح الصقر من الغرائب في المجلس أن هناك نواب معارضة وخدمات في نفس الوقت! والخلل في الحكومة وليس بمجلس الامة، وكل حكومة تأتي هي اضعف من سابقتها وكل مجلس جديد يأتي يبتز الحكومة، لكي يستفيد ويحقق مصالحه الخاصة.

خليل حيدر: قاعدة صناعية ضخمة

الكاتب الصحافي خليل حيدر قال في مداخلته إن أي شخص يدرس اقتصادات الخليج سيفاجأ بأنه امام لغز كبير، لأنه اول مرة في الاقتصاد توجد ثروات تنتج في شكل ضخم من دون وجود قاعدة صناعية ضخمة، هذه الثروة لنفرض أننا وفرنا مليارات ولكن يبقى السؤال كيف توزع هذه الأموال على الافراد؟

واضاف ان التخبط، الذي نراه الآن، هو سبب عدم قدرة الحكومة على تحسين اوضاع الناس وفي نفس الوقت تحفزهم على الانتاج، وهذه المعادلة لم تصل اليها الحكومة. كما ان هناك ثروة ضخمة، فكيف يمكن ان تدار وتوزع مع بقاء العمل والانتاج موجود ومحافظ عليها.

ولفت الى ان كل الحديث، الذي يدار عن المستقبل، يتداول بين النخبة، وللأسف ان هذا الحديث على اهميته لا يصل الى الشارع الكويتي الذي هو في وادٍ آخر، فهم يفكرون بالزيادات والسعي وراء الكسب السهل، لأن هناك ارتجالا اقتصاديا، مشيرا الى ان هناك مشكلة بعدم وصول المعلومات الصحيحة الى الشارع الكويتي.

وعلق حيدر على الدور القيادي للشريحة التجارية او الاقتصادية في الكويت، حيث ان دورهم غير متماسك وليس لهم رأي في مجال التعليم أو الخدمات أو التصور للدولة، فمتى يصبح قطاع الأعمال له دور مؤثر في الانتخابات كما هو حاصل في انتخابات الولايات المتحدة الأميركية، وأين «اللوبي» الخاص برجال الأعمال مما يحصل للاقتصاد في الوقت الحالي؟

وأوضح ان القطاع الخاص حقق نجاحات هائلة في مجالات متعددة، وقد آن الأوان لأن يعيدوا خلق الاقتصاد والتوجه السياسي.

الحرمي: المشكلة هي عدم وجود مخارج للفوائض المالية

قال الخبير في الشؤون النفطية كامل الحرمي: قبل ستة أشهر مدخول الدولة من النفط كل عشرة أيام مليار دولار، من اليوم النفط الخام الكويتي 90 دولارا بمعنى كل أربعة ايام مليار دولار، واذا أخذنا هذا الرقم الميزانية العامة للدولة من خلال احتساب 60 دولارا للبرميل وسعر البرميل وصل 100 دولار، فهناك فائض مالي يصل الى مليار دينار مع نهاية شهر مارس.

وأكد ان المشكلة الآن هي كيفية عدم زيادة انتاج النفط الخام ولكن هذا مستحيل، لأننا نعيش في عالم صغير لكن الطريق الوحيد لمعالجة زيادة الانتاج للنفط الخاص هو رفع انتاج الخام الكويتي بالكمية الحقيقية للاحتياطي النفطي.

وقال اليوم لو نعطي المواطن منحة نفطية فلا أحد يمنع، لأن هناك فوائض مالية تصل الى ما بين 7 بليارات دولار، ولكن المشكلة في أن هناك عدم وجود مخارج للفوائض المالية للدولة.

السلطان: لا هي دولة اشتراكية ولا رأسمالية

الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالعزيز السلطان قال إن ما يجري الآن يسير في الطريق الصحيح وإن كان ببطء، مشيرا ا

back to top