السعي للصوم... خير من النوم... اصح يا نايم رمضان كريم... كلمات ينادي بها المسحراتي وتتكرر معانيها في كل البلدان الإسلامية وصار معها المسحراتي أحد الطقوس الرمضانية الشهيرة.

Ad

ويجمع الباحثون على أن المسحراتي ليس عملاًً جديداً في عصرنا بل هو عمل جاء مع الإسلام ويرون أن اذان بلال كان بمنزلة الإعلام بوقت السحور في شهر رمضان، ويعد بلال أول مسحراتي في الإسلام، بينما يقول المؤرخون إنه لما جاء إلى مصر عتبة بن إسحاق واليا من قِبل الخليفة العباسي المنتصر بالله قام هو بالتسحير سائرا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط حتى جامع عمرو بن العاص وكان ذلك سنة 238 هـ.

وفي العصر الفاطمي أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرا بأن ينام الناسُ مبكِّرين بعد صلاة التراويح، وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقُّون الأبواب ليوقِظوا النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عيَّن أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: «يا أهل الله، قوموا تسحَّروا»، ويدقُّ على أبواب البيوت بعصا كان يحملها في يده تطوَّرت مع الأيام إلى طبلة يدقُّ عليها دقاتٌ منتظمةٌ.

وقد عرف العصر العباسي التغني بشعر «القوما» للتسحر، وهو شعرٌ شعبيٌّ له وزنان مختلفان، الأول مركب من أربعة أقفال: ثلاثة متوازية في الوزن والقافية، والرابع أطول منها وزنا، وهو مهملٌ بغير قافية، وغلب عليه اسم (القوما) من قول بعض المغنِّين لبعض: «نياما قوم... قوما للسحور، أو قوما للتسحر قوما»، واخترع هذا الشعر بغدادي يُدعى أبو نقطة للخليفة الناصر لدين الله العباسي، وأعجب الخليفة به وطرب لاستماعه، وكافأ أبا نقطة بإجراء عطاء سنوي عليه، وتطور التسحير فكان أهل مصر أول مَن ابتكروا «البازة» مع الأناشيد، ويقوم عدة أشخاصٍ معهم طبلٌ بلدي وصاجات برئاسة المسحراتي، ويغنون أغاني خفيفة، مثل: «اصحَ يا نايم، وحِّد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت... الشهر صايم، والفجر قايم، ورمضان كريم».

ولكن ما الأجرة التي يتقاضاها المسحراتي؟!

فالمسحراتي يقتصر عمله في ليالي شهر رمضان المبارك فقط، أي إنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهرا واحدا في السنة، وقد ارتبطت أُجرة المسحراتي ببعض التغييرات على مرِّ العقود، ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت الأجرة مرتبطةً بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحِّر، فمنزل الشخص من الطبقة المتوسطة على سبيل المثال عادةً ما يعطى المسحراتي قرشَين أو ثلاثة أو أربعة قروش في ليلة العيد، ويعطيه البعض الآخر مبلغا زهيدا كل ليلة، ولم يكن للمسحراتي أجرٌ معلومٌ أو ثابتٌ، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد، وعادةً ما كان الأجر يؤخَذ بالحبوب، فيأخذ قدحا أو نصف كيلة من الحبوب، سواء كانت ذرةً أو قمحا ولم يكن أجرا بالمعنى المفهوم، ولكنه هبةٌ يجود بها كلٌّ حسب قدرته.