الكُلُّ في شرم الشيخ!
إقامة رأس جسر جديد لـ «فسطاط الممانعة» في هذه المنطقة، بالإضافة الى أنه يعتبر تهديداً للأمن القومي المصري، وأيضاً للأمن القومي الأردني، على المدى الأبعد قليلاً، فإنه سينعش الخلايا النائمة والأطماع والمؤامرات والمخططات المؤجلة في دول عربية كثيرة.كان يجب أن ينعقد هذا اللقاء، الذي سينعقد اليوم الاثنين في شرم الشيخ في مصر، من دون أي تأخير، فالتطورات الفلسطينية الأخيرة التي فصلت غزة عن الضفة الغربية وحولتها الى «إمارة ظلام»، كما قال محمود عباس (أبو مازن)، أوْجبت المسارعة الى هذه الخطوة التي من المفترض أن تكون مناسبة لأن تتصارح أطراف جميعها غدت معنية بمثل هذه المصارحة.
بانفصال غزة عن الضفة الغربية باتت مصر مهددة بأمنها القومي، كما قال وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط، وبات الأردن مهدداً بانتقال ما حصل في غزة الى الضفة الغربية وبات أبو مازن، المـُؤْتمن على «المشروع الوطني الفلسطيني»، يقف على مفترق طرق فإمَّا أن يحقق لهذا الشعب، الذي طالت مسيرة «جُلْجُلَتِهْ» أكثر من اللزوم، ولو الحد الأدنى من طموحاته، وإما أن يكون هذا الذي جرى نهاية آمالٍ وأحلام وردية سقط من أجلها عشرات الألوف من الشهداء. .. وحتى بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهـود أولمرت، الذي ربما يعتقد أن ما فعلته «حماس» قد يعطيه المزيد من الوقت للتهرب من استحقاق الدولة الفلسطينية المستقلة، فإن عليه أن يدرك أن مساهمة دولته في إيصال غزة الى ما وصلته قد فتحت الأبواب على مصاريعها الى انتقال هذه الحالة وأشد خطراً منها الى الضفة الغربية وهذا إن هو تم، وهو سيتم بالتأكيد إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه ، فإنه على مدن العمق الإسرائيلي أن تنتظر ما تقوم به «القاعدة» الآن في بعقوبة وديالى وكركوك وبغداد الرمادي وأكثر. جميعهم أيديهم في النار وكلهم وصل الحريق الى أطراف أثوابهم، وعندما تقول مصر على رؤوس الأشهاد أن هذا الذي جرى في غزة والذي يهدد أمنها القومي هو صناعة إيرانية، وعندما يقول الأردن هذا الكلام نفسه ويقول محمود عباس، إن ليس علانية فسراً، أكثر من هذا الذي يُقال بألف مرة فعلى العرب «العقلاء» أن يكونوا اليوم كلهم في شرم الشيخ ليس بأجسادهم وإنما بهواجسهم وعقولهم وإرادتهم ودعمهم وإسنادهم. لابد من دعم محمود عباس ليس بكلام رفع العتب والعلاقات العامة، وإنما بالأفعال، فجبهة غزة التي انهارت أمام العنف المدعوم بـ «المال الحلال»، هي جبهة المملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج العربي الأخرى، وهي بالطبع جبهة الأردن ومصر، لقد حقق «فسطاط الممانعة» رأس جسر ثالثاً في غاية الخطورة في هذه المنطقة بعد رأس الجسر الذي تحوَّل إلى جسر كامل في العراق وبعد رأس جسر الضاحية الجنوبية في بيروت. لا يفيد محمود عباس ولا الفلسطينيين ولا قضيتهم البكاء على قدح اللبن الذي انسكب في غزة، فإقامة رأس جسر جديد لـ «فسطاط الممانعة» في هذه المنطقة، بالإضافة الى أنه يعتبر تهديداً للأمن القومي المصري، وأيضاً للأمن القومي الأردني، على المدى الأبعد قليلاً ، فإنه سينعش الخلايا النائمة والأطماع والمؤامرات والمخططات المؤجلة في دول عربية كثيرة، وهذا معناه أنه على كل هذه الدول المستهدفة أن تكون اليوم حاضرة في شرم الشيخ وأن ترمي بثقلها وإمكاناتها إلى جانب الرئيس الفلسطيني وإلى جانب مصر والأردن. لابد من لجم ما جرى في غزة ومحاصرته وهذا يقتضي دعم محمود عباس، بكل أشكال الدعم، كما يقتضي وقفة جدية مع الأميركيين، الذين هم بدورهم أيديهم في النار أيضاً، ليمارسوا ضغطاً حقيقياً على إسرائيل وإلزامها بالكف عن سياساتها التدميرية التي هي سبب ظاهرة «حماس»، والتي إن هي استمرت فإنها ستأتي بقيادة «القاعدة» من مناطق الحدود الباكستانية – الأفغانية الى هذه المنطقة لا محالة. كاتب وسياسي أردني