Ad

السؤال الحارق هنا هو: إذا كان أخونا في الله يبكي من «القاعدة» في أوّل السطر، ثم يلتفت ليبكي على طالبان في آخره، فعلام كانت المراجعات أصلاً؟!

أم أنّ علينا أن ننتظر ثلاثين سنة أخرى، مَدّ الله في عمره وأعمارنا، لكي يكتشف خطأه الثاني هذا، فيعالجه بمراجعة نادمة تحتفي بخطأ ثالث مؤجّل الاكتشاف؟!

على الرغم من أنّ صخب المهرجان الذي أحاط بنشر مراجعات «الدكتور فضل» فقيه تنظيمي «الجهاد» و«القاعدة»، كان شبيهاً بإطلاق قنبلة مدفع للاحتفال بكومة من مكعّبات الثلج، فإنني لم أستكثر ذلك أبداً، لإيماني المطلق بحقّ كلّ خاطئ في أن يتوب عن خطاياه ويطلب العفو من ربّه ومن النّاس، وبحقّ جميع الناس في أن يدركوا عمق الهُوّة الطافحة بالدم، التي قادهم إليها، لعقود متطاولة، الفكر الأعمى الآتي من أعماق عصور الديناصورات، متنكّراً بثياب أشرف الأديان!

نعم، لم تأت المراجعات بشيء لا نعرفه عن عدالة ديننا ورحمته، وإذا كان صاحبها قد احتاج إلى أكثر من ثلاثة عقود لكي يكتشف أن قتل الأبرياء جريمة، أو أنّ «الذي حارت البرية فيه... حيوان مستحدث من جماد» كما قال المعرّي، فإنّ مثل هذا الأمر كان معلوماً، بالفطرة السويّة البريئة، حتى للأميّين والسُذّج، من دون أن يحتاجوا إلى تجاذب أطراف الحديث الشريف تارة، أو إلى التعلّق بأطراف ثياب السلف الصّالح تارة أخرى.

ومع ذلك، فليس على الدكتور من بأس في أن يكتشف كرويّة الأرض لاحقاً، وليس علينا من بؤس في أن يندم على تكعيبها سابقاً!

لكنّ البأس والبؤس معاً يتبدّيان عياناً، حين نراه، في بعض فصوله، وكأنّه يكتب بالممحاة فهو يستنكر، في سياق واحد متّصل، أفعال عصابة دمويّة، ثم يتحسّر على عصابة دمويّة أخرى نعلم تماماً، إذا فاته أن يعلم، أنّها أخت الأولى في الولادة والرضاعة والنشأة، وقرينتها في حاضنة الجهل والجاهليّة!

هناك مشهد هزلي في أحد أفلام «لوريل وهاردي» يوجّه فيه الأستاذ في مدرسة السجن إلى «لوريل» السؤال التالي: كم ثلاثة في التّسعة؟ فيجيب: ثلاث ثلاثات... ويزيد اثنان! لكنّه يستدرك بسرعة: آسف، لقد أخطأت... ثلاث ثلاثات ويزيد واحد! مثل هذا المشهد بالضبط بدا لي في الحلقة الثانية عشرة من المراجعات «الجريدة 30 نوفمبر»، مع الفارق الشّاسع طبعاً بين نتاج الاثنين. ذلك أن الدكتور الثلاثي «فضل، سيد إمام الشريف، عبدالقادر بن عبدالعزيز» قال مخاطباً الشباب المسلم: «احذر من هؤلاء الحمقى الذين دمروا «إمارة إسلامية» كانت قائمة، ومن وراء ظهر أميرها، ثمّ يتاجرون بعد ذلك بالقضية الفلسطينية... فهل يفعل هذا إلاّ الحمقى، يُضيّعون «إمارة إسلامية» ويبحثون بعد ذلك عن فلسطين... وقد قال شيخ الإسلام: إنّ حفظ رأس المال مُقدَّم على طلب الربح باتفاق العقلاء... أمّا هؤلاء الحمقى فأضاعوا رأس المال المعلوم وهي «الإمارة الإسلامية» التي كانت قائمة ثم يطلبون فلسطين بالجعجعة والبيانات»! والملاحظ في هذا النص أن الدكتور الفاضل قد كرّر ذكر «الإمارة الإسلامية» ثلاث مرات، وبنَفَس واحد، من دون أن يخبرنا ما اسمها ولا أين كانت تقع!

والظاهر أنّه، على سعة معرفته بحرفي «الألف واللّام»، ضعيف جدا في حروف «الطاء والباء والنّون»، وإلاّ لسمّاها «إمارة طالبان» مرّة واحدة واستراح، لأن المعلوم لدينا أنه لا توجد، في عصرنا، إمارة بهذه المواصفات سواها!

والسؤال الحارق هنا هو: إذا كان أخونا في الله يبكي من «القاعدة» في أوّل السطر، ثم يلتفت ليبكي على طالبان في آخره، فعلام كانت المراجعات أصلاً؟!

أم أنّ علينا أن ننتظر ثلاثين سنة أخرى، مَدّ الله في عمره وأعمارنا، لكي يكتشف خطأه الثاني هذا، فيعالجه بمراجعة نادمة تحتفي بخطأ ثالث مؤجّل الاكتشاف؟!

طالبان... رأس مال؟! كيف وهي ما أبقت على رأس ولا مال ولا آمال؟! وهل ضيّعها الحمقى من وراء ظهر أميرها حقاً، أم أن أميرها الأحمق نفسه هو الذي نحرها من أمام بطنه، لإطعام «ضيوفه» المشمولين بحمايته، حتى لو أجرموا، بدعوى القيم القبلية لا الدينية، فشوّه بذلك وجه القبيلة والدّين معاً؟!

ثم إذا كان الدكتور يصف الضيوف بالحُمْق، فما الوصف الذي استبقاه لإمارة «رأس ماله» التي كانت ولاتزال من أكبر وصمات الجهل والتخلّف والجريمة التي لحقت بإسلامنا العظيم على مر العصور؟!

لقد دعا الدكتور الشباب قائلاً: «لا تُلغِ عقلك... ولا تتبع الزعماء الذين يقودون الناس إلى القبور وإلى السجون وهم في مأمن».

وأمام هذا «العقل» الذي يحذّرنا من أن نلغيه، ماذا يمكن لرأس ماله المذكور أن يكون سوى نكتة سوداء «تُؤتى من بلاد بعيدة... لتُضحِكَ ربّات الحِداد البواكيا) على حدّ تعبير المتنبي؟!

خذ عندك، ياسيّدي، نُتَفاً للذكرى من «البيان الأوّل» الذي بصقته طالبان، في بدء استيلائها على خواصر الأرض وأنفاس البشر، عندما نزلت عليها وعليهم مثل وباء الطاعون في عام 1996:

«وطننا الآن يُعرف باسم «إمارة أفغانستان الإسلامية»... وفي ما يلي القوانين التي سنفرضها بالقوة وعليكم أن تُطيعوها:

ـ على المواطن أن يصلّي خمس مرّات في اليوم... فإذا حان وقت الصلاة، وعُثِر عليك منشغلاً بأمر آخر، فسوف تُعاقَب بالضرب!

ـ على جميع الرّجال أن يُطيلوا لِحاهم. والمقياس الصحيح لطول اللحية هو، على الأقل، مقدار قبضة يد تبدأ من تحت الذّقن، ومن لم يلتزم بذلك فسوف يُعاقَب بالضّرب!

ـ يجب على جميع الأولاد أن يلبسوا «العمائم»، على أن تكون عمائم الصغار حتى السادسة سوداء، وعمائم مَنْ هم أكبر منهم بيضاء، كما يجب على الجميع إحكام تزرير ياقات القمصان!

ـ الغناء حرام، لعب الشطرنج حرام، اللعب بالطيّارات الورقية حرام، تأليف الكتب حرام، مشاهدة الأفلام حرام، رسم الصّوَر حرام!

ـ إذا كنت تقتني «ببغاوات» فسوف تُعاقَب بالضرب، وتُعاقَب طيورك بالذّبح!

ـ إذا سرقتَ فستُقطع يدك من الرّسغ، وإذا سرقتَ ثانيةً فستُقطع رِجلك!

ـ إذا لم تكن مسلماً فلا يجوز لك أن تتعبّد في مكان يشاهدك فيه المسلمون... وإذا فعلت ذلك فستُعاقَب بالضّرب والسّجن!

تلك هي حصّة الذكور المبكّرة من «رأس المال المعلوم» أمّا حصّة الإناث فهي «مرحرحة» أكثر، إذ إنّ تلك الإمارة «الإسلامية؟!» التي دمّرها الحمقى، كانت، من فرط كرمها، قد أعطت للأنثى مثل حظّ الذّكرين!

وفي ما يلي شذرات من هذين الحظّين «طاح حظّهما»: انتباه... انتباه أيتها المرأة...

ـ سوف تمكثين في بيتك طول الوقت، إذ ليس من الطبيعي أن تمشي المرأة في الشارع، فإذا أردتِ الخروج من المنزل فيجب أن يكون معك «مُحرم»... أمّا إذا قُبِضَ عليك وأنت تمشين منفردة في الشارع فستُعاقَبين بالضّرب وتُرسَلين إلى البيت.

ـ محرّمٌ عليكِ، تحت أيّ ظرف، أن تكشفي عن وجهك، ويجب عليكِ ارتداء «البرقع» خارج البيت، وإذا لم تفعلي ذلك فسوف تُعاقَبين بالضرب المُبرّح!

ـ مستحضرات التجميل محرّمة، المجوهرات محرّمة، ارتداء الملابس الجميلة محرّم، ومحرّم أن تصبغي أظافرك، وإذا فعلتِ ذلك فسيُقطع إصبعك!

ـ محرّم عليكِ أن تتكلّمي إذا لم يُوجَّه إليكِ الكلام، ومحرّم عليكِ أن تضحكي في مكان عام، وإذا فعلتِ ذلك فستُعاقَبين بالضّرب!

ـ محرّم أن تفحصي نظرك لدى طبيب من الرجال!

ـ التحاق البنات بالمدارس محرّم، وجميع مدارس البنات ستغلق فوراً!

ـ محرّم على النساء أن يعملْنَ في أيّ مهنة أو وظيفة!

اسمعْن أيّتها النساء... اسمَعْنَ وأطِعْن»!

... ويا أيها السيّد الإمام الشّريف: أعلى مثل هذه الفضيحة المجلجلة يتحسّر السادة والأئمة والأشراف؟! أم إلى مثل هذه المُتردّية يتراجع التّائبون عن النّطيحة؟!

* تنشر بالاتفاق مع جريدة «الراية» القطرية.