كان ذلك مساء ثالث أيام عيد الفطر السعيد... وكنت بصحبة العائلة في أحد المجمعات التجارية، حيث قررنا أن نأخذ الأولاد إلى مدينة ألعاب مغطاة ومكيفة هربا من أجواء مدن الألعاب الترفيهية المفتوحة، حيث الجو الحار والرطوبة اللذين يخنقان متعة التنزه، ويجعلانني أحس بالتوتر والنرفزة، وما يتبع ذلك أحيانا من نكد على أطفالنا الذين كنا ننوي إسعادهم بالخروج للاستمتاع بمباهج العيد بصحبتنا كبقية أطفال خلق الله.
المهم دخلنا المجمع، وإذ به يغص بالناس والضجيج وضحكات الاطفال وصيحاتهم العالية، قررنا عدم التراجع خوفا من احتجاج أولادنا، ورغبة في ممارسة دور الآباء المثاليين القادرين على التضحية براحتهم من أجل سعادة أبنائهم. صعدنا إلى الدور الأعلى حيث المكان المخصص لمطاعم الوجبات السريعة التي تملؤه وصالات الألعاب الترفيهية للأطفال، في البداية حاولنا أن نجد طاولة للجلوس عليها، ومن شدة الزحام لم نجد، انتظرنا قرابة الساعة لعل طاولة تصبح شاغرة فنهجم عليها، واخيراً وجدنا طاولة لشخصين فسارعنا لاحتلالها نحن الخمسة! أجلسنا الأطفال وأخذت أجول بناظري في المكان بحثا عن مزيد من الكراسي، وأنا أفعل ذلك، وقعت عيناي على منصة في منتصف المكان وعليها خمسة شبان تحلّق حولهم مجموعة من الناس يجلسون على كراسي ويصفقون بين الحين والآخر!! «ماذا تراهم يفعلون؟!»، سألت زوجتي، هي أيضا لا تعرف، فعلى الرغم من أنهم لم يكونوا بعيدين عن طاولتنا، إلا أننا لم نميز تماما ما يقولون، أو ماذا يبيعون، أو ما هي بضاعتهم بسبب الضجيج، قالت زوجتي: لعلهم يجرون سحبا على جوائز، أو ربما برنامج مسابقات لزوار المجمع. المهم أننا جلسنا ورحت أسجل في ذاكرتي طلبات الطعام لنا، كي أذهب وأحضرها، وذهبت باتجاه المطاعم مخترقا الطاولات المتلاصقة، والناس، والضجيج، ومررت بمحاذاة المنصة وإذ بي أسمع أحد الجالسين عليها يقول من خلال مكبرات الصوت، وعودة مرة أخرى للشاعر...!!! هنا تسمرت مكاني، لم أصدق أذناي، تصفيق من الجمهور المتحلق حول المنصة، ابتسامة عريضة من الشخص الذي أخذ الميكرفون، ثم أنشد...!! يا إلهي..! لم أكمل طريقي، عدت إلى زوجتي لأفاجئها بالخبر، وبالفعل لم تصدّق عندما أعلمتها بما يجري هناك على المنصة وسألت بدهشة: أمسية شعرية؟!... لابد انك تمزح! قلت لها ووجهي تملؤه ابتسامة الرضا لأنها تفاجأت مثلي: إذا لم تصدقي تعالي لتسمعي بأذنيك. قالت :هنا... في هذا المكان، وهذا الضجيج... والأطفال الذين تملأ صرخاتهم المكان؟! صورة تعكس الحال التي وصل إليها الشعر على أيدي هؤلاء الذين يصنفون على أنهم شعراء، وهم أبعد ما يكونون عن الشعر... والشاعرية، هؤلاء الذين لا يكذبون خبرا حين تتم دعوتهم إلى سماع تفاهاتهم في مناسبة وتحت أي ظرف!... اللهم لا أسألك رد هؤلاء الشعراء، ولكني أسألك اللطف بنا.
توابل - ثقافات
آخر وطن: شعراء العيد
19-10-2007