يربط كثير من الناس بشكل خاطئ بين الديموقراطية كممارسة سياسية وحياتية عامة والممارسات السياسية لأعضاء مجلس الأمة التي قد تصيب وقد تخطئ، كما قد تأتي بحسن نية أو بسوئها. فالنظام الديموقراطي بما فيه مجلس الأمة كمؤسسة ديموقراطية، يعني مجتمعاً حراً ديموقراطياً يتساوى فيه المواطنون جميعهم في الحقوق والواجبات كلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويسود فيه القانون وتكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتكون المفاضلة فيه بين المواطنين بناء على قدراتهم ومؤهلاتهم وليس أسمائهم الأخيرة أو أصولهم أو مذاهبهم أو مناطق سكنهم.
أما مجلس الأمة فهو مؤسسة ديموقراطية تعتمد فعاليته على كيفية انتخاب أعضائه ومدى نزاهة هذه الانتخابات. ومن دون النظام الديموقراطي العام وما يوفره من مبادئ دستورية وضمانات وحقوق انتخابية متساوية لجميع المواطنين، يستحيل أن يصبح مجلس الأمة مؤسسة فاعلة. فلا يعني وجود المجلس بحد ذاته أن لدينا ديموقراطية، كما أن فشل أي مجلس أمة في القيام بمهامه التشريعية والرقابية لا يعني أيضا أن النظام الديموقراطي لا يتناسب مع واقعنا المحلي.للأسف، فإن هذه المسلَّمة الديموقراطية البسيطة غائبة عن أذهان الكثير حيث رسَّخت القوى المعادية للديموقراطية لدي الناس منذ بدء العمل بالدستور أن الديموقراطية تعني مجلس الأمة فقط، وأن ممارسة الفرد للديموقراطية تعني ورقة الانتخاب التي يضعها الناخب في صندوق الانتخابات كل أربع سنوات، أو أقل من ذلك فى حال حل المجلس، وبذلك أختزلت الديموقراطية في مجلس الأمة، وتم تجاهل أن نظامنا الديموقراطى كما يبين الدستور هو جميع الـ 183 مادة دستورية بالإضافة إلى المذكرة الدستورية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ منه. علاوة على ذلك، فإن الحكومة تحالفت، ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً، مع قوى دينية سياسية لا تؤمن حقيقة بالدستور كاملاً ولا بالديموقراطية كمنهاج حياة، وإنما اكتفت منهما بورقة الانتخاب التي توصلها إلى المجلس لتقوم بالعمل على تفريغ الدستور من محتواه، وتسطيح المبادئ الديموقراطية العامة المتعلقة بالحريات العامة والشخصية... وهذا ما نراه في العديد من مشاريع القوانين التي تقدمها هذه القوى التي تتعارض مع المبادئ الدستورية. ولا عجب أن بعض هذه القوى كانت ترفض في السابق المشاركة في العملية السياسية ولم توافق على الدخول فيها إلا فى بداية ثمانينيات القرن الماضي!بعد ذلك تم العبث بالنظام الانتخابي من خلال تفتيت الدوائر إلى خمس وعشرين دائرة ليسهل التحكم السياسي فيها من خلال نقل الأصوات واستخدام المال السياسي والخدمات الحكومية كالعلاج في الخارج لشراء الذمم، مما نتج عنه أن وصل إلى المجلس مَن لا يعرف عن الدستور إلا الاسم فقط، ولا يعرف عن العمل السياسي والمواءمة السياسية والإستراتيجية والتكتيك إلا ما يقرؤه في مانشيتات الصحف، إن كان يقرأها، وبذلك تردى مستوى الممارسة السياسية حتى خلال مناقشة الأعضاء بعضهم بعض، وأُسيء، فى كثير من الأحيان، استخدام الأدوات الدستورية الراقية كالأسئلة البرلمانية والاستجوابات حيث أصبحت، في الغالب، أدوات للابتزاز والتكسب السياسي، فيحصل مثلاً أن يقوم عضوٌ ما بتهديد أحد الوزراء بالاستجواب إن لم يحصل أحد ناخبيه على ترقية غير مستحقة! «وفاحت ريحة» شبهات الفساد السياسي بين الأعضاء، وكثر تذمر المواطنين من أداء المجلس الحالي لدرجة مطالبة بعضهم بحله، بل ذهب البعض الآخر بعيداً إلى حد الحديث علانية بعدم ملائمة النظام الديموقراطي للكويت، وهنا مكمن الخطورة. وقد لا أكون مبالغاً إن قلت إن هذا الوضع هو ما كان يخطط له أعداء الديموقراطية ومنذ سنوات طويلة عندما عبثوا بالعملية السياسية، وشوهوا مجلس الأمة واختزلوا الديموقراطية في مجرد ورقة التصويت الانتخابي، وغيَّبوا عن الممارسة الحياتية ما تحتويه الديموقراطية من مبادئ سامية مثل حق الاختلاف في الرأي. فمنذ ذلك الوقت، فما إن يُقدَّم استجواب ما، أي استجواب، حتى يستَّل كل طرف سياسي سيفه المتخلف كالعنصرية والقبلية والمذهبية والمناطقية للحكم على الاستجواب، متناسياً المبادئ الديموقراطية الدستورية التي من المفترض أن يحتكم إليها، لأنها لم تترسخ كثقافة عامة في المجتمع وظلت، للأسف الشديد، مجرد حبر على ورق الدستور. والمحزن جداً أن نجد ذلك سائداً بين جيل الشباب حيث يُلاحَظ ذلك بشكل جلي في النقاشات التي يتجاذبونها في المدونات الإلكترونية. في ظل هذا الوضع السياسي غير المريح، فإن المرء ليتساءل: هل حان الوقت للانقلاب على النظام الديموقراطي؟ أم أن الأمر يحتاج إلى مزيد من العبث السياسي؟
مقالات
هل حان الوقت؟
26-12-2007