Ad

الجماعات الدينية السياسية ليست الأكثر حرصاً على إشهار الأحزاب السياسية، بل يمكن لي أن أتخيل أن الوضع الحالي قد يروق لها أكثر بكثير من إقرار قانون يلزمها بالكشف عن أسماء مؤسسيها وأعضائها ومصادر تمويلها ولوائحها وأدبياتها، ويجعلها تحت نظر السلطة ورقابتها.

تعالت الأصوات حول إشهار الأحزاب السياسية بعدما طرح النائب علي الراشد مشروع قانونه لإشهار الأحزاب أخيرا، ويبدو أن هذا المشروع قد جعل للمسألة قدماً على أرض الواقع، بعدما كانت نشاطاً نظرياً في الغالب يشغل بعض الكتاب والمثقفين والناشطين. وعلى الرغم من أن عدداً لا يستهان به ممن تناولوا الموضوع وكتبوا عنه إما تناولوه بالرفض القاطع من دون تبرير مقنع، وإما بالهجوم غير الموضوعي، إلا أن هذا الانتباه للمسألة وبغض النظر عن أسلوبه، سيؤدي حتماً إلى دفعها لتأخذ شكلاً نهائياً، إن عاجلا أو آجلا، كما حصل سابقاً مع مسائل أخرى كتقليص الدوائر وحقوق المرأة السياسية وغيرهما.

لكن ما أبغي الوقوف عنده اليوم هو مقولة متكررة تشير إلى أن الجماعات الإسلامية في الكويت هي الأكثر حرصاً على الدفع باتجاه إقرار الأحزاب السياسية من غيرها، كمثل ما كتبه الزميل فهد راشد المطيري هنا في «الجريدة» عن أن هناك حرصاً شديداً من قبل التيارات الدينية على إقرار قانون ينظم الأحزاب السياسية، فهذا الكلام غير صحيح لأن الجماعات الدينية العاملة على الساحة السياسية، أبعد ما تكون عن الحرص على هذا الموضوع!

الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) على سبيل المثال، وبالرغم من أن لها تصوراً قديماً عن الأحزاب، وبالرغم من كونها الجماعة السياسية المحلية الأكثر اقتراباً من الشكل التنظيمي الكامل للحزب السياسي، لم تُظهر ولا في أي مناسبة حماساً للموضوع، ولا تزال تمارس كما هو شأنها دائما، أسلوب مسك العصا من المنتصف ومتابعة مآلات الأمور وميولها.

وأما من ناحية الجماعة السلفية أو ما يسمى بسلف إحياء التراث، فهم لا يزالون يرفضون الفكرة جملة وتفصيلاً، وبالرغم من انخراطهم في العمل السياسي المنظم من خلال خوضهم الانتخابات البرلمانية بشكل جماعي، وبالرغم من جلوسهم مع الحكومة إبان التشكيلات الوزارية لتداول الأسماء المرشحة، فإنهم لا يزالون من دون رؤية نهائية عن حقيقة هويتهم من حيث هل هم جماعة سياسية تمثل نواة لحزب قادم في حال إشهار الأحزاب، أم جماعة دعوية لها بعض النشاط السياسي؟ أم انهم في المجمل تيار عام لا يلزم المنضوين تحته بشيء؟ وأتمنى ألا تؤخذ فكرتي هذه بأي حساسية من قبلهم، لأني وبالفعل لا أزال لا أرى منهم تعريفاً واضحاً عن الهيئة العملية لجماعتهم.

أما الحركة السلفية (العلمية)، وفي عهدها الجديد الذي أعقب ظهور حزب الأمة، فلم تنشغل كثيراً بمسألة الأحزاب السياسية، ولا يوجد لها أي شيء أخيرا في هذا الصدد، ولا يبدو أن الأمر يشكل حتى الساعة أولوية عندها.

وهكذا يتضح لنا أن الجماعات الدينية السياسية ليست الأكثر حرصاً على إشهار الأحزاب السياسية، بل يمكن لي أن أتخيل أن الوضع الحالي قد يروق لها أكثر بكثير من إقرار قانون يلزمها بالكشف عن أسماء مؤسسيها وأعضائها ومصادر تمويلها ولوائحها وأدبياتها، ويجعلها تحت نظر السلطة ورقابتها.

الجماعات الإسلامية السياسية اليوم، ووفقاً لقواعد اللعبة السياسية الكويتية بحدودها الواضحة وارتفاع سقفها المعروف، تحظى بأغلب، إن لم يكن بكل، حقوق الأحزاب السياسية التي يمكن لها أن توجد في هذه الظروف، وفي الوقت ذاته ليست ملزمة بتقديم أي شيء من واجباتها، فلماذا تتخلى عن هذا؟!