Ad

صار مجتمعنا ميالاً إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق مخالفيه عند أي هفوة، وغدا لا يتردد في سحقك وضربك عند أدنى خلاف معك. أظننا في مشكلة كبيرة!!

قالها لي وهو يبتسم مازحاً، أو لعله كان يتظاهر بالمزاح، لا أدري فلست متأكداً وليعذرني فهو أخ عزيز: الناس يسألونني عنك، هل أنت سني تشيعت؟ أم شيعي تسننت؟!

قارئ كريم كتب قبل أيام تعليقاً على مقال لي بأني كما هو معروف قبلي سلفي، لكنني منذ أمد بعيد أتمحك بكل ما هو شيعي... حتى صرت بلا طعم ولا لون ولا رائحة!

زميل كريم من إحدى الصحف كتب عنا نحن الكتاب أبناء القبائل في جريدة «الجريدة»، يصفنا بأننا مرتزقة وصبية وحباري ومسوخ وأذلاء غيرنا جلدنا، من أجل إرضاء معازيبنا، ونصحنا في الختام بأن نتبرأ من القبيلة. وقد كتب الزميل كل هذه المنظومة على هامش كتاباتنا المعارضة للانتخابات الفرعية.

زميل من الناشطين السياسيين الإسلاميين قال عني يوماً على خلفية مقال انتقدت فيه الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، إن قلبي يأكله الحسد!

وغير هذه التعليقات، تعليقات أخرى كثيرة قد سبقت، ولا أشك بأن مثلها سيتبع في القادم من الأيام..

أدرك تماماً أنه جزء لا يتجزأ من العمل الإعلامي، ومن أن يصبح المرء شخصية عامة، أن يكون في محل الانتقاد. وأعرف يقيناً أن مَن يقرر أن يخالط الناس ويشاركهم في شؤونهم فيكون له فيما يجري رأياً وكلمة، لا يحق له التململ من ذلك، ولا يحق له أن يطالب الناس بالكف عنه وعن نقد مواقفه وأطروحاته. أدرك تماماً أن على مَن يريد هدوء المزاج وراحة البال أن يجلس في بيته عند أولاده، وأن ذلك ليس مضموناً كذلك.

لكنني، مع قبولي بهذا قبولاً مطلقاً لا تردد فيه ولا تلكؤ، أتمنى لو استطيع أن أعرف كيف يمكن لنا أن ننجح في ترشيد أسلوب الانتقاد الذي يمارسه الناس من حولنا ليصبح موضوعياً منصفاً، يبحث عن الحق، لا أسلوبا شتائمياً منحدراً يهدف في المقام الأول، بل ربما في المقامات كلها، إلى تحطيم وتهديم من يوجه له الانتقاد والإساءة له.

كتبت أنصف الشيعة في موضوعات محددة، فذهب بعض الإخوة وبالأخص من السلفيين حفظهم الله ورعاهم، وعوضاً عن مناقشتي في إطار ما ذهبت عليه، وبدلاً من الرد علي لتفنيد رؤاي، وإعادتي إلى جادة الصواب والحق والهدى وإنقاذي من الضلالة ما داموا يرون ذلك، أقول ذهبوا بدلاً من ذلك إلى التفكر في المعضلة اللغز: هل أنا شيعي قد صار سنياً، أم سني قد أضحى شيعياً؟!

كتبت أنتقد الإسلاميين في ما رأيتها أخطاء تضر بمسيرة الحركات الإسلامية، ونشاطها، وبدلاً من الرد عليّ من باب حمل الناس، خصوصاً ممن نعهد فيهم الخير، على محمل حسن الظن كما يعلمنا الإسلام، غديت في عيونهم (متلبرلاً) (متعلمناً) منقلباً على جماعته، يحاول الارتماء بأحضان بني ليبرال وبني علمان، يأكل قلبه الحسد!

كتبت أنتقد الانتخابات الفرعية، وتحويل القبيلة إلى كيان سياسي على حساب روابطها الاجتماعية، وكيف أن في هذا إضراراً بوجود أبنائها تحت مظلة دولة الدستور والمؤسسات وفق مفهوم المواطنة الشاملة الذي يكفل الأمان للجميع، فصرت، في نظر بعضهم، من الصبية والحباري والمسوخ الأذلاء الذين غيروا جلودهم، من أجل إرضاء المعازيب!

ما ذكرت هذه الأمثلة اليوم لأني منشغل بها، فلا موضوعيتها وانعدام قيمتها واضح جداً، لكنني أعترف بأنها تشغلني من زاوية النظر في طريقة تفكير أصحابها؟ ولماذا يشتركون جميعاً، على اختلافهم، في الميل إلى ثقافة الإقصاء والنفي، والانجراف نحو محاولة النيل منك والإساءة إليك عند أي اختلاف معك؟!

هذه الأمثلة تمثل ظاهرة عامة صرنا نراها بشكل كبير أخيراً وعلى كل مستوى وفي كل مكان، فقد صار مجتمعنا ميالاً إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق مخالفيه عند أي هفوة، وغدا لا يتردد في سحقك وضربك عند أدنى خلاف معك.

أظننا في مشكلة كبيرة!!