في الحالة العراقية: استحقاقات وتحديات!
رغم مرور عامين على خطة المالكي السياسية والأمنية والعسكرية فإن العمليات الإرهابية لاتزال مستمرة والخدمات شحيحة والهجرة مستمرة والنزوح لم يتوقف، لكن هذه العوامل جميعها تسبب إحباطاً وقنوطاً للمواطن الذي ينتظر من الحكومة ضبط النظام وحماية أرواح المواطنين.
الاستحقاقات الكبرى التي واجهت حكومة نوري المالكي لاتزال مستمرة، بل إن بعضها ازداد تعقيداً، ناهيكم عن استحقاقات جديدة أخذت طريقها إلى المواجهة المعلنة أو المضمرة!قبل عامين بدأ المالكي عهده بطرح ثلاث قضايا ملحّة وصحيحة لإنقاذ العملية السياسية وهي: الأولى المصالحة الوطنية، والثانية خطة فرض القانون، والثالثة حلّ الميليشيات، لكن تحديات ثلاثة أخرى وضعت في طريقه منذ السنة الثانية، وهي: أولاً تأسيس مجالس الصحوات ولاسيما في محافظة الأنبار، وبررت الولايات المتحدة خطوتها تلك، بالسعي إلى تقليص موجة العنف-المقاومة ضدها، وثانياً كانت قضية الفساد والرشى أحد أبرز التحديات التي واجهت حكومة المالكي لاسيما في العام الثاني، فقد قام الكونغرس الأميركي باستدعاء الرئيس السابق لمفوضية النزاهة راضي حمزة الراضي إلى واشنطن ليستمع إلى شهادته بشأن الفساد، خصوصاً أن رائحته أصبحت تزكُم الأنوف، وأن هناك ملفاً ضم أكثر من 93 مسؤولاً ضمنهم 15 وزيراً متهمون بالفساد، ناهيكم عن أن بعض أعضاء مفوضية النزاهة تعرضوا للقتل، وشكوا في الوقت نفسه من تدخلات حكومية، بل إن بعضهم اتهم هو الآخر بالفساد.وثالثاً، يتعلق بإمرار قانون النفط والغاز الذي تريده الولايات المتحدة، خصوصاً لما يوفره من ضمانات لثلاثة عقود من الزمان قادمة لحماية مصالحها، ولعله هو أحد الأسباب الأساسية لغزو العراق، ناهيكم عن كون النفط عصب الصراع السياسي والاجتماعي في العراق وفي المنطقة.وإذا أضفنا تحديين آخرين سندرك حجم المشاكل التي تواجه حكومة المالكي، ونعني بهما قانون الأقاليم الذي سجّل موعد تطبيقه خلال الأسابيع القليلة القادمة وما أثاره في حينها وما يثيره من إشكالات وردود فعل رغم إقرار البرلمان العراقي له، يضاف إليه إشكالية المادة 140 بخصوص كركوك التي يتحفظ عليها التركمان والعرب وقوى وتيارات سياسية عديدة، في حين تصرّ الحركة الكردية على تنفيذها استمراراً للمادة 58 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وصولاً إلى المادة 140 من الدستور الدائم الذي تم التصويت عليه في 15 أكتوبر 2005 وتمت الانتخابات على أساسه في 15 ديسمبر 2005. ورغم تأجيل تنفيذ المادة 140 وتدخّل الأمم المتحدة فإنه لا يبدو هناك أفق حتى الآن على توافق بين الكتل والتيارات السياسية لتنفيذها ضمن المهلة المحددة. وبالعودة إلى خطة المالكي للعام الأول التي تستمر وتكبر في العام الثاني خصوصاً بعد وضع استحقاقات واشنطن على جدول العمل، فإن موضوع المصالحة لم يتقدم فعلياً إلى الأمام، وظل يراوح بين اجتماعات بروتوكولية واتصالات شكلية بما فيها من جانب جامعة الدول العربية، خصوصاً أن القوى المرشحة للمصالحة لم تُحدد بشكل واضح، كما أن قانون اجتثاث البعث من قبل وقانون المساءلة والمصالحة من بعد أثارا ردود فعل وانتقادات من جانب قوى مدعوة إلى المصالحة من داخل الحكومة ومن خارجها، من القوى والجماعات المعارضة والمسلحة، ولعل رفض طارق الهاشمي نائب الرئيس وفي ما بعد مجلس الرئاسة، إضافة إلى كتلة التوافق والكتلة الوطنية برئاسة الدكتور إياد علاوي وكتلة مجلس الحوار برئاسة الدكتور صالح المطلك وآخرين من خارج العملية السياسية، دليل على أن الاحتقان السياسي والحلول المطروحة للمعالجة لاتزال بعيدة عن التوافق وبالتالي عن التنفيذ.وإذا كانت خطة فرض القانون قد نجحت نسبياً لاسيما في بغداد وعلى نحو محدود، ومنسوب العنف انخفض في الشهرين الماضيين، فإن تفجيرات سوق الغزل أخيراً في بغداد أعادت للأذهان الفلتان الأمني والتفجيرات والمفخخات، ناهيكم عن جرائم القتل التي لاتزال قائمة ومازالت الجثث المقطوعة الرؤوس والمجهولة الهوية تلقى في الشوارع العامة كظاهرة يومية. ويفسّر البعض انخفاض العنف في بغداد إلى أن العاصمة وضواحيها تم تقسيمها فعلياً إلى خطوط ومناطق مذهبية محاطة بجدران كونكريتية عالية، مع تكثيف نقاط التفتيش بحيث تضاءلت، إن لم تكن اختفت، مظاهر الحياة المدنية الاعتيادية.وحسب بعض المصادر فإن أكثر من 2000 «ألفي هجوم شهرياً» ضد القوات المحتلة «المتعددة الجنسيات» لاتزال مستمرة، الأمر الذي يضع حسابات إعادة انتشار القوات الأميركية أو انسحابها بعيداً، ففي العام الماضي ومنذ شهر فبراير 2007 قامت الولايات المتحدة تحت حجة تحسين الوضع الأمني في بغداد ومناطق غرب العراق خصوصا في محافظة الأنبار «الرمادي» أكثر المناطق عنفاً، بإضافة 28 ألف جندي أميركي لغاية شهر يوليو ليصل عدد القوات الأميركية إلى 160 ألفاً، بل إنه بلغ بوصول العدد المتبقي إلى نحو 175 ألفاً رغم أن بعض الأوساط الأميركية بما فيها الحكومة ظلّت تتحدث عن سحب بعض هذه القوات.وشهد العامان 2006 و2007 أكبر عملية نزوح وهجرة عراقية إلى الداخل والخارج وتقدّر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصيب الأحمر عدد النازحين بأكثر من مليونين وثلاثمئة ألف علاوة على عدد مقارب هربوا من العراق إلى دول الجوار، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية محنة اللاجئين العراقيين بأنها أسرع أزمة لجوء «عالمية»!رغم مرور عامين على خطة المالكي السياسية والأمنية والعسكرية فإن العمليات الإرهابية لاتزال مستمرة والخدمات شحيحة والهجرة مستمرة والنزوح لم يتوقف، رغم التحسن النسبي، لكن هذه العوامل جميعها تسبب إحباطاً وقنوطاً للمواطن، الذي لم يعد يفكر فيما إذا كانت الحكومة منتخبة أو غير منتخبة، شرعية أو غير شرعية، بل إن ما ينتظره منها ومن أي حكومة هو ضبط النظام والأمن العام وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وفرض هيبة الدولة باعتبارها مرجعية يتم اللجوء إليها للفصل في المنازعات ولفرض سيادة القانون وتحقيق العدالة بعيداً عن الطائفية والمذهبية والإثنية وعلى أساس المواطنة والمساواة!* كاتب وباحث عراقي