أفكار «مكهربة»!
ينوون القيام بالقطع المبرمج، وندرك أنه قادم لا محالة، فهل وضعوا في اعتبارهم مثلا أن تُقطع الكهرباء والماء عن الأماكن والجهات غير الأساسية وغير الحساسة أولاً.
استهدفت الحكومة المواطن في حملتها الترشيدية، وكأنه المسؤول الأوحد عن مشكلة الكهرباء والماء، واستمرت في إطلاق التصريحات حول تزايد معدلات الاستهلاك واقترابها من السعات القصوى، وفي بث تهديداتها بالقطع المبرمج. قامت الحكومة بهذا صارفة كل جهودها ومواردها إلى الرسائل الإعلامية، في حين أن المتخصصين في الإعلام والاجتماع والسلوكيات الإنسانية يدركون أن تغيير ثقافة الناس وأنماطهم الاستهلاكية عملية طويلة متطاولة لا يمكن لها أن تتم في هذه الفترة الحرجة القصيرة. قامت الحكومة بهذا، لكنها غضت الطرف في ذات الوقت عن القيام بأي شيء على صعيد استهلاك الكهرباء والماء في المؤسسات التابعة لها، حيث يعرف العارفون بأنه الأمر الأقرب إلى تحقيق النتائج الفعلية والحقيقية على صعيد علاج المشكلة.المرافق الحكومية المنتشرة في عرض البلاد وطولها، تُهدر فيها الكهرباء والمياه بلا رقيب ولا حسيب، ومن يمر بجانبها في أي وقت في الليل أو في النهار يراها مضاءة عن آخرها، وكأنها مدن ألعاب ترفيهية، ومن يدخل إلى دورات المياه فيها يرى الصنابير والمراحيض تتدفق مياهها هدراً في المجاري بلا توقف، وكذلك المجمعات التجارية والمؤسسات والشركات والبنوك، فماذا فعلت الحكومة لإيقاف هذا العبث؟ ...لا شيء! في سنغافورة على سبيل المثال، تشترط الدولة على كل الفنادق والمجمعات السكنية والتجارية والشركات استخدام الإضاءة المزودة بأجهزة استشعار الحركة، التي تنطفئ تلقائيا عندما لا يوجد بقربها أحد، وكذلك الصنابير الكهربائية التي تتدفق عند استخدامها فقط، والمراحيض ذات وسائل التحكم بكمية المياه المتدفقة، ومن لا يلتزم بذلك يتعرض للغرامة. فهل فكرت حكومتنا الرشيدة بتنفيذ مثل هذه الوسائل لتقنين الاستهلاك قبل تفكيرها بالقطع المبرمج؟! لم نسمع عن ذلك!ينوون القيام بالقطع المبرمج، وندرك بأنه قادم لا محالة، فهل وضعوا في اعتبارهم مثلا أن تُقطع الكهرباء والماء عن الأماكن والجهات غير الأساسية وغير الحساسة أولاً، مثل الشاليهات والمزارع والطرق الخارجية البعيدة، والجهات والإدارات الحكومية في فترات العطل الأسبوعية وتلك غير العاملة وغير الضرورية، عوضاً عن قطعها مباشرة عن المناطق السكانية؟!هذه الأمور السابقة التي ذكرت، وغيرها كثير لو أراد صناع القرار، وسائل ناجعة استخدمتها الدول المتقدمة لتقليص الاستهلاك، لكن حكومتنا لم تطرحها، بل لم تفكر بها، واكتفت بحملة «من حبنا لها، نوفر لها»!هل أسمع بعضكم يتساءل لماذا؟ ...الجواب بسيط، وهو أنها وسائل تحتاج عملاً حقيقياً من جانب الحكومة في داخل وزاراتها ومؤسساتها ومتابعة حازمة للتنفيذ، وستحتاج كذلك إلى قرارات حاسمة شجاعة ستمس مصالح أناس من النافذين، ولأنها كذلك فلن تتم ولن يحاول أحد تطبيقها لأنها إن فشلت ستكشف عجز الحكومة وضعف قدرتها على الإصلاح.لذلك يا سادتي اتجهت الحكومة إلى الحملات الإعلامية التي جعلت من المواطن مركزا للمشكلة، وستستمر تهدده بالقطع المبرمج، وبعدها ستفعل وستعذبه بالحر والظلام والعطش!