Ad

لا أحد في العالم كله يستطيع الآن أن يعيد عقارب الساعة في لبنان إلى الوراء! تماماً كما أنه لا يستطيع أحد في العالم أن يغير عقيدة أو هوية الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية! فالمقاومة باتت اليوم عقيدة وهوية وثقافة مليونية وليست حزباً أو فئة أو طائفة أو دولة أو قُطراً يشرف عليه حاكم بعينه.

منذ أن تأسست الدولة الإسرائيلية وزرعت في قلب الوطن العربي والإسلامي، والنقاش والجدال لا يتوقف بين النخب في بلادنا عما إذا كان ما أخذ بالقوة والغصب من أرضنا وحقوقنا ومنابع ثروتنا كأمة وأقطار في فلسطين أولاً وفي سائر ما بات يعرف بدول الطوق ثانياً، يمكن أن يسترد بالاحتجاج السياسي والعمل الإعلامي والدعائي وبالجهد والمساعي الدبلوماسية في المحافل الدولية باعتبارها آخر ما توصل إليه ما يسمى بالمجتمع الدولي الحر والتقدمي من طرق لحل النزاعات سلمياً! أو أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وكل ما عدا ذلك من كلام ليس سوى تفاصيل!

وبينما كان العرب والمسلمون يتناقشون ويتجادلون ويتصارعون أحياناً ويتحاربون بسبب هذا الجدال، لم يضيّع الإسرائيليون فرصة ولا مناسبة ولا لحظة تاريخية إلا أثبتوا لخصمهم أن الصراع بينهم وبين الطرف المقابل إنما هو صراع وجودي، وأنه لاحل له إلا أن يتنازل أحد الطرفين للطرف الآخر سلماً -وفي هذه الحالة أن يقدم العرب والمسلمون صكاً تاريخياً بالاستسلام للمطالب الإسرائيلية– أو أن يحسم النزاع حرباً لا هوادة فيها، وطبقاً لموازين القوى للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية التي أنتجت في ما أنتجت أقطارنا العربية المجزأة والمتنازعة فالمنتصر معروف أيضاً!

في هذه الأثناء كانت الأمة تفرز معادلة على مستوى مختلف عنوانها: المقاومة مقابل الاحتلال!

بدأت القصة فلسطينية ثم امتدت عربية فإسلامية ثم عادت فلسطينية وها هي اليوم تتكرس لبنانية فلسطينية عربية إسلامية أصبح فيها «حزب الله» اللبناني بما يمثل من حالة تراكمية واستقطابية لكل ما تبقى في الضمير العربي والإسلامي من شحن وخبرة ودروس وعبر، وكأنه رأس الحربة في معادلة الصراع الآنفة الذكر: المقاومة مقابل الاحتلال!

أياً يكن الرأي بخصوص المسألة اللبنانية الداخلية، أو ما يسمى بالملف اللبناني الداخلي بتضاريسه المختلفة، فإنه بات من المستحيل لأي كان أن يدون حلولاً أو يقترح تسويات لهذا الملف من دون الأخذ بعين الاعتبار ما تمثله هذه المعادلة في الضمير والوجدان بل في موازين القوى الحقيقية على أرض الصراع العربي والإسلامي ضد إسرائيل!

لا أحد في العالم كله يستطيع الآن أن يعيد عقارب الساعة في لبنان إلى الوراء! تماماً كما أنه لا يستطيع أحد في العالم أن يغير عقيدة أو هوية الملايين من أبناء الأمة العربية والإسلامية! فالمقاومة باتت اليوم عقيدة وهوية وثقافة مليونية وليست حزباً أو فئة أو طائفة أو دولة أو قطراً يشرف عليه حاكم بعينه فإذا ما تفاهمت معه على تسوية ما تستطيع أن تنفذها على أرض الواقع! يخطئ من يظن خلاف ذلك ويضيع وقته وربما مستقبله!

لذلك أي كلام من النوع الذي يبدو «مهذبا» أو «راقيا» أو «عقلانيا» أو «واقعيا» أو... من النوع الذي يقول: «لماذا هذا الإصرار على توريط هذا البلد أو ذاك أو هذه الحكومة أو تلك أو حتى لماذا توريط الأمة في عمل مغامر وغير محسوب... يجرنا إلى مصادمة العالم أو التصادم مع المجتمع الدولي... « إلى آخر الكلام المعسول الذي قد يبدو جذاباً لدى بعض المجتمع الدولي... إنما سيلقى الصدود والعقوق من إسرائيل والمجتمع الدولي أولاً، فضلاً عن كونه يأتي متأخراً جداً بنظر الملايين من العرب والمسلمين، ولا ينال قائله سوى «شبهة» التواطؤ مع العدو!

ذلك أنها مرافعة لا تستوي مع معاناة أمة وصل فيها الصراع مع عدوها إلى العظم وبات شلال دمها النازف منذ ما يزيد على القرن لا يتوقف إلا بإزالة الغدة السرطانية من قلبها النابض!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني