200499 امرأة يشكلن 55.5 في المئة من إجمالي الناخبين المدعوين للإدلاء بأصواتهم في انتخابات السابع عشر من مايو المرتقبة، ويمثلن كتلة تصويتية ضخمة شديدة الأهمية، يمكنها حسم المعركة الشرسة لمصلحة تيار سياسي أو تكتل تقليدي أو مرشح مستقل، إذا ما امتلك المرشحون الأدوات المناسبة للتأثير في توجهاتها، والفوز بثقتها... فلمن تصوّت النساء؟

Ad

تبدو الإجابة عن السؤال صعبة بمثل أهميتها البالغة؛ فلطالما كان السؤال، عبر التاريخ، مطروحاً من دون جوابٍ شافٍ عما تريد النساء؛ إذ ضُربت الأمثال دوماً عن صعوبة التكهن بتوجهات المرأة و«تقلباتها المزاجية والعاطفية»، فضلاً عن «التشكيك في رشادها السياسي والاجتماعي» من قبل الكثيرين من التقليديين وأعداء الحداثة.

وفي السياسة كما في الحقل والبيت والحرب والحب، ظلت المرأة رقماً صعباً وستظل؛ إذ تُبذل الجهود المضنية للاستئثار باهتمامها والفوز بولائها، لتسخير روحها ومن ثم جهدها أحياناً، لمصلحة هذا المفعم بالأنانية والمفتون بذاته والمنصرف إلى قضاء حاجاته وتحقيق مصالحه... الذكر/ الرجل؛ مرشحاً كان أو صاحب عمل، زوجاً أو قائداً مُلهماً، أخاً أو ابناً أو أباً، عاشقاً ذا ميل أو معشوقاً طالب لذة ومؤانسة.

يقول العالمون ببواطن الأمور إن المرأة بطبيعتها تفضل المحافظة على شيء موثوق به عن تجربة آخر جديد لم يبرهن على صلاحيته أو يدلل على فلاحه. وعلى شاكلة «اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش»، أو حتى «جني نعرفه أفضل من إنسي ما نعرفه»، يبدو أن الأمور تسير في مصلحة هؤلاء الذين فازوا بالانتخابات السابقة، وسواء كان أداؤهم جيداً فعالاً أم انصرفوا إلى إحداث الفرقعات وقضاء المصالح الضيقة وألعاب التأزيم؛ فستذهب أصوات النساء معظمها إلى الذين جلسوا بالمقاعد الخضراء سابقاً، وليس لمن يهفو للوصول إليها للمرة الأولى.

الأمر ذاته ينطبق على السياسيين والشخصيات العامة وكبار التجار الذين تعرفهم المرأة جيداً؛ إذ تملأ صورهم الصحف، ويظهرون على شاشات التلفزة، ويصولون ويجولون في المنتديات والديوانيات، فيما ستقل حظوظ أصحاب الطرح الطازج، والطالعين للتو إلى الحلبة، مهما تحلوا بالكفاءة أو العزم، ومهما تميزوا بالنبل أو الوطنية.

لكن آخرين يقسمون هذه الكتلة النسائية الضخمة إلى شرائح حسب اعتبارات سياسية أو اقتصادية أو ديموغرافية؛ مستندين إلى لا علمية التعميم، وعدم منطقية سحب قناعة ما، مهما امتلكت من وجاهة، على قطاع من البشر كبير، يحفل بالتناقض وربما الصراع في بعض الأحيان، وبالتباين والافتراق في معظمها.

ومن ذلك أن ثمة وجوها ثلاثة للناخبة؛ أولها المرأة العزباء تحت الثلاثين تقريباً، وثانيها الأم وحتى نهاية العقد الرابع، وثالثها الجدة بعد الخمسين على الأرجح. فالأولى، وفق هذا التقدير، ستنشغل بشكل المرشح وأدائه المظهري؛ قدرته على الإقناع، وتحليه باللباقة، وامتلاكه أدوات التمثيل اللائق من وجهة نظرها. لكن الأمور لن تقف عند هذا المنحى غير الموضوعي فحسب؛ فثمة اهتمام قد ينشأ على خلفية حاجات محددة لتلك المرأة الأصغر سناً مما يتعلق بالحقوق الاجتماعية تحديداً، وقضايا مثل الاختلاط، والتعاطي مع الجهات الرسمية، وفرص العمل.

أما المرأة من الشريحة الثانية، فستنحو باتجاه هذا الذي يطرح برامج جادة متكاملة؛ تتعلق باهتمامات وانشغالات رئيسة ومحورية في حياتها وحياة أسرتها؛ من الضمان الاجتماعي إلى الطبابة والعناية والصحية، ومن التعليم إلى توفير الأنشطة التنموية والاجتماعية المجدية. وستقدر المرأة من تلك الشريحة جداً ذلك المرشح، أو التيار، الذي يطرح حلولاً ومبادرات تعالج مشكلات الأمومة وقضايا الطفل، وستهتم جداً بما يدور حول فرص توظيفها في القطاع الأهلي والعام، كما ستنشغل بالحديث عن معالجة شؤون المطلقات والأرامل وزوجات البدون والأجانب ومنح الجنسية وامتيازات التأمينات وتوريث المعاش التقاعدي.

المرأة من الشريحة الثالثة ستكون أكثر ارتباطاً بمصالح زوجها وأبنائها وأسرتها الممتدة، وهي الأشد انغماساً في تكريس العصبية بأشكالها المختلفة؛ إذ تنحو باطراد باتجاه تأسيس مصالح مستدامة لأبنائها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، نحو ربطهم بمظلة أكبر تصون وجودهم وتؤمن مكاسبهم أو تزيدها.

ويمكن اعتبار أن التقسيم السابق أكثر تفصيلاً ومنطقية من التعميم القائل بميل الناخبة إلى تثبيت أصحاب المناصب والمقاعد بدلاً من تجربة الجدد؛ لكن هذا لا ينفي أن للمجتمع الكويتي خصوصية يكتسبها من عوامل التأثير الفاعلة فيه، والتقليدية الغالبة فيها تحديداً.

ولذلك فالحديث عن أن «العصمة السياسية في يد الزوج» ما زال محل اعتبار، ومع الفتاوى السائرة والمستعادة عن ضرورة «الطاعة السياسية» من قبل الزوجة أو المرأة عموماً لوليها الاجتماعي والسياسي، بأن تمنح صوتها لمن يرشدها إليه، أو على الأقل تحجبه عمن لا يرضى عنه، يصبح التحليل السابق عن أنماط تصويت النساء محل اختبار حقيقي.

الفرصة سانحة للمرأة الكويتية لتمتلك «عصمتها السياسية»، وتقوم بالاختيار الصحيح بين المرشحين وفق أسس موضوعية واعتبارات سياسية لا تقليدية؛ فتمنح صوتها كمواطنة صاحبة مصالح وتطلعات اجتماعية وسياسية مشروعة لمن يستطيع الدفاع عنها والعمل على تحقيقها.

* كاتب مصري