حزب العدالة والتنمية يُعزز العَلْمانية التركية
يؤكد حزب «العدالة والتنمية» أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي، فالإصلاح الاقتصادي والرخاء، هما اللذان يُثبِّتان أركان العَلْمانية في أي مجتمع.
الفرح الطفولي الساذج الذي عمَّ أوساط الأحزاب الدينية السياسية العربية بنجاح حزب «العدالة والتنمية» التركي، ظناً منهم أن هذا الحزب سوف يعيد الخلافة الإسلامية لتركيا التي ألغاها أتاتورك عام 1924، فرحٌ إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على مدى قصر النظر السياسي عند هذه الأحزاب وقيادتها، وأنها بالتالي لم تقرأ البرنامج الانتخابي والسياسي لحزب «العدالة والتنمية»، وهي إن قرأته لم تفهمه، وهي إن فهمته، فقد أبلغت عناصرها الحزبية وأنصارها عكس الحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تضمنها برنامج حزب التنمية والعدالة الانتخابي والسياسي.حزب أتاتوركي عَلْماني قُحفحزب «العدالة والتنمية» حزب أتاتوركي في الصميم. وهو بالتالي حزب عَلْماني قُح. ومشاريعه وخطاباته ومبادئه جميعها تشير إلى أنه حزب عَلْماني، وإن كانت هذه العَلْمانية لحزب «التنمية والعدالة» كحبة اللوز المغطاة بطبقة رقيقة من السكر الإسلامي المعقود، لكي يستطيبه الشارع التركي المتدين، ولكي لا تنفر منه الأحزاب الدينية السياسية العربية. وإن كان هذا النوع من الحلوى السياسية لا تستطيبه المؤسسة العسكرية التركية، بل هي ترفضه. وقد تبين ذلك من عدم رضاهم عن فوز حزب «التنمية والعدالة»، وعدم رضاهم عن فوز عبد الله غول بمنصب الرئاسة التركية، ورفض قائد الجيش وكبار ضباطهم حضور حفل تنصيب الرئيس الجديد أو مصافحته. فالمؤسسة العسكرية التركية حامية حمى العَلْمانية، غير راضية على عَلْمانية حزب «العدالة والتنمية»، وهي تريد العَلْمانية السياسية بالذات، مُصفَّاة خالية من أي قشرة دينية أو مظهر ديني حتى ولو كانت قطعة القماش (الحجاب) التي تلبسها خير النساء، زوجة غول، والذي تكمن فيها الإسلاموية الأنثوية هذه الأيام. سقوط الخلافة قبل أتاتورك بزمن طويلوقطعة القماش هذه، هي التي نشرت الفرح وغمرت السرور في صدور الإسلامويين في العالم العربي، وجعلتهم يتخيلون أن الخلافة الإسلامية بفوز حزب «العدالة والتنمية» أصبحت قاب قوسين أو أدنى. ويأملون من الحزب إعادة الخلافة الإسلامية قبل أن يسقطها أتاتورك، أو حتى عندما وجدها أتاتورك ساقطة واقعاً وتاريخاً. وكانت كالثمرة الناضجة التي تحتاج فقط إلى يد جريئة تقطفها. فكانت هذه اليد هي يد كمال أتاتورك في 1924. ولو لم يقطف أتاتورك هذه الثمرة، لسقطت هذه الثمرة على الأرض من جرّاء ذاتها، بفعل رياح التغيير، التي بدأت تهبُّ على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وانتصار الحلفاء فيها. فمن المعروف أن السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1908) قد تمَّ خلعه بواسطة انقلاب «جمعية الاتحاد والترقي» عام 1908، لكن إطار الخلافة كإطار إسلامي زخرفي مُذْهَب لصورة الحكم السلطاني العثماني المهترئة بقي قائماً، حيث تولى من بعد عبد الحميد الثاني سلاطين ضعفاء، لا قيمة تاريخية لهم، كالسلطان محمد الخامس، والسلطان محمد السادس، والسلطان الأخير في الدولة العثمانية عبد المجيد الثاني. وهؤلاء كانوا سلاطين بلا سلطان، ولا سلطة، وهم أشبه بخلفاء العصر العباسي الثاني في آخر أيامه كالظاهر بأمر الله، والمستنصر بالله، والمعتصم بالله، الذي قتله المغول. كيف عزز حزب «العدالة والتنمية» الكمالية؟يقول المفكر العَلْماني السوري عزيز العظمة «إن الرافعة الحضارية التي شكلتها الكمالية في تركيا، هي ما سمح بتوفر الظروف لتطور الحركة الإسلامية فيها أو بالأحرى، تطور جزء صغير من هذه الحركة، لكنه مؤثر على شاكلة الأحزاب الديموقراطية المسيحية في أوروبا، من دون أن يعني كلامي هذا أنني لو كنت تركياً لكنتُ قد صوّتُ لحزب «العدالة والتنمية». إن فوز هذا الحزب دليل على نجاح الكمالية، وليس على فشلها. إن تحولات التعبيرات والمؤسسات الدينية تالييْن لحركة المجتمع، وليس ثمة إصلاح ديني مستديم إلاّ بتنمية ثقافية واجتماعية فيها مقومات الاستمرار».فكيف كان نجاح حزب «العدالة والتنمية» دليلاً على نجاح الكمالية وليس فشلها؟1 - استطاع حزب «العدالة والتنمية» بذكاء سياسي وفكري أن يعي ويُميّز الفرق بين الإسلام كتاريخ، والإسلام كدين. وهو الخلط الذي وقعت فيه معظم الأحزاب السياسية الدينية العربية، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين». فهؤلاء وغيرهم من الأحزاب الدينية السياسية العربية، التي اعتقدت اعتقاداً جازماً، بأن هناك وجوداً لنظام حكم واحد صالح لكل زمان ومكان، وهو نظام الخلافة الإسلامية. وأن من ينادون بالإسلام السياسي اليوم ما هم إلا امتداد لآراء ومناهج تفكير فقهاء سابقين عاشوا عصوراً وظروفاً سابقة مختلفة عما نحن فيه الآن.2 - يؤكد حزب «العدالة والتنمية» أنه سيواصل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تطبيقه في تركيا تحت إشراف صندوق النقد الدولي. فالإصلاح الاقتصادي والرخاء، هما اللذان يُثبِّتان أركان العَلْمانية في أي مجتمع. حيث إن العَلْمانية – كما قال محمد آلتان، الأب الروحي لحزب «الشعب الجمهوري» التركي – لا تصلح للفقراء. ولا يؤمن بالعَلْمانية من لا يتمتع بقدرة عالية على الاستهلاك. وهذا هو السبب في أن الصراع بين فقراء المجتمع ومرفهيه، يدور على ثنائية العَلْمانية/حكم الشريعة. فقط أولئك المتمتعون بقدرة شرائية عالية وثقافة الحياة الحرة، يصبحون عَلْمانيين. وعلى المجتمع أن يغتني أولاً ليتمتع بنعم العَلْمانية. على أولئك الذين يريدون العَلْمانية بإخلاص، أن يبحثوا عن سبل إثراء المجتمع التركي. وإن الاكتفاء بالحديث عن العَلْمانية، قبل السعي إلى تحقيق شروط الإثراء، يعني استخدام العَلْمانية كوسيلة سياسية لتحقيق المنافع. ومن هنا، فقد خدم حزب «العدالة والتنمية» المشروع العَلْماني في تركيا من حيث تركيزه على الإصلاح الاقتصادي، وقيامه بخطوات فعالة في هذا الجانب مما أكسبه عدداً كبيراً من أصوات الناخبين. ففي منطقة جنوب شرق الأناضول، حيث مناطق الكرد، كانت هناك مشكلة فقر كبيرة. ففي حين لم يتحرك الزعماء الكُرد لتنمية منطقتهم، ولم يتحرك كذلك حزب «المجتمع الديموقراطي»، أطلق حزب «العدالة والتنمية»، في المنطقة، حركة تنمية اقتصادية. فطبّق مشروعي «بلدس وكويدس»، وأوصل، في إطاريهما، الماء والطرق لكثير من القرى المحرومة منهما. وحقق حزب «العدالة والتنمية» من وراء ذلك النجاح الانتخابي الكبير في المنطقة المذكورة.* كاتب أردني