التجارة المحرمة القاتلة!
ربما يكون مقبولاً أن تشمل عمليات التزوير الساعات والملابس والكهربائيات الشهيرة والثمينة، فهذه مسألة يقتصر ضررها على الشركات الفعلية المنتجة وعلى بعض المغفلين والبسطاء الذين يقعون في مصائد شبكات ترويج المزورات بكل أصنافها وأنواعها، أما أن يشمل هذا التزوير الأدوية، خصوصاً أدوية الأمراض الخبيثة المرتفعة الأثمان، فإن هذه جرائم ضد البشرية.
بثت إحدى قنوات التلفزيون البريطاني مساء الاثنين الماضي، برنامجا مرعباً حول عمليات التزوير المتقنة التي تتم برعاية بعض دول الشرق الأقصى والتي تشمل كل «الماركات» العالمية الشهيرة المتخصصة في إنتاج الساعات والملابس الثمينة، وإنتاج الأسلحة وحتى الذخائر التي يجري تسويقها في دول العالم الثالث كلها، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا... ولقد شاهدت أنا العبد الفقير إلى الله جلّ شأنه مروجين محترفين يبيعون أفخر أنواع الساعات وأغلاها، نسائية ورجالية، ولكنها كلها مزورة أمام متجر «هارودز» الشهير في العاصمة البريطانية.البرنامج تحدث عن وصول مئات الأطنان من البضائع المزورة إلى موانئ ولاية «كاليفورنيا» في الولايات المتحدة والمصدر هو إحدى دول الشرق الأقصى الكبرى التي برعت في عمليات تزوير كل شيء، والتي أقامت مصانع باتت معروفة ويؤمها مروجو وتجار المزورات الذين برعوا بدورهم في هذه التجارة المحرمة، والذين أنشؤوا شبكات لترويج «بضائعهم» باتت متجذرة في دول العالم كلها من الولايات المتحدة في الغرب حتى روسيا في الشرق.ربما يكون مقبولاً أن تشمل عمليات التزوير الساعات والملابس والكهربائيات الشهيرة والثمينة، فهذه مسألة يقتصر ضررها على الشركات الفعلية المنتجة وعلى بعض المغفلين والبسطاء الذين يقعون في مصائد شبكات ترويج المزورات بكل أصنافها وأنواعها، أما أن يشمل هذا التزوير في السنوات الأخيرة الأدوية، خصوصاً أدوية الأمراض الخبيثة المرتفعة الأثمان، فإن هذه جرائم ضد البشرية مثلها مثل جرائم الإبادة الجماعية يجب أن تسنّ من أجلها قوانين رادعة وعلى مستوى العالم كله بما في ذلك الأمم المتحدة. لو أن هذا التزوير يقتصر على السجائر والمشروبات الروحية التي تتسلل عبر شبكات الترويج والتهريب إلى بعض دول الخليج العربي فإن الضرر ربما يقتصر على المستهلكين، الذين تجب حمايتهم على أي حال رغم أن المسكرات ممنوعة في عدد من هذه الدول، أما أن تشمل هذه التجارة أدوية الأمراض الخبيثة وتشمل أدوية أمراض الشرايين والقلب والمنشطات الجنسية فإن هذه عمليات قتل للنفوس التي حرم الله قتلها بغير حق، وهذا يحتاج إلى مواجهة حقيقية مع هؤلاء القتلة دولاً وشركات وأفراداً وعصابات ترويج باتت تشكل حلقات مافيات عالمية.كل المنشطات الجنسية من الفياغرا إلى «السياليس» إلى «الساتيبو» إلى أنواع أخرى لا أعرفها جرى تزويرها ويتم بيع المزور منها حتى في بعض الصيدليات التي لا يخاف أصحابها الله والذين لا يكتفون بمن يمنّ عليهم جل شأنه من رزق حلال، وهنا فإن لعل ما لا يعرفه المتعاطون الذين يسترخصون هذا النوع من المنشطات ويستسهلون الحصول عليها لأن المصابين بداء الجشع والطمع يبيعونها حتى في صيدلياتهم من دون وصفات طبية، أنهم في حقيقة الأمر يتناولون سموماً فتاكة بطيئة المفعول، وأن كثيرين من متعاطي هذه المزورات انتهوا نهايات مأساوية إما بالسرطان والأمراض الخبيثة وإما بالذبحات القلبية المفاجئة.بلغ استهلاك الأدوية المزورة التي تخزن وتشحن بطرق غير سليمة وغير صحيحة في بعض الدول الأفريقية نحو أربعين في المئة من استهلاكها العام حتى بما في ذلك أدوية الـ«إيدز» المتفشي هناك بمعدلات مرعبة وخطيرة وأدوية «الدهنيات». والمأساة أن هذه التجارة القاتلة يقف خلف شبكات ترويجها متنفذون كبار، وهذا لا يقتصر على بعض دول أفريقيا وأميركا اللاتينية بل هو يشمل الكثير من الدول العربية التي تنشط فيها تجارة سرية محمية من بعض مراكز النفوذ خصوصاً بالنسبة للمسكرات وما يسمى المشروبات الروحية.ولذلك ولأن المجتمعات العربية غدت كلها مهددة بهذه التجارة القاتلة فإنه لابد من تحرك جدي يشمل وزارات الصحة وشركات الأدوية الشريفة والنظيفة والصيادلة ومستودعات الأدوية التي تخاف الله... إنه لابد من إعلان حالة الاستنفار على مستوى العالم كله، وعلى الأقل على مستوى المنطقة العربية، فالمخاطر الناجمة عن ترويج هذه العلاجات والأدوية بات داءً يهدد البشرية بأسرها وهذا يستدعي أيضاً تشكيل هيئات أهلية غير حكومية لحماية المستهلكين وللقيام بحملات إعلامية حقيقية لتبصير الناس بمدى خطورة هذا الذي يجري عليهم وعلى أطفالهم وعلى الأجيال المقبلة.* كاتب وسياسي أردني