الكويت من الإمارة إلى الدولة (8)
كانت البلاد تمر بأزمة مياه لتنامي احتياجاتها من المياه للزراعة والصناعة، وكلف الشيخ عبدالله السالم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي بدعوة مجموعة من الشخصيات، وأخذ رأيهم في مشروع مد المياه من شط العرب إلى الكويت، أو ما عرف بمشروع اتفاقية أم قصر، في هذا الشأن يعرض الدكتور الخطيب تلك الخطوات، كما ينشر محضر المجلس الأعلى حول الأمر والبيان الذي أصدرته الأندية، وكيف اعتبره عبدالله مبارك رئيس الأمن تدخلاً في الشأن السياسي بينما هو بيان علمي. ويتناول الدكتور أحمد الخطيب بعض الدسائس التي قادها بعض مسؤولي الأمن ضده، ومحاولة غرس الشقاق بين القوى الوطنية وآل الصباح من خلال إصدار بيانات مزورة منسوبة للقوى القومية تنتقد الأسرة.. وفي هذا الصدد يعرض الدكتور أكثر من واقعة، وكيف نقلها إلى الشيخ عبدالله السالم عن طريق نصف اليوسف وردة فعل الشيخ عبدالله السالم الذي وعده بأن يعطيه نسخة من ملفه الأمني الذي لديه.
كما يتناول الدكتور أحمد الخطيب في الحلقة الثامنة قصة أول عريضة شعبية واسعة في تاريخ الكويت، والانتخابات الأولى التي طلب منه خالد العدساني وعبدالحميد الصانع عدم الترشيح، وكيف أعطاهم تعهداً بالاستقالة، وهو المجلس الذي لم يجتمع لأن المجلس الأعلى أصر على استقالة كل من جاسم القطامي، وعبدالرزاق الخالد أيضاً مما دفع باقي الأعضاء للاستقالة. أزمة المياه... وتكوّن النظام السياسي في الخمسينيات في هذه الفترة وبعد أن بدأت مرحلة إعمار البلد مع تدفق أموال النفط برزت مشكلة المياه في الكويت. جرت مفاوضات مع العراق أسفرت عن إعداد مشروع اتفاقية لجلب المياه من شط العرب ، مئة مليون غالون يومياً مقابل تأجير ميناء أم قصر الكويتي للعراق، وسميت الاتفاقية باتفاقية أم قصر، خلاصتها أن تستأجـر الكويت الأراضي العراقية التي يمر بها أنبوب الماء بمبلغ دينار واحد سنوياً ولمدة 99 عاماً، ويستأجر العراق ميناء أم قصر لمدة 99 عاماً بدينار واحد سنوياً. وكلف الشيخ عبدالله السالم الشيخ يوسف بن عيسى بدعوة مجموعة من الشخصيات الكويتية لأخذ رأيها في الاتفاقية. اجتمعت هذه المجموعة بمدرسة الصديق في منطقة أم صدة داخل مدينة الكويت وبحثوا الاتفاقية وكانت النتيجة أن صوتت الأغلبية لصالح الاتفاقية. بعدها اجتمع المجلس الأعلى وأصدر قراراً برفض الاتفاقية، وقرر بدلاً عنها التوسع في إنشاء محطات التقطير مدعياً أن تلك هي رغبة الشعب الكويتي، والغريب أنه لأول مرة يوقع الأعضاء في المجلس الأعلى على المحضر على غير عادة. أما ما قيل بأن سبب رفض الاتفاقية كانت الشروط التي وضعها العراق، فقد نفى المسؤولون في بغداد أنهم وضعوا أية شروط على الاتفاقية، مما جعل المجلس الأعلى يراجع موقفه ويصدر قراراً بتاريخ 1956/5/22 يقول فيه: «إن العرض الأخير الذي تقدم به العراق هو عرض مناسب بالنسبة إلى مصلحة الكويت وذلك إذا نفذ بحذافيره وضمن تنفيذه في المستقبل، أي بعد توقيع الاتفاقية ومباشرة تمديد الأنابيب بحيث يطمئن الجانب الكويتي إلى أنه لن يحصل فيما بعد وطول مدة الاتفاقية أي إخلال أو تعطيل من جانب العراق لأي بند من بنود الاتفاقية». نص محضر اجتماع المجلس الأعلى إن المجلس الأعلى قد اجتمع في يوم الثلاثاء الموافق 3/1/ 1956 لبحث مشروع ماء شط العرب، وبعد أن تناقش الأعضاء في الموضوع وقلبوه على جميع نواحيه، واستعرضوا الحالة الراهنة على ضوء حاجة الكويت للماء، وهل من الأفضل أن يسحب من شط العرب أو أن يستعاض عن ذلك بإنشاء عدد كاف من الكندنسرات تكفي وتؤمن حاجة البلد من الماء للشرب وللزراعة. ولقد رأى المجلس واقتنع اقتناعاً تاماً بإجماع آراء أعضائه أن الكندنسرات تفضل على شط العرب من وجوه كثيرة أهمها الناحية الاقتصادية، إذ إن التكاليف تقل عن نصف التكاليف في ماء شط العرب. وعليه فإن المجلس إذ يقرر - في سبيل مصلحة البلد - تفضيل الكندنسرات فإنه يرى عدم تضييع الوقت. وإن الخطوات اللازمة يجب أن تتخذ في الحال لمباشرة العمل في المشروع للوصول إلى النتائج المطلوبة من أقصر الطرق، وبأسرع وقت مستطاع. إننا نؤمن إيماناً كبيراًً بسلامة وصحة هذا الرأي الذي انتهينا إليه وبأنه يتمشى مع مصلحة البلد الحقيقية، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر، والله ولي التوفيق. ومع ذلك فإن الاتفاقية لم يُعمل بها ودون أن يصدر أي توضيح لذلك. وقد أشاع بعض الأعضاء ممن شاركوا في الاجتماع في مدرسة الصديق، وهم محسوبون على الحكومة، بأن الكويتيين المجتمعين رفضوا الاتفاقية خلافاً لما حصل حتى تلقي الحكومة اللوم على الكويتيين أمام العراق. أمام هذا الوضع أصدرت لجنة الأندية (النادي الثقافي القومي، جمعية الخريجين ونادي المعلمين) بياناً علمياً مطولاً يتلخص في أن محطات التقطير لا يمكن أن تحل مشكلة المياه التي تحتاج إليها الكويت إذا أرادت أن تتوسع في الصناعة والزراعة، وأشارت إلى أن رأي الكويتيين يُعرف من خلال التمثيل الشعبي الحقيقي. طبعنا البيان في دمشق ، لتعذر طبعه في الكويت، ووزعناه على نطاق واسع مما أثار حفيظة السلطات، وتم استدعاء الموقعين إلى الأمن العام، أنا عن النادي الثقافي القومي وخالد المسعود عن نادي المعلمين ومرزوق الغنيم عن جمعية الخريجين، فاستقبلنا عبدالله المبارك وهو يحمل البيان بيده مستغرباً تدخلنا في السياسة، فقلت له: هذا الموضوع عن الماء ولا فيه سياسة. فقال: لا، هذا بيان سياسي ولا يسمح لكم بالتدخل بالسياسة. وأنذرنا بعدم تكرار ذلك. قبل دخولنا عليه أسرّ لنا أحد الأصدقاء في الأمن (عبدالعزيز جعفر) بأن عليكم أن لا تستثيروه فقد أحضر الخيازرين (العصي) لجلدكم كعادته، فتجنبنا الرد عليه لتفادي هذا المصير. بعد عشرين عاماً تقريباً أتيحت لي الفرصة أن أطّلع على محضر جلسات المجلس الأعلى وكانت مقتضبة جداً لكل جلسة. المحضر نصف صفحة من دفتر عادي وغير موقعة إلا الجلسة التي رفض فيها المجلس الأعلى اتفاقية أم قصر، فقد كانت أطول وموقعة من جميع أعضاء المجلس كي لا يقول واحد منهم - كما يبدو - في المستقبل إنه كان موافقاً على الاتفاقية. وكان الشيخ عبدالله السالم قد أخبرني قبيل وفاته، أي بعد مضي عشر سنوات على الاتفاقية، بأنه لا يمكن أن يقبل بأية اتفاقية مع العراق بشأن المياه أو الكهرباء أو سكة حديد أو غيرها. هذا ما جعلني أفهم لماذا غيَّر المجلس الأعلى موقفه ولماذا لم يأخذ بآراء الكويتيين الذين أخذ مشورتهم، لأنه حاول أن يلقي المسؤولية عليهم! وعند استعراض الأحداث في الكويت خلال نصف قرن أجد أن النظام ينجح دائماً في تحميل الشعب الكويتي مسؤولية أي قرار خطأ يسيء إلى سمعة الكويت، وآخرها قانون إعطاء المرأة حقوقها السياسية الذي أسقطه مجلس الأمة، وصار الشعب الكويتي «ممشة زفر» لهم كما يقول المثل. وبهذه المناسبة لا بد من ذكر حادثة أخرى تؤكد دور زبانية النظام في توتير العلاقة. بيننا وبين الصباح فقد دخل عليَّ مرة في العيادة عربيان من المقيمين في الكويت ظننتهما مريضين، إلا أنهما أبرزا لي منشوراً والورقة الأصلية التي تستعمل في الستانسل لطبع الأوراق، والمنشور فيه شتيمة للصباح وتحريض واضح موقّع باسم الشباب القومي، وقالا إنهما يعملان مع أحد النافذين، وقد أجر لهما بيتاً خلف الفندق العصري الموجود قرب الصفاة وأعطاهما طابعة وهو يسلمهما مناشير يطلب طبعها وتوزيعها، وإنهما شعرا بالإثم للمساهمة في هذه الجريمة، وقالا بأن فحص الأصل من قبل خبير يؤكد أنه مطبوع في المطبعة التي عندنا لخلل في أحد الحروف. وفي هذه الفترة كانت توزع في الكويت مناشير كثيرة في أوقات الأزمات حول الكثير من القضايا التي لا يمكن نشرها في الصحف، إلا أنها لم تكن في مثل هذا الإسفاف والوقاحة. ومع أن علاقتي بالشيخ سعد العبدالله كانت جيدة إلا أنني أعرف قدراته المتواضعة في معالجة هذه الأمور الخطيرة، كذلك فأنا أعلم جيداً أن القرار بيد الشيخ عبدالله السالم وحده. شكرت الاثنين وأخذت المنشور الأصل وأعطيته للسيد نصف اليوسف وشرحت له الموضوع وطلبت منه أن ينقل ذلك إلى عبدالله السالم ليكون على بيّنة. وفعلاً قام بذلك وأخبرني عبدالله السالم بذلك قبل وفاته، ووعد أن يعطيني ملف الأمن الكامل الذي عنده بعد أن ذكر لي أنه يحتوي على بعض التقارير الحقيرة والاتهامات الخطيرة، ومنها اتهامي أنا وسمو الشيخ صباح الأحمد بالقيام بتحريض خروتشوف ، الزعيم السوفييتي الأسبق، على التعرض لعبدالله السالم أثناء وضع الحجر الأساس للسد العالي، مما أثار استغراب الجميع! لماذا يهاجم ويشتم الشيخ عبدالله السالم بالذات من بين كل الحكام العرب، ولم أفهم كذلك حشر سمو الشيخ صباح الأحمد معي في هذه الجريمة المفتعلة. التحرك السياسي (الخمسينيات وتكوّن النظام السياسي) شهد عام 1952 تطوراً نوعياً في الحياة السياسية في الكويت، فمنذ تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم في عام 1950 سعى إلى إجراء انتخابات للمجالس النوعية. ففي عام 1952 دعا إلى انتخابات لأربعة مجالس تدير الشؤون المحلية للدولة، وهي المجالس البلدية والمعارف والصحة والأوقاف. وكلف عبدالله الجابر بالإشراف على تلك الانتخابات، فأعدت قائمة بأسماء الذين يحق لهم الانتخاب بإشراف عبدالله الجابر، ولم نكن نحن في السن التي تسمح لنا بترشيح أنفسنا فقمنا بدعم العناصر التي اعتقدنا أنها الأفضل. وكانت النتائج ممتازة على الرغم من أن الفئات الشعبية التي تمثل القاعدة لنا استُبعدت من المشاركة في عملية الانتخاب. كان الشيخ فهد السالم يرأس البلدية والصحة والشيخ عبدالله الجابر التربية والأوقاف، وبحكم منصبيهما أصبح كل منهما رئيساً للمجلس المنتخب. عُرف الشيخ فهد السالم بتعامله غير اللائق مع أعضاء المجلس البلدي، وكان معرقلاً دائماً لعملهم، مما أحدث توتراً بينه وبين الأعضاء. فعلى سبيل المثال كان يجلس خارج قاعة الاجتماعات مع بعض المنتفعين متجاهلاً الاجتماع مما يشل جلسات المجلس. وبعد انتهاء السنتين وهي عمر المجلس لاحظنا تردداً من الشيخ عبدالله السالم في دعوة الناخبين للانتخاب، لأنه كما يبدو رأى أن التجربة لم تنجح كما تمنى، فرأينا أن نشجعه على الاستمرار فوجّهنا إليه رسالة عبر جريدة «ملحق الإيمان» نطلب منه أن يوجه رسالة نصيحة إلى الناخبين بمناسبة قرب موعد الانتخاب. ولما وردنا رده شفوياً قمنا بنشر الرد مغطين به الصفحة الأولى كلها تقريباً، وكتبنا الرد بماء الذهب للأهمية، وفعلاً دعا إلى الانتخابات، وقال لي الشيخ جابر العلي فيما بعد: أنتم ورطتم عبدالله السالم بالدعوة إلى الانتخابات لأنه كان متردداً. إلا أن معركة انتخابات مجلس المعارف اتجهت اتجاهاً سلبياً، إذ برز اتجاه إقليمي معاد للتوجه القومي حسم المعركة لمصلحته، وأحدث تغييراً في قيادة المعارف وتوجهها، وقد اجتمعت عناصر مختلفة على الرغم من تناقضاتها لإحداث هذا التغيير. العنصر الأول جاء نتيجة التنافس بين الفلسطينيين والمصريين، ففي البداية جاءت أول مجموعة من المعلمين من فلسطين بترشيح من المفتي أمين الحسيني وأخذت أعداد المعلمين الفلسطينيين في الازدياد، ثم جاء عبداللطيف الشملان واستنجد بالدكتور طه حسين لإرسال معلمين مصريين على نفقة مصر. ولما كان التوجه العام قومياً فقد عُيِّن درويش المقدادي مديراً عاماً للتعليم العام في الكويت، وكان المقدادي من المناضلين الفلسطينيين القوميين المعروفين وهو الذي ذهب إلى العراق بعد سقوط حكم الملك فيصل القومي في الشام وذهاب الملك فيصل إلى العراق ملكاً، وساهم في تعميق التثقيف القومي في التعليم بالعراق. ويجب ألاّ ننسى بأنه كان عضواً في الحزب العربي القومي السري، وارتباط بعض وجهاء الكويت بهذا الحزب كما سبق ذكره كان السبب في اختياره. وبعد أن تزايد عدد المدرسين الفلسطينيين أصبح هناك تنافس بين المعلمين المصريين والفلسطينيين، والحقيقة أن هذا التنافس امتد إلى جميع إدارات الدولة، إلا أنه كان واضحاً في المعارف والصحة والأشغال العامة. أما العنصر الثاني فقد تمثّل في الخلاف أو المنافسة بين الكويتيين وغير الكويتيين، وبالتحديد الفلسطينيين الذين كانوا أول من جاء إلى الكويت وخصوصاً بعد النكبة عام 1948. كانت مؤهلات الكويتيين بشكل عام أقل من مؤهلات الفلسطينيين، ففي البداية كان الكويتي عندما يتخرج من الثاني الثانوي - وهي آخر مرحلة تعليمية في الكويت - يذهب للعمل وهم قلة أما الآخرون فهم دون ذلك. فكان من الطبيعي أن لا يحصلوا على مواقع متقدمة في سلم الوظائف العامة - بالتربية وغيرها - لأن القادمين من الفلسطينيين في ذلك الوقت كانوا يحملون الشهادة الثانوية على الأقل أو مهارات فنية أخرى تؤهلهم لمراتب أعلى وبالتالي لراتب أكبر. خلق ذلك إحساساً بالغبن عند زملائهم الكويتيين الذين كانوا يقولون: نحن أولى بثروة بلادنا. وتمثل العنصر الثالث في إحساس بعض الشيعة في الكويت بأنهم مضطهدون لأسباب طائفية أو عرقية بلغت ذروتها عندما قام المجلس التشريعي عام 1938 بترحيل بعضهم بحجة الدفاع عن عروبة الكويت، فأصبحوا يخافون أشد الخوف من أي توجه قومي. أما العنصر الرابع فقد نتج من تأثر بعض الخريجين الكويتيين بالأفكار اليسارية الموجودة داخل الجامعات المصرية والمعادية للفكر القومي. خلاصة القول، أن هذه الأسباب مجتمعة يضاف إليها انتهازية البعض وجدناها التفّت حول شعار تكويت التعليم، واستطاعت أن تسيطر على مجلس المعارف. وكان أول قرار للمجلس هو استدعاء عبدالعزيز حسين الذي كان وقتها يدرس في إنجلترا وتعيينه مديراً للمعارف بدل درويش المقدادي الذي جمد كنائب للمدير. إلا أن ذلك لم يعمر طويلاً، فقد اصطدمت المجالس مجدداً بفهد السالم وقدمت استقالتها بما فيها مجلس المعارف عدا عضو واحد كان مكلفاً بشؤون الإدارة المالية رفض الاستقالة ليحتفظ بهذا المنصب. هنا شمرت القوى القومية داخل نادي المعلمين بقيادة خالد المسعود عن ساعدها وأطاحت هذا التيار ومجلس إدارة نادي المعلمين، وعاد النادي مجدداً إلى خطه القومي. نعود إلى موضوع المجالس المنتخبة، فبعد ظهور النتائج عاودت هذه المجالس أداء واجبها، إلا أن فهد السالم تمادى في امتهان كرامة أعضاء المجلس البلدي، فتداعى أعضاء المجالس كلهم وقدموا استقالة جماعية ما عدا واحداً منهم (عضو مجلس المعارف الذي سبق ذكره). حاول بعض أقطاب العائلة استدراج بعض الشخصيات للقبول بتعيينهم في بعض المجالس إلا أن الجميع رفضوا ذلك، ولم تنجح محاولات التوسط للمصالحة التي قام بها آخرون. تدارسنا الوضع ووصلنا إلى اقتناع بأن هذه التجربة لن تنجح ما لم يبعد أفراد العائلة عنها وذلك من خلال أن يقوم الشيخ عبدالله السالم نفسه برعايتها، ووصلنا إلى الاقتناع بإيجاد مجلس واحد برئاسة الشيخ عبدالله السالم ليقوم بالإشراف على جميع مؤسسات الدولة، وقررنا إعداد عريضة يوقّع عليها الكويتيون وتُرفع إلى عبدالله السالم، وفعلاً أعددنا العريضة ورأينا أن نجاحها بين التجار يتوقف على موافقة الشيخ يوسف بن عيسى على التوقيع عليها أول واحد لما عُرف عنه من اعتدال في الرأي وباحترام الشيخ عبدالله السالم له. فذهبنا إليه (أنا وعبدالعزيز الأحمد العيسى وعبدالعزيز الفليج) وعرضنا عليه العريضة والأسباب الموجبة، وكم كانت فرحتنا كبيرة عندما وافق على العريضة ووقّع عليها. عندها ذهبنا إلى سوق التجار للحصول على تواقيعهم ووجدنا منهم حماسة منقطعة النظير، كذلك اتصلنا بكل قطاعات الشعب التي أقبلت متحمسة على التوقيع في مقرات بعض الأندية التي حددناها لجمع التواقيع، وكانت باعتقادي أول عريضة شعبية واسعة بتاريخ الكويت تطالب بالإصلاح. وعندما انتهينا من التواقيع اتفقنا على كتابة رسالة إلى الشيخ عبدالله السالم مرفقة بالعريضة تذكر أهمية الاقتراح. حضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير البلاد المعظم، تحية وإجلالاً، قبل البدء بصلب الموضوع لا بد للإشارة إلى الجهود العظيمة المخلصة التي بذلها سموكم ولا تزالون تبذلونها في سبيل إسعاد هذا الشعب وقيادته إلى التقدم والعزة، ولا شك بأن التاريخ سيسجل هذه البادرة الجليلة منكم ألا وهي إدخالكم نظام الانتخاب إلى الكويت، سيسجلها التاريخ كأعظم حدث وقع لهذه الإمارة، وإن إقدامكم على هذا العمل الجليل لدليل ساطع على حبكم لشعبكم الوفي وبرهان أكيد على أخلاقكم الديمقراطية الصحيحة. ولقد رأينا نحن وقد قمتم سموكم بهذه الخطوة التاريخية العظيمة أن نضم مجهودنا المتواضع إلى مجهودكم الكبير في جعل هذا المجهود يأتي بالفائدة المرجوة منه، ولقد برهن التاريخ بأن كل مشروع جليل لا بد وأن يصاب بهزات كثيرة وعقبات متعددة وتظهر عليه نواقص عدة سرعان ما تعمل الخبرة والتجربة ومر الأيام على إبعاد كل هذه الصعوبات ليظهر المشروع بحلته الجميلة وفائدته العظيمة، وهذا هو شأن الانتخابات عندنا بالرغم من بعض المشاكل التي وقعت - فإننا نؤمن كما آمن سموكم بأنها الطريقة المثلى لخدمة الكويت، وأن التجربة ومر الأيام لكفيلان على برهان ذلك هذا إذا عملنا دائماً وأبداً إلى دراسة الصعوبات القائمة وعملنا بإخلاص على تذليلها. إننا إذ نستعرض أعمال هذه المجالس المتعددة نرى بأنها قامت بتوجيه سموكم بأعمال يمكننا جميعاً أن نفخر بها بالرغم من الصعوبات التي ألمّت بها، وأننا نرى أن الأسباب التي أدت إلى ضعف المجالس يمكن أن تلخص بما يلي: أولاً: عدم الشمول في قوائم الانتخابات إن القوائم الانتخابية التي أعدت كانت ناقصة فلم تشمل جميع الكويتيين بل اقتصرت على فئة معينة كانت ساهمت في بعض التبرعات لمشروعات وطنية، والصحيح هو أن يعمل على إيجاد دائرة إحصاء تقوم بتسجيل الكويتيين جميعاً وإعطاء حق التصويت لكل كويتي تعدى العشرين من عمره، وقد لا يكون هذا ممكناً بالنسبة للانتخابات القادمة لضيق الوقت ولكن من الممكن بذل جهد كبير للعمل على إيجاد قائمة تضم أكبر عدد من الكويتيين الذين لهم حق الانتخاب، فتعين لجنة من وجهاء البلد العارفين ليضع هؤلاء قائمة بالمنتخبين مستبعدين الأجانب، وما أكثرهم، ويشرفون على عملية الانتخاب، ولا شك بأن تعين لجنة ثانية لفرز الأصوات مما سيساعد في إبعاد كل أشكال وسوء تصرف أثناء الانتخاب. ثانياً: حرمان الموظفين من العضوية في المجالس في بلد ناشئ كالكويت تكون الكفاءات عادة محدودة وتشاء الصدف أن يجرف تيار الوظيفة كثيراً من الكفاءات هذا مما يسبب حرمان مجالسنا من كفاءات لا بأس بها، وإننا نرى من الأفضل أن تطعّم المجالس بهذه الكفاءات بعدم حرمان الموظفين حق العضوية في المجالس. ثالثاً: حرمان العضو من الحصانة لا يمكن للعضو أن يكون منتجاً ما لم يعطَ الحرية التامة في التعبير عن رأيه وشرح وجهة نظره أثناء المناقشات الدائرة في المجلس، دون أن يشعر العضو بأنه قد يناله الأذى من أية جهة كانت لسبب إبداء رأيه بصراحة تامة. وإننا نأمل منكم - يا صاحب السمو - أن تشملوا الأعضاء جميعاً بحمايتكم لتحفظ كرامتهم أثناء أدائهم هذا الواجب الوطني، إذ لا يمكن أن يعمل الفرد وهو غير مطمئن لنتيجة أقواله. رابعاً: افتقار المجالس إلى قوانين داخلية تحدد بوضوح صلاحيات كل من الرئيس والمدير والعضو أثناء المناقشات وأثناء التنفيذ. إن عدم تحديد هذه الصلاحيات تسبب المصادمات والتعدي على اختصاصات الغير. إن مما يؤدي إلى قوة المجالس وحسن سيرها أن تؤخذ القرارات بالأكثرية وينفذها المدير الذي يجب أن ينتخبه المجلس بكثرة الأصوات من خارج المجلس ولا يحق له التصويت لتكون محاسبته على إهماله وإقالته عند تقصيره ممكنة، إذ لا يجوز لمجلس منتخب أن يقيل عضواً انتخبه الشعب. خامساً: التضارب في اختصاصات المجلس إن هذه المجالس لا تعرف أحياناً حدود أعمالها فتجد التضارب بين أعمال البلدية والصحة والأشغال مثلاً. فمن الضروري أن تناط بالمجلس الإداري المشترك الذي سيأتي الكلام عنه أمر تحديد اختصاصات هذه المجالس. هذه بعض النواقص التي شعرنا بأنها موجودة في مجالسنا الحالية بعد تجربة سنتين وهذه هي الحلول الممكن اتباعها حسب اجتهادنا ومعرفتنا، ولسموكم الرأي الأخير. وإن مما يساعد على بعث روح الاهتمام بمصلحة البلد بين أفراد الشعب هو جعل المجالس تنشر محاضر جلساتها ليطلع عليها الأهالي، كي يحس كل عضو أن هناك رأياً عاماً معقباً على أعماله متتبعاً لها فيخشى الله في سره ويخشى الناس في علانيته. مجلس إداري مشترك قبل أن نختم هذه الرسالة نود أن نتعرض إلى مشكلة هي في غاية الأهمية ألا وهي تنسيق أعمال الدوائر والمجالس جميعاً. إن من الحكمة أن يكون العمل منسجماً بين جميع الدوائر والمجالس، وحبذا لو انتخب لكل دائرة حكومية مجلس، إذ بتنسيق أعمال هذه الدوائر تعم الفائدة ويكون ذلك بأن ينتدب سبعة، كل مجلس دائرة من يمثلها، إلى مجلس موحد يجتمع دورياً ليناقش ويبحث في الأمور المهمة لهذه الدوائر، ويعمل على تنسيق أعمالها وتكون قراراته ملزمة لجميع الدوائر. إننا نرى من هذه الطريقة الحل العملي الوحيد لخلق النظام في الأعمال القائمة في الكويت وتنسيق المشاريع القادمة. وحتى يكون هذا المجلس الإداري المشترك الممثل لجميع دوائر الحكومة منتجاً نرى من الأفضل أن يترأس سموكم الاجتماعات الدورية لهذا المجلس المستحسن عقدها مرة كل شهر. إذ لا شك أن هذا المجلس سيستمد من إرشادكم ومؤازرتكم الحكمة والسرعة في العمل. هذه هي آراؤنا المتواضعة نضعها تحت تصرّف سموّكم ونحن نعلم أنكم أحرص منا على مصلحة هذا البلد، وأنكم لن تدخروا وسعاً لمساعدة شعبكم الوفي. وإن في إيجاد مجلس الإنشاء الحالي لدليل ساطع على ضرورة تنسيق أعمال المجالس والدوائر، غير أن وضع مجلس الإنشاء غير طبيعي إذ إنه يحوي خبراء وغير خبراء وطنيين وأجانب ولا شك بأن إيجاد المجلس الإداري المشترك سيجنبنا هذا الوضع غير السليم. وتفضلوا يا صاحب السمو بقبول فائق الاحترام. أخذت موعداً من الشيخ عبدالله السالم، وقبل الموعد اتفقت مع مرزوق الغنيم وخالد المسعود وعبدالعزيز حسين على أن نلتقي بمكتب خالد الزيد القريب من قصر السيف، وهو والد عبدالرزاق الذي كان من أبرز النشطاء في العمل القومي. عندما اجتمعنا طلب خالد الزيد أن يقرأ الرسالة فأعطيته إياها، فقرأها بتمعن واستحسنها، فذهبنا إلى الشيخ عبدالله السالم في الموعد المحدد وأعطيته الرسالة والعريضة فقرأها باهتمام بالغ، ثم أعاد قراءتها ثانية وأعجب بها وطلب مني أن أقدم له أعضاء الوفد، وهو مولع بمعرفة الأشخاص، آبائهم وأمهاتهم وأنسبائهم... الخ. ووعدنا خيراً، وكان لقاء مريحاً وإيجابياً وخرجنا منه مستبشرين بنجاح مهمتنا. نص العريضة المقدمة إلى الشيخ عبدالله السالم 1954 «نظراً للفترة الحرجة التي تجتازها الكويت الآن والارتباك العام الذي تعانيه البلد، ورغبة منا في التعاون مع صاحب السمو أمير البلاد للخروج من هذه الأزمة، نرى نحن الموقعين أدناه التقدم إلى صاحب السمو بطلب تشكيل مجلس واحد منتخب انتخاباً سليماً يقوم بمعاونة سموه في إدارة شؤون البلد». وتمت الدعوة لاجتماع في مسجد السوق بتاريخ 3/5/1954 لانتخاب الهيئة التنفيذية الأهلية ولكن الاجتماع رُفِضَ الترخيص له. وفوجئنا بعده بصدور مرسوم أميري بتاريخ 19/7/1954 بتعيين اللجنة التنفيذية العليا. لم تستطع اللجنة التنفيذية العليا الاستمرار في العمل بسبب اصطدامها بالكبار من العائلة الذين كانوا يرأسون الدوائر الحكومية، وهم الشيخ عبدالله المبارك والشيخ فهد السالم اللذان رفضا التعاون معها مما اضطر أعضائها إلى تقديم استقالاتهم. شكل الشيخ عبدالله السالم بعدها المجلس الأعلى وهو يضم كبار العائلة والصف الثاني أيضاً. مرسوم تشكيل المجلس الأعلى: حضرات الأولاد الأعزاء: عبدالله الأحمد عبدالله المبارك فهد السالم صباح السالم مبارك الحمد جابر الأحمد جابر العلي صباح الأحمد سعد العبدالله خالد العبدالله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إنكم تعلمون ولا شك ما طرأ على مصالح الحكومة من الاختلال وعدم الانتظام، وإن هذه الحالة لا ترضينا جميعاً وتستدعي معالجة سريعة، وإنني إذ وافقت وحبذت تشكيل مجلسكم إنما كان رائدي في ذلك الإصلاح وإزالة أسباب الاختلال، وعليه فإن كل أملي أن تكونوا عند حسن الظن وجديرين بحمل العبء الذي انتدبتم لحمله، ولن يتم ذلك لكم إلا بالتآزر والتكاتف وجعل هدفكم الوحيد منصبّاً على الإصلاح المنشود بدون النظر إلى أي شيء آخر، مع تحكيم العقل والتجرد عن العاطفة وأهواء النفوس. وإنني متأكد بأنكم إذا وضعتم ما ذكر نصب أعينكم وقدرتم ما هو مطلوب منكم كل التقدير فإن العاقبة ستكون محمودة بإذن الله. اللهم إني بلغت. الكويت في6 ديسمبر1955 ويتضح من القراءة المتأنية لورقة الشيخ عبدالله السالم بشأن تأسيس المجلس الأعلى أمران: الأول يعني أنه ينتقد الأوضاع العامة ويحمّلهم المسؤولية عن ذلك; والأمر الثاني هو أنه يقول لهم إنني أعطيكم الفرصة الأخيرة للإصلاح وهو إنذار نهائي عندما يقول «اللهم إني بلغت». هذه كانت طبيعته في التعامل مع أسرة الصباح; يستشيرهم ويعطيهم الفرص لإصلاح أدائهم ويحميهم من انتقاد الناس لهم، لا بل يقف معهم ضد منتقديهم حتى إذا ما أثبتوا عجزهم عن الإصلاح واتخاذ القرار المطلوب تخطاهم متجاوباًً مع المطالب الشعبية. المجلس المنتخب الذي لم يجتمع بعد فترة زارني ثلاثة مرسلين من المجلس الأعلى هم يوسف الفليج وعبدالحميد الصانع وخالد العدساني وقالا لي إن المجلس الأعلى وافق على إجراء انتخابات لتكوين مجلس من (65) عضواً لمساعدتهم على إدارة شؤون الدولة، إلا أنهم يشترطون أن لا تشترك أنت في الانتخابات. فقلت لهم: أنا موافق، المهم أن تجري الانتخابات ولست ساعياً إلى مناصب. قالوا: إذاً اكتب تعهداً بأنك لن ترشح نفسك للانتخابات وإذا نجحت تقدم استقالتك. فكتبت لهم هذا التعهد ووقعته. بعدها تمّت الدعوة إلى الانتخاب وجرت في المدرسة المباركية يوم الجمعة بتاريخ 28/3/1958. ومع أنني لم أرشح نفسي ولم أقم بالاتصالات اللازمة فقد كانت النتيجة كما يلي: 397 يوسف الفليج 370 عبدالعزيز الصقر 360 بدر السالم 367 حمد المشاري 354 محمد الخرافي 352 حمود الزيد 328 سليمان البسام 326 مشعان الخضير 325 جاسم القطامي 314 أحمد سعود الخالد 311 يوسف إبراهيم الغانم 302 حمد الحميضي 294 خالد العدساني 279 مرزوق بودي 272 عبدالوهاب العثمان 271 خليفة الغنيم 271 عبدالحميد الصانع 263 فهد المرزوق 261 يعقوب الحمد 258 محمد النصف 251 أحمد الخطيب 246 محمد البحر 244 فهد السلطان 240 أحمد الفهد 239 عبداللطيف ثنيان 238 دخيل الجسار 237 عبداللطيف الشايع 235 يوسف الحميضي 234 نصف اليوسف 230 بدر الشيخ يوسف 226 صبيح البراك الصبيح 218 عبداللطيف النصف 214 مرزوق العبدالوهاب 210 علي البحر 208 يوسف الغانم 208 سالم القطان 204 عبدالرزاق خالد الزيد 201 خالد الخرافي 199 براك العجيل 188 فهد الرشيد 185 سليمان خليفة الشاهين 182 يوسف عبدالوهاب العدساني 181 عبدالله عبداللطيف العثمان 174 محمد عيسى العصفور 171 محمد ملا حسين 170 عبدالعزيز الراشد 167 عبدالرزاق حمد الخالد 167 عبدالله الدخيل 167 علي الجسار 165 عبدالعزيز المضف 164 عبدالله الشايع 159 أحمد الفوزان 159 حمود المضف 152 عبدالله مشاري الروضان 151 مرزوق خالد الغنيم وهكذا رغم عدم ترشّحي فإنني كنت من ضمن الناجحين، إذ لم تكن هناك قوائم رسمية، وكان الناخب يستطيع أن ينتخب من يريد من المواطنين. عندها زارني الوفد نفسه وطلب مني أن أقدم استقالتي، ففعلت ونجح الاحتياطي، إلا أنه قبل أن يدعى المجلس للانعقاد طلب المجلس الأعلى أيضاً استقالة كل من جاسم القطامي وعبدالرزاق خالد الزيد، فتنادى الأعضاء الفائزون في الانتخابات إلى اجتماع يعقد في السينما. في هذا الاجتماع طرح طلب المجلس الأعلى باستقالة هذين العضوين، وجرى نقاش موسع حول هذا الموضوع، وكان الرأي بأن قبول هذا الطلب يشكل بادرة خطيرة ويشجع المجلس الأعلى على إقالة كل عضو لا يمشي حسب رغباتهم ويصبح المجلس مجلساً معيناً لا سلطة له. واتخذوا قراراً بالاستقالة، ولعله أول مجلس في العالم يستقيل قبل أن يجتمع، وذلك على مرأى ومعرفة من عبدالله السالم!