Ad

العالم كله يتوق إلى أن يسمع من الشعوب العربية عن موقفها من شن الحرب ضد إيران خصوصاً أن الصهاينة والرسميين العرب معا يشيعون تصويرا خاطئا تماما للمصالح والمواقف السياسية العربية.

لم تقم إيران بعمليات كبيرة لتعبئة الرأي العام العالمي ضد المخطط الأميركي الإسرائيلي لشن الحرب ضدها بذريعة البرنامج النووي، وفيما يبدو أن إيران لا تملك خبرة في التعامل مع الرأي العام العالمي بما في ذلك حركة مناهضة الحرب التي تمكنت من تحويل رفضها للحرب ضد العراق إلى حملة عالمية غير مسبوقة. ومن المحتمل أن الدولة الإيرانية لا تحمل تقديرا كبيرا لدور الرأي العام في تغيير القرارات الاستراتيجية الكبرى. وعلى أي حال فإنها قد لا تملك أيضا الرغبة أو المهارة خصوصا إن استمر الرئيس أحمدي نجاد في إطلاق الشعارات المتسرعة أو الضارة. وإذا كانت الدولة الإيرانية غير مهتمه اهتماما كافيا بمخاطبة الرأي العام العالمي أو حتى العربي فمن المنطقي أن تنأى الدول العربية بنفسها عن هذه المهمة لقطع الطريق على مخطط ضرب إيران. ولكن ماذا عن الشعوب العربية؟

المصالح العربية

الواقع أن مخطط إدارة بوش لضرب إيران يمثل أيضا ضربة نجلاء ومؤثرة للمصالح العربية أيضا. إذ يقصد بهذا المخطط حرمان إيران وكل دول المنطقة وشعوبها من فرصة امتلاك التكنولوجيا النووية المدنية والعسكرية وتأمين احتكار إسرائيل لهذه التكنولوجيا. هنا يكمن جوهر الصراع الرمزي. فالإدارة الأميركية الحالية بل المؤسسة الحاكمة في أميركا تبدو مصممة على كسب معركة حرمان العرب وإيران أيضا من أي فرصة لامتلاك أي مصدر مهم للقوة وهو ما يعني فرض فكرة «الاستسلام غير المشروط» من جانب العرب لصالح إسرائيل.

ومن جانب ثان فإن ضرب إيران يعني أيضا ضرب «حزب الله» وبقية حركات المقاومة العربية ضد العدوان الصهيوني، وقد يمهد أيضا لضرب أو تركيع سورية، وبكل أسف فإن بعض النظم العربية لا يرى في ذلك خطرا بل قد يدفع له. وقد رأينا تطبيقا مخففا لهذا الرأي أثناء العدوان الإسرائيلي الإجرامي ضد لبنان و«حزب الله» في صيف 2006. ولكن شن الحرب ضد إيران سيكون شيئا مختلفا لأنه يعني إعادة هيكلة المنطقة من الناحية الاستراتيجية بما يضر بمصالح ومكانة نظم الحكم في عدد لا بأس به من الدول العربية. فهذه النظم لا تتمتع باحترام حقيقي في الولايات المتحدة بل العكس. وكانت إدارة بوش مصممة على إطاحة هذه النظم والحكومات الأقرب لها بين حلفائها العرب خصوصا مصر والسعودية. وما أنقذ هذه الحكومات من الضغوط المتواصلة لإدارة بوش هو مسحة التوازن السياسي والاستراتيجي في المنطقة والتي أضفتها إيران وبرنامجها الذري وتماسكها في وجه التهديدات الأميركية.

وإن كان ضرب إيران مناقض لمصالح الحكومات ونظم الحكم العربية فهو بالضرورة مناقض بصورة أشد لمصالح وحقوق الشعوب العربية، والأمر الأهم هنا هو مصلحة الشعوب العربية في رفض مبدأ التدخل وشن الحروب والسيطرة على مقدرات المنطقة وإخضاعها للهيمنة الأميركية-الإسرائيلية خصوصاً أن العداء للعرب وجزئيا للمسلمين صار عميق الجذور في النفسية الأميركية. وربما يصبح ضرب إيران الخطوة الحاسمة على طريق سحق المقاومة الفلسطينية واللبنانية والانتهاء من فرض مشروع إسرائيل الكبرى. وإن انتهى التوازن الاستراتيجي النسبي والمرن بين التحالف الأميركي الإسرائيلي من ناحية وتحالف المقاومة العربية الإيرانية من ناحية أخرى، فالنتيجة الحتمية هي استباحة كل شيء عربي بما فيه الأراضي العربية. وقد يتم فرض «الاستسلام غير المشروط» فعلا على الشعب الفلسطيني.

وبالطبع فإن المصالح السياسية والاستراتيجية والأخلاقية العربية لا تتحقق بمجرد الدفاع عن التوازن الراهن في المنطقة. فمن الضروري أن تبدأ مرحلة جديدة من النضال يستعيد من خلالها العرب المبادرة الاستراتيجية ويتمكنون من صياغة استراتيجية قومية للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم من دون اعتماد على إيران أو أي قوة أخرى. ومع ذلك فإن الدفاع عن «سمة» التوازن النسبي في المنطقة هو أمر مهم بذاته في هذه المرحلة.

الرأي العربي بين الضرورة والضعف

ولكن ماذا يستطيع الرأي العام العربي أن يفعل في مواجهة قوى كبرى؟ وهل يمكن أن يكون له أي تأثير كبير في مواجهة سياسات الحرب الأميركية ضد إيران أو سورية أو «حزب الله» والشعب الفلسطيني ككل؟

بكل أسف تأخر نضوج رأي عام عربي ربما حتى الآن، وكان من أكثر المشاهد إيلاما للنفس أن شعوب العالم كله كانت تتحرك للدفاع عن السلام في منطقتنا باستثناء الشعوب العربية. وبكل وضوح لم يكن لدى الرأي العام العربي أثناء مناقشة مشروع غزو العراق لا وضوح الرؤية ولا الآليات والأدوات المنظمة ولا القدرة على التحرك المستقل. وبدا الأمر في عام 2003 مأساة وملهاة معا، ففي يوم 15 فبراير كانت هناك مظاهرات ضد مشروع غزو العراق في 60 دولة وفي 7000 مدينة تمتد من أقصى شرق آسيا وحتى الساحل الغربي للولايات المتحدة. ولم يكن هناك سوى مظاهرات بالغة الصغر في عدد محدود من البلاد العربية!

ولكن المشهد تغير كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية. صحيح أن المجتمعات المدنية العربية بدأت تبرز متأخرة وصحيح أنها مازالت بالغة الهشاشة وصحيح أيضا أن بعض القضايا والجوانب الأساسية للصراع في المنطقة لاتزال ملتبسة ولكن إمكانات الفعالية في التحرك الشعبي العربي مع ذلك كبيرة فعلا.

فالعالم كله يتوق إلى أن يسمع من الشعوب العربية عن موقفها من شن الحرب ضد إيران خصوصاً أن الصهاينة والرسميين العرب معا يشيعون تصويرا خاطئا تماما للمصالح والمواقف السياسية العربية. ومجرد أن تظهر صورة قوية لرفض مشروع الحرب الأميركية الإسرائيلية ضد إيران هو أمر بالغ التأثير في السياسات الدولية ولدى حركة مناهضة الحرب على المستوى الشعبي العالمي. والواقع أن أبسط مظاهر الرأي العام ولو كانت احتجاجا سلبيا قد تؤثر بقوة في المشهد السياسي. وعلى سبيل المثال فإن دعم الشعوب العربية لـ«حزب الله» ولبنان أثناء العدوان الإسرائيلي الغاشم في صيف 2006 كان حاسما لأن بعض الحكومات العربية «أيدت» إسرائيل بكل أسف أو على الأقل بررت هذا العدوان الإجرامي.

ويجب بكل تأكيد تجاوز هذا المستوى البسيط بطموح وقوة، فالمطلوب هو «قطع الطريق» على مخطط الحرب الأميركية ضد إيران وهو هدف كبير قد لا يمكن إنجازه إلا بتحركات كبيرة وعبر رؤية ثاقبة ومؤثرة.

وفي الظروف الحاكمة حاليا لتطور الحركات الشعبية والمدنية والسياسية العربية فأهم ما يجب أن نفهمه ونتحرك فيه بوعي هو ضرورة إيقاظ الرأي العام العالمي والتحركات الشعبية داخل أميركا ذاتها وفي العالم الغربي ككل ضد هذا المخطط. ويحتاج ذلك لتحرك عربي كبير بذاته. فرغم أن شعوب العالم أدركت رفض الشعوب العربية للحرب ضد «حزب الله» ولبنان عام 2006 فهي لم تتحرك مثلما تحركت في 2002 و2003 ضد مشروع الحرب ضد العراق.

وفرصتنا الحقيقية هي في إيقاظ الرفض الشعبي الأميركي والأوربي لمنطق الحروب العدوانية التي تشنها إدارة بوش. ولا يصح أن نبالغ في قوة وتأثير التحرك الشعبي العربي المستقل في الظروف الحالية خصوصا ظروف الاستبداد. ولكن بالمقابل فإن الاعتذار بسبب الضعف أمر غير مقبول. فهو يشجع استمرار الضعف ولا يطمح إلى إنهائه وتجاوزه بصورة نضالية وهو في نفس الوقت قد يعني تفويت العدوان الأميركي والإسرائيلي ضد إيران ومن ثم ضدنا نحن أيضا.

لتبدأ المواجهة الشعبية ولنر ماذا يمكن أن تحقق في الطريق.

* نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام