يقولون تموت الأشجار واقفة... ولا أعرف ما الفرق في الموت بين الوقوف أو الجلوس أو الانبطاح... ويقولون مات فلان واقفاً كالأشجار، وذلك كناية عن انه مات موتة شريفة وكريمة، كأن يموت مقاتلاً أو مجاهداً أو اثناء تأدية واجب ما... لكنه في نهاية الأمر مات... رحمه الله!

Ad

المهم نعود إلى الشجر... ولأن الأشجار ظاهرة «جديدة» في حياتنا الى حد ما فسوف نتحدث عنها، ليس دعماً لمشروع التخضير أو المليون نخلة الذي سمعنا عنه قبل ربع قرن بل دعماً للأشجار نفسها، فهي ظاهرة جميلة لم نكن نألفها مثلما صرنا لا نعيش من دونها... وهي تستحق من يدافع عنها...

ومن طرائف التعامل مع الأشجار اتذكر حين سكنا في غرناطة الكويتية -وتقع قبل منطقة الصليبخات وليست غرناطة الاندلس!- كان في بيتنا سدرة تطل على الشارع وتظلل جزءا من سور جارنا... الذي ازعجته السدرة، فقلت: لماذا... هل لأنها تظلل سور منزلكم؟ فرد مستهجنا ومستغربا: المسألة مو ظلال، المسألة أكبر والغريب انك ما تعرف السبب! قلت: والله لا أعرف. فرد مستغربا أيضاً: ألا تعرف انه من غير المستحب ان تكون في البيت سدرة؟!... ألا تعلم ان الجن يحبون السدرة فيسكنونها؟!...

قلت ضاحكاً: وهل تصدق مثل هذا الكلام؟... نظر اليّ وكله دهشة مردداً: استغفرْ وتعوذْ من الشيطان... وعليك ان تقطعها قبل ان يصيب الجن احد افراد عائلتك...

لم أفكر في الموضوع جدياً لكنني حين طرحته للنقاش ذات مرة مع اصدقاء تختلف ثقافاتهم تبين ان هناك من يعتقد نفس اعتقاد جارنا الفاضل وان هذا جزء من حكايات التراث، وبدء يسرد عليّ عددا من القصص والروايات التي تدلل على صدق قوله وتؤكد رأيه...

قلت مستغرباً: لكنها شجرة مثمرة ومظلة وذات خضرة جميلة حتى ان الشعراء اعتبروها من اشجار المحبين، فها هو شادي الخليج يغرد مردداً ما قاله الشاعر مبارك الحديبي«يا سدرة العشاق... يا حلوة الأوراق» بل يدلعونها فيقولون «يا سديرتي» الى آخر ما قيل فيها...

جاري المتوجس والمتطير حتى من اوراق الشجر كان لحوحاً في ضرورة قطع السدرة وكنت متمسكا بها وببقائها حتى قدر الله ان يغادر الجار لانه كان مستأجرا للمنزل، وجاء بعده مستأجر ألماني يعمل في مؤسسة علمية، وبعد فترة من التعارف سردت عليه حكاية السدرة فاستفزه الحديث وقال: أي عاقل يدعو إلى قطع الشجر؟ انتم في بلد يجب ان تفرحوا فيه اذا نبتت عندكم شجرة حتى ولو سكنتها كل الاشباح، وهل تعلم ما فوائد الاشجار في حياة البشر؟ قلت: أعرف بعضها... قال: لكن قل لي كيف يفكر جارك السابق بهذه الطريقة وهو يحمل شهادة الدكتوراه على حد علمي!

قلت :نعم، انه دكتور، قال: وما تخصصه؟ قلت: انه يحمل الدكتوراه في علوم الفقه والشريعة من جامعة الامام محمد بن عبدالوهاب. قال: أحتاج إلى ترجمة لهذا التخصص ومعلومات عن هذه الجامعة. قلت: انظر الى السدرة وتجاعيدها تأتك الإجابة!