Ad

يبدي أصدقاء خليجيون قلقهم حيال مستقبل الديموقراطية في الكويت، ويتجه حديثهم إلى توقف عجلة التنمية في الكويت، مقارنة بدول وإمارات قريبة، فأقول لهم إن الحرية قيمة إنسانية معنوية، والممارسة السياسية لا يمكن مقارنتها بالعمران ومعدلات الدخل، فالمسألة هنا ليست مقارنة «تفاح بتفاح».

ما أن ترتفع نبرة مناقشات النواب في مجلس الأمة، حتى تنهال الاتصالات من أصدقائي الخليجيين، فيكون ما يجري في الكويت مادة لنقاش يبدأ بالسؤال التقليدي: لماذا تحولت «ديموقراطيتنا» إلى عائق يحول دون نهوض بلد كان يوماً ما إشعاعاً للأمل في المنطقة؟

وعادة ما يكون الطرف الآخر منتمياً إلى أحد معسكرين، الأول يراقب بقلق والثاني بترقب، وأكاد أجزم بأن كثيراً منهم يؤمنون بالنموذج الديموقراطي الكويتي، وربما أكثر من الكويتيين أنفسهم.

أبدأ حديثي بالفصل بين عمق التجربة وسوء الممارسة، فالأولى مرت بمراحل أنضجتها، وأثبتت أنها أنجع العلاجات الممكنة، والثانية أكدت سيرنا بسرعة جنونية نحو المجهول، أوضح، فأؤكد أننا نعيش تحت ظل نظام سياسي ديموقراطي، الفرد هو أساسه، وبالتالي فإن فردية أداء النائب، هي نتاج منطقي لفردية خيار المواطن المستند إلى اختيار شخص المرشح وليس برنامجه، وعليه فسلبيات الممارسة لا يجب أن تطغى على إيجابيات التجربة بشكلها العام.

وأضيف بأن الديموقراطية الكويتية، برغم عمقها، إلا أنها لا تزال ديموقراطية ناشئة، بلغت للتو خمسة وأربعين عاماً، «غيبت» المرأة 43 منها، وتم تعليق عشر منها، وزيدت بأربعة أعوام كانت نتاج لتزوير «السلطة» خيارات الناخبين، وشهد ما تبقى منها إما تلاعباً مباشراً من الدولة بتقسيم الدوائر الانتخابية، أو بغض نظرها عن التجاوزات التي تحدث بعيداً عن الصندوق الانتخابي، كالانتخابات الفرعية أو تقديمها خدمات للمقربين منها، وجميعها كانت تتم لتوجيه خيارات الناخبين لما تريده السلطة، بدلا من انصياعها لما يريدونه هم، وبالتالي فإن ما يحدث طبيعي جداً، ولم يصل بعد إلى الخط الأحمر الذي نبتلع ريقنا عندما نلامسه.

ننتقل بالحديث إلى المقارنة بين توقف عجلة التنمية في الكويت، مقارنة بدول وإمارات قريبة، ودائما ما يكون معيار القياس بيننا النهضة العمرانية، فأعود وأقول إن الحرية قيمة إنسانية معنوية، والممارسة السياسية لا يمكن مقارنتها بالعمران ومعدلات الدخل، فالمسألة هنا ليست مقارنة «تفاح بتفاح»، ناهيك عن أن سبب التقدم العمراني الخليجي هو قرار إداري نفتقده في الكويت، لأن البرلمان ليس المعني بوضع المخطط الهيكلي للدولة بكل بساطة!

ينحو بنا الحديث ناحية أخرى، أستشعر فيها قلق أصدقائي الخليجيين، حينما يطرحون السؤال الأهم: إلى أين ستصل بكم «ديموقراطيتكم»؟!

أطمئن، بأن الدستور الذي حُسمت بموجبه أزمة بيت الحكم قبل عام ونيف، وضمن شرعية الأسرة الحاكمة قبلها بستة عشر عاماً إبان مؤتمر جدة، هو ذاته الدستور الذي كفل حرية التعبير للمواطن، وفرض ديوان المحاسبة كجهة رقابية على المال العام، وحصّن القضاء، ورسم حدود السلطات، وأوجد البرلمان الذي يعد الصورة العملية لمشاركة المواطن بالحكم، وعليه فهو حامي النظام الديموقراطي من التردي السياسي.

ننتهي بأن الكويت على شفير الانهيار، وأن التردي بلغ مداه، والفساد نخر بمؤسسات الدولة، وأن هناك تطاولاً من الفئات النافذة على حقوق الطبقة المستضعفة، فأرد عليهم مبتسماً، تخيلونا بلا ديموقراطية، وتحت رحمة حكومة مؤمنة بأن الدولة تبنى بالأقوال لا الأفعال!