Ad

تخفيف حدة تداعيات مفاهيم التمايز الطبقي والعرقي والفئوي لا يحدث من خلال ترديد الشعارات البراقة بالوطنية والولاء والانتماء، أو اطلاق الشعارات المضادة لها، بل بتعزيز المؤسسية والعدالة والمساواة في المجتمع، وإلا فإن الجميع هم من ذوي الدم الأزرق... الفاسد للأسف.

في إطار حالة الاحتقان الكريهة السائدة في البلاد برز للعيان استخدام مفرط لمصطلح «الدم الأزرق» أو «الدماء الزرقاء» على افتراض أن أصحابه يزعمون أنهم أعلى وأرقى من الآخرين وأن لهم الحق في الاستئثار بالدولة ومكتسباتها وحرمان من عداهم.

وعلى الرغم من أن هناك من يظن نفسه، في مجتمعنا الصغير، أنه على ذلك النحو، فلا أظن أن بامكاننا أن نجد من يمكن اتصافه بهذه الصفة عن حق وعن جدارة، فالمجتمع الذي نعيش فيه وعلى خلاف ما يتصوره بعضهم على أنه مجتمع «الأسرة الواحدة»، على قدر معين، كل يظن بنفسه خيراً من الآخر.

والمصطلح يعود استخدامه إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر لوصف السلالات النبيلة في بريطانيا، وكان أن تم استعارته من الإسبانية حيث كانت توصف به العائلة المالكة الإسبانية لتبيان نقاء دمها من أي دماء لليهود أو المسلمين من بني الأحمر. وقد تطور هذا المفهوم ليصبح سائداً بين أسر النبلاء استناداً إلى أن شرايين أيديهم تميل إلى الزرقة حيث يختلفون عن جمهور الناس الذين يقضون وقتاً طويلاً في العمل ما يؤدي إلى أن تتلون سحنتهم لتصبح باهتة بينما لا يقوم أولئك النبلاء بعمل يذكر. كما يؤكد المؤرخون أن المصطلح قد جاء من النبلاء الإسبان منذ القرن التاسع واستمروا على مدى 500 سنة في حروبهم رافعين سيوفهم حين الانتصار لإظهار شرايينهم الزرقاء لإثبات أنهم من ذوي الأصول النبيلة.

إلا أن العلم يخالف تلك النظرة ويعارض ذلك المفهوم، فالدم الأزرق ليس إلا دماً فاسداً مصاباً صاحبه بالأنيميا المنجلية، التي ينجم عن الإصابة بها تراجع في إنتاج نخاع العظم لكريات الدم الحمراء التي تحمل الغذاء والأكسجين إلى الجسم ما يسبب سحنة زرقاء بسبب انخفاض نسبة الأكسجين في الدم.

وحيث إن الحال كذلك، وهو كذلك، فإنه لا يمكن إن توجد طبقة دماء زرقاء في مجتمعنا، حتى لو حاولت تلك الطبقة أن تفرز نفسها، فإن بنية وتركيبة المجتمع النفطي الذي نعيش فيه سيجعلها محاولة فاشلة. وما يؤسف له، ونحن نلاحظ حالة الاحتقان في المجتمع، أن الادعاء بنبل الأصل، والرقي في النسب، والنظرة الدونية للآخر قد أصبح أمراً ملحوظاً ومقلقاً، بل إننا أصبحنا نراه مستخدماً على كل مستوى وبين الفئات الاجتماعية كافة، فإن لم تجد أحداً فنظرتك الدونية ممكنة للعمالة الوافدة الرثة.

وانطلاقا من أن الدم الأزرق هو دم فاسد بالأساس، وحيث إن التمايز الطبقي والعرقي والفئوي هو حقيقة اجتماعية، فإن تخفيف حدة تداعيات تلك المفاهيم لا يحدث من خلال ترديد الشعارات البراقة بالوطنية والولاء والانتماء، أو اطلاق الشعارات المضادة لها، بل بتعزيز المؤسسية والعدالة والمساواة في المجتمع، وإلا فإن الجميع هم من ذوي الدم الأزرق.. الفاسد للأسف. وتتحول تلك الشعارات إلى وقود لإشعال نيران الفرقة والشقاق وربما التكسب السياسي، ولا يستثنى من ذلك أحد.

ما أعلمه عن يقين أن الدماء التي سالت على هذه الأرض دفاعاً عنها، وصموداً بها أمام جحافل الغزاة، كانت دماء حمراء قانية طاهرة، لم تكن زرقاء ولا بيضاء ولا خضراء ولا حتى بنفسجية.