Ad

هناك إيجابية مهمة من استجواب الصبيح يجب أن ينتبه إليها رئيس مجلس الوزراء وهي أن الالتفاف الشعبي حول نورية الصبيح مثال واضح على بساطة المتطلبات الشعبية وسهولة تلبيتها، فكل ما نطلبه هو القوي الأمين!

«أنا قشرة» (بمعنى عنيفة أو غير سهلة حسب الاستخدام) كان من أحلى اعترافات المربية الفاضلة نورية الصبيح في جلسة الاستجواب. وتعريفها لهذه «القشارة» أنها لا تهمل أي شكوى أو اقتراح ولا توقع شيئاً إلا بعد قراءته ولا تتخذ قراراً إلا بتشكيل فرق عمل لجمع المعلومات ودعم القرار. وبهذا «العيب» الذي تحمله نورية حققت نجاحاً تاريخياً لرضا عملائها المتمثلين في طلابها وأولياء أمورهم وموظفيها الذين وقفوا معها وقفة لم يحلم بها وزير كويتي من قبل. وبهذا العيب عرّت «القشرة» أنصاف الرجال وسطحية ونفاق وتخلف خصومها. فبمناسبة رأس السنة الهجرية نسأل الله أن يزيد من هذا النوع من القشارة ويكثر من أمثال نورية.

ورغم عدم ظهور تأكيدات واضحة للتصويت على طرح الثقة، فإن نورية نجحت في مهمتها وسقطت ورقة التوت الأخيرة عن نواب الأمة. فمحاور الاستجواب كشفت مشاكل عميقة في عقلية القوى السياسية بشكل عام والمستجوب بشكل خاص نقدم هنا بعضها:

أولاً: ضعف الإعداد والتركيز على الزخم الإعلامي والحشد الفئوي بدلاً من البحث والارتكاز على المعلومة. فجاءت المعلومات مكررة وناقصة وخاطئة. كما عكست النقاشات ضعف الوعي السياسي من حيث فهم المسؤوليات والأدوار المتوقعة من أجهزة الدولة المختلفة.

ثانياً: التخلف الاجتماعي الذي بدا واضحاً منذ اليوم الذي دخلت فيه نورية المجلس لأداء قسمها وتجلى باختيار صالح عاشور للآية الكريمة «وقرن في بيوتكن» كمدخل لعرض أفكاره. إذ لا يختلف اثنان أن حدة الحملة على الوزيرة تنبع من كونها امرأة وغير محجبة وليس لها علاقة بأدائها أو انجازاتها. وهذه الحقيقة المُرة بحد ذاتها مرعبة، إذ تذكرنا أن تلك العقلية هي المسؤولة عن التشريع لحياة النساء في الكويت.

ثالثاً: قصور الفهم للعملية التربوية والتعليمية... وهذا في رأيي أخطر ما كشفه هذا الاستجواب. فحين تتهم طفلة في الحادية عشرة من عمرها بالانتماء لعبدة الشيطان وتُحرم من التعليم فهذا انتهاك صارخ لحقوقها العالمية كطفلة ولحقوقها الدستورية كمواطنة كويتية. والأهم أنه تخلف واضح في فهم دورنا كمؤسسات في «تربية» هذه الطفلة وتقويمها. وبدلاً من أن يعترض النواب المحترمون على هضم حقها في التعليم والتربية يعترضون على إعادتها إلى المدرسة ومحاولة تقويمها بمناورة سياسية مفضوحة وسطحية فضّل بها هؤلاء مصالحهم الانتخابية على مستقبل طفلة. ويمكن بناء الاستنتاج نفسه على بقية الأسئلة التي تتهم طلبة المدارس والجامعات الخاصة بالفسق والفجور لمشاركتهم في أنشطة تحت إشراف مدرسيهم وبموافقة أولياء أمورهم.

رابعاً: الانتهازية السياسية التي اتضحت في تأجيل بعض القوى السياسية إعلان موقفها من الاستجواب إلى أن تتضح «شعبيته» والمكاسب السياسية الممكنة. فمن الواضح أن «حدس»، مثلاً، قد أخرت إعلان موقفها من التصويت رغم الحقائق حتى تحقق أكبر عائد من المفاوضات والمساومات مع الحكومة من دون النظر إلى مسألة المبدأ أو القيم أو الصالح العام.

ورغم السلبيات فإن الايجابيات مشجعة. فمواقف السادة فيصل المسلم وعادل الصرعاوي تبعث بالأمل وتأتي لتؤكد أن التدين والتأسلم قضيتان منفصلتان. وأن المؤمن الصحيح هو مَن يقف مع الحق وإن كان على حساب مصالحه الشخصية الآنية لأن المبدأ أهم. والإيجابية الأهم التي يجب أن ينتبه إليها رئيس مجلس الوزراء أن الالتفاف الشعبي حول نورية الصبيح مثال واضح على بساطة المتطلبات الشعبية وسهولة تلبيتها. فكل ما نطلبه هو القوي الأمين! أي المزيد من الوزراء مثل نورية؛ عدلت.. فأمنت.. فتألقت!!