في المقال السابق أوضحنا أن الانتخابات الفرعية هي ظاهرة عامة في الكويت وليست حكراً على القبائل أو على الدائرتين الرابعة والخامسة رغم كونها الأكثر بروزا فيهما، وأكدنا رفضنا هذه الانتخابات بجميع أشكالها كونها أداة غير ديموقراطية. في هذا المقال سنحاول الإجابة عن السؤال المتعلق بالدوافع والأسباب والظروف الموضوعية التي أدت إلى بروز الانتخابات الفرعية، حتى نتمكن من تحديد كيفية القضاء نهائيا على هذه الانتخابات غير الديموقراطية.

Ad

في اعتقادنا أن الانتخابات الفرعية ما هي إلا نتيجة طبيعية لسياسيات عامة سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية خاطئة سببها الرئيسي توقف مشروع بناء الدولة المدنية الديموقراطية العصرية التي تكون المواطنة الدستورية فيها هي الأساس، والاستعاضة عنه بمشروع الدولة الدينية الذي سوقت له التيارات الدينية خصوصا الإخوان المسلمين. وما نشاهده اليوم من مشاكل عامة أحدها الانتخابات الفرعية ما هو إلا نتائج طبيعية لفشل المشروع غير الديموقراطي الذي أوقف بناء الكويت الديموقراطية المعاصرة. وكانت الانتخابات الفرعية نتيجة للتالي:

1 - غياب سياسة الاندماج الاجتماعي بين جميع مكونات المجتمع الكويتي، فلم يتم تعزيز مبدأ المواطنة الدستورية حيث يتساوى جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، مما أدى إلى إحساس بعض الفئات، خصوصا أبناء الطائفة الشيعية وأبناء القبائل، بالتهميش والإقصاء والظلم الاجتماعي نتيجة لضعف دور الدولة في فرض سيادة القانون وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، مما جعلهم يلجؤون إلى الطائفة والقبيلة للبحث عمّن يحميهم ويحافظ على حقوقهم من الضياع. لذا بدأت الطائفة والقبيلة عند بعضهم يأخذان شيئاً فشيئاً دور الدولة.

2 - تقسيم أو بالأحرى تفتيت الدوائر الانتخابية إلى خمس وعشرين دائرة صغيرة مما سهل من عملية استخدام القبيلة أو الطائفة أو العائلة كجسر للوصول إلى مجلس الأمة، حيث نلاحظ بروز الانتخابات الفرعية منذ بداية العمل في النظام الانتخابي الخمس والعشريني الذي طبق في انتخابات 1981. يضاف إلى ذلك تدخل أطراف نافذة من الحكومة ومن خارجها في دعم بعض من يشاركون في الانتخابات الفرعية. وكان من المفروض أن يتم تطوير النظام الانتخابي ليتلاءم مع الوضع الاجتماعي والسياسي المحلي، فقد يكون من المناسب للتركيبة الاجتماعية الثقافية للكويت العمل مثلا بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة والقائمة النسبية على أن تتم الانتخابات على مراحل كما هو معمول به في الكثير من دول العالم.

3 - قيام السلطة بعد الانقلاب الأول على الدستور في العام 1976 وحل نادي الاستقلال بالتضييق على القوى الوطنية والديموقراطية والتحالف السياسي مع الإخوان المسلمين، مما أدى إلى إفساح المجال واسعاً للانتشار الجماهيري أمام التيارات السياسية الدينية. لذا لم تتطور الوسائل والأساليب الديموقراطية ولم تتكون ثقافة ديموقراطية عامة تنميها أحزاب سياسية ديموقراطية، بل طغت الثقافة السطحية وانتشرت الانتخابات الفرعية كإحدى الوسائل التي استخدمتها التيارات الدينية في كل القطاعات السياسية والمهنية للوصول إلى مراكز القرار بعد أن شجعتها ورعتها وشاركت فيها. ويكفي أن نستعرض أسماء أعضاء الإخوان المسلمين والسلف والمناصرين لهم في مجالس الأمة منذ العام 1981 لنعرف كم كانت الانتخابات الفرعية القبلية هي إحدى روافدهم الأساسية. أو فلنستعرض بدلا من ذلك أسماء المشاركين في الانتخابات الفرعية التي يجري الإعداد لها هذه الأيام في جميع الدوائر الانتخابية، أو حتى أسماء المرشحين الذين شاركوا في التظاهرة الأخيرة أمام مبنى المباحث الجنائية لنعرف مدى دقة هذا الكلام. ولا أستثني هنا التيارات الدينية الشيعية فقد نشطت أيضا ضمن محيطها الطائفي.

4 - تساهل الحكومة في تطبيق قانون منع الانتخابات الفرعية العرقية والطائفية، حيث إنها لم تقم بتطبيقه منذ إقراره في العام 1998 وقد جرت ثلاثة انتخابات لمجلس الأمة واثنان للمجلس البلدي. ليس ذلك فحسب، بل إن الحكومة كانت تمتنع عن رفع الحصانة عن الأعضاء المشاركين في الفرعيات، ويشارك كبار ضباطها في الانتخابات الفرعية القبلية. ليس ذلك فحسب بل يتم توزير بعض الناجحين في الانتخابات الفرعية القبلية والطائفية، وكان آخرهم وزير التجارة الحالي، ألا يعتبر هذا تشجيعا لهم على إقامتها؟ ثم فجأة تستنفر وزارة الداخلية قواها لتطبيق القانون بشكل لا يخلو من المبالغة والتسرع والانتقائية (لم يطبق القانون حتى الآن على الانتخابات الفرعية غير القبلية).

إذن الانتخابات الفرعية ما هي إلا إحدى نتائج السياسات العامة الخاطئة المترتبة على توقف بناء الدولة المدنية الديموقراطية المعاصرة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات وتكون المواطنة الدستورية ركيزتها الأساسية.