Ad

برغم الإعلان عن احتواء المشكلة بشكل سريع، فإن تأثيرات وأبعاد وأصداء هذا الخلاف الحاد والمعلن قد توثقت في قاموس الممارسة السياسية، وتحولت إلى مرجعية تاريخية من المؤكد تكرارها مستقبلاً، وما يرجح تكرار المواجهة بين رئيسي المجلس والحكومة، وربما بشكل أشرس، هو تسجيل هذه السابقة في عهد رئيس مجلس الأمة وشخصية جاسم الخرافي الذي يتمتع بعلاقات تاريخية حميمة مع السلطة التنفيذية!

ما إن بدت بوادر الانفراج في الأزمة السياسية الناجمة عن التدوير الوزاري تلوح في الأفق بعد اعلان الوزير بدر الحميضي عزمه على الاستقالة، حتى دوَّت أزمة جديدة من العيار الثقيل سجلت سابقة أخرى في مسيرة العراك السياسي المستمر منذ عامين وببطلين جديدين هما رئيس السلطة التشريعية ورئيس السلطة التنفيذية.

وإذا كانت أزمة تدوير المالية السابق قد انحصرت في بُعدها الفني بين عضوين من مجلسي الأمة والوزراء يمثلان طرفي استجواب تم الالتفاف عليه، وعلى الرغم من المدلولات السياسية والدستورية السلبية التي حملتها هذه السابقة الخطيرة، فإن الأزمة الجديدة التي بدأت شرارتها بحرب إعلامية علنية بين قطبي السلطتين الدستوريتين سوف تنعكس تداعياتها ليس على مستوى العلاقة بين المجلس والحكومة المتأزمة أصلاً، ولكن على صعيد المسار السياسي المستقبلي في الكويت.

وبرغم الإعلان عن احتواء المشكلة بشكل سريع، فإن تأثيرات وأبعاد وأصداء هذا الخلاف الحاد والمعلن قد توثقت في قاموس الممارسة السياسية، وتحولت إلى مرجعية تاريخية من المؤكد تكرارها مستقبلاً، وأن ما يرجح تكرار المواجهة بين رئيسي المجلس والحكومة، وربما بشكل أشرس، هو تسجيل هذه السابقة في عهد رئيس مجلس الأمة وشخصية جاسم الخرافي الذي يتمتع بعلاقات تاريخية حميمة مع السلطة التنفيذية!!

ومهما كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في التصعيد الإعلامي الأخير أو دوافعه وأسبابه، إلا أن ذلك شق طريقاً جديداً في طبيعة العلاقة بين السلطتين، حيث ارتفع السقف السياسي في خطاب رئاسة المجلس، وقطع خطاً أحمر تمثل في النقد الصريح والمباشر والعلني لرئيس مجلس الوزراء أمام صاحب السمو الأمير، وفي باكورة اللقاء الرسمي بين السلطتين، وتبعه اتهام رئيس الوزراء بالفشل سياسياً في وسائل الإعلام.

وفي مقابل ذلك أثار بيان سمو رئيس مجلس الوزراء، وبلغة هجومية مباشرة، جملة من القضايا الخطيرة تحمل اتهامات مباشرة لتجاوز رئيس المجلس حدوده الدستورية واستغلال سلطاته السياسية لفرض وزراء على رئيس الحكومة في انتهاك واضح لمبدأ الفصل بين السلطات، وبالتبعية العمل على عرقلة مسيرة السلطة التنفيذية.

لذلك، ومهما كانت محاولات تلطيف الأجواء، فإنه ينبغي الاستفادة من هذه الأزمة وأخذ أبعادها على محمل الجد في إطار العمل السياسي المؤسسي مستقبلاً، والمسؤولية هنا تقع بشكل أكبر على رئيس الوزراء، حيث إن تشكيلة مجلس الأمة عادة ما تكون في رحم صناديق الاقتراع ولا يمكن توجيه مخرجات الانتخابات بتنوعها وتناقضاتها الطبيعية.

وإذا كان الرهان حتى على شخصية وتوجهات أي رئيس لمجلس الأمة غير مضمون سياسياً، فلا مناص من ضرورة اختيار أي رئيس لمجلس الوزراء حكومة متجانسة ونابعة من دراسة متطلبات المرحلة وقادرة على تسويق نفسها سياسياً داخل البرلمان وأمام الشارع الكويتي، وأن يكون هو المسؤول الأول عن استقرارها وتماسكها وثباتها بعيداً عن الصفقات المؤقتة والترضيات التي لم يعد لها أي سقف من الطمع والطموح.