بدون حماية
ما يخيف في تصريحات الأستاذ عبد العزيز العدساني هو الإيحاء المباشر والمبطن بأن «جزاء» التجنيس هو موالاة «الحكومة»! إذ يعترض على وقوف بعض المجنسين ضد الحكومة ورفعهم لقضايا حقوق الإنسان في المحافل الدولية ويعتبر ذلك دليلاً على فشل سياسة التجنيس.
لا يختلف اثنان على إنجازات الأستاذ عبدالعزيز العدساني ووطنيته وخدماته الجليلة للكويت على الصُعد كافة. ولكن رغم إيماننا بحسن نواياه، فإننا نعتب عليه لتصريحاته المتعددة فيما يخص قضية حساسة جداً ألا وهي قضية البدون في الكويت. فرغم تأكيده «أنا لا أقول إن البدون جميعهم لا يستحقون الجنسية، وبالتالي أنا لا أحمل على البدون كما يشاع، أنا أقول قلة قليلة هي التي تستحق» كما صرح مؤخرا لـ«القبس» في 13 يناير 2008، فإن تصريحاته ومواقفه الأخرى تقع ضمن خانة التعميم والتعصب غير المبرر مما دفع بمجموعة غير صغيرة من البدون لمقاضاته رداً للاعتبار.يؤكد العدساني في أكثر من تصريح أن حل مشكلة البدون لا يجب أن يؤخذ من منظور إنساني بحت، وأنه يجب النظر في الجانب الأمني وتبعات التجنيس المادية والاجتماعية. وهذا أمر لا يختلف عليه أحد حتى البدون أو الراغبون في الجنسية الكويتية، وهو معمول به في بقاع العالم كلها. المشكلة- في رأييّ- تتمثل في المبالغة إلى درجة الريبة المرضية في تقييم الخطر الأمني على حساب المنطق والواقع والأرقام. فعلى سبيل المثال، صرح العدساني لـ«القبس» بأن «الغزو العراقي كشف الخلل الأمني الذي ساهم فيه كثير من أبناء البدون وبعض المجنسين»، مؤكدا أن «التجنيس أضر الكويت ولم ينفعها». ونتساءل هنا هل البدون والمتجنسون هم من سلموا البلد إلى العراقيين في أقل من 4 ساعات؟ هل هم من سلم السلاح واتجه إلى الحدود فور اقتراب الخطر؟ هل أصبح البدون هم الشماعة التي نعلق عليها الغزو وسقوط البلد بفترة قياسية؟ هل تجنيس البدون هو سبب فشل سياسية التجنيس أم عدم وجود سياسة ومقاييس، كما اتضح في قائمة المجنسين أخيراً؟نعم، كان هناك من يخفي جنسيته ليحصل على الجنسية الكويتية، نعم هناك من البدون والجنسيات الأخرى من تعاون من الجيش العراقي، ونعم هناك من البدون من شارك في أعمال إرهابية داخل الكويت. ولكن هل وصلت النسب إلى أن يكون «%50 منهم متعاونين مع السلطات العراقية والجيش الشعبي، و%85 من الـ 120 ألفا جنسياتهم معروفة»، كما صرح العدساني بجريدة «الوطن» في 20 ديسمبر 2007؟ من أين أتت هذه الأرقام؟ وعلى أي أساس؟ ولمَ التعميم؟ هل اقتصر الإرهاب على المتجنسين والبدون؟ ماذا عن العشرات الذين اعتقلوا في الكويت من حملة الجنسية الأولى بتهم التخريب والإرهاب؟ ماذا عن هؤلاء الذين يحاربون الآن مع «القاعدة» في العراق وباكستان؟ أليسوا كويتيين؟ من سيدفع ضريبتهم؟ ما هو دورنا كدولة وكمؤسسات في تعزيز الخيانة والإرهاب؟ إن كان البدون بهذا السوء فلِمَ يتم تجنيدهم بالجيش والشرطة؟بالمقابل، وإذا افترضنا صحة أرقام العدساني، فإن %50 لم يتعاونوا مع الغزاة- بل العكس، ومن تجربة شخصية، أعلم أن الكثير منهم ساهم في المقاومة مع الصامدين والمئات اعتقلوا واستشهدوا وأسروا والعشرات مازالوا في عداد المفقودين. وإذا افترضنا صحة أرقام العدساني أيضا فعلى الأقل %25 منهم لا يملك جنسية أخرى، فما هو دوره وواجبه تجاه هؤلاء الذين- حسب أرقامه- لا يقلون عن 30 ألف رب أسرة! ألا يعتقد الأستاذ العدساني أن الحل الإنساني والقانوني والعاقل لهؤلاء الـ 30 ألف أسرة سيمهد الطريق للقضاء على ظاهرة البدون؟ أليس البناء والعلاج أفضل من الهدم والبتر؟ما يخيف أيضا في تصريحات الأستاذ العدساني هو الإيحاء المباشر والمبطن بأن «جزاء» التجنيس هو موالاة «الحكومة»! إذ يعترض على وقوف بعض المجنسين ضد الحكومة ورفعهم لقضايا حقوق الإنسان في المحافل الدولية ويعتبر ذلك دليلاً على فشل سياسة التجنيس. إذ يبدو أن مقياس المواطنة هو الولاء للحكومة وليس الوطن ... فـ«كأسك يا وطن».