قال جملته بصوت هادئ مشرّب ببحته :
«ستكون محظوظاً لو خرجت من الدنيا بصديقين حميمين «. وقتذاك كنت في الجامعة، وكان والدي يرحمه الله قد ناهز الثمانين. كنت أسرح وأمرح مع جوقة كبيرة من الأصدقاء فاعترضت على جملته. قلت ناظراً إليه والاستغراب يغشى صوتي: «صديقين اثنين ؟!» ظل بهدوئه واطمئنان نظرته. أعاد عليَّ: «صديقٌ أخٌ ناصحٌ حافظٌ أنيسٌ يهبّ لنجدة قلبك». إنتقل والدي إلى رحمة الله، ودارت الدنيا دورتها، وها أنا أقول: «الصداقة عمر آخر يضاف إلى أعمارنا». لذا فإنني أذهب إلى أي ندوة أو مهرجان محملاً بحلم لقاء الأصدقاء القدامى، والتعرف إلى أصدقاء جدد. لعلّ فرصة التعرف إلى الآخر ومد جسور الوصل الإنساني والثقافي معه من أهم المكتسبات التي يحققها أي مهرجان أو ندوة، خاصة أن القراءة لروائي أو قاص أو صحافي شيء ولقاءه شيء آخر مختلف تماماً. قد يؤكد اللقاء العلاقة وقد يُنهيها. انعقد ملتقى الشارقة الثاني للقصة خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو تحت عنوان «القصة الخليجية النسوية الجديدة»، في إطار تعاون بين دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة ورابطة أديبات الإمارات واتحاد كتاب وأدباء الإمارات مما وفّر لي فرصة لقاء أصدقاء أعزاء لم ألتق بهم منذ مدة، وأتاح لي فرصة طيبة للتعرف إلى أصدقاء جدد: بدرية البشر وهدى النعيمي ومجموعة من الكاتبات الخليجيات الشابات: نورة فرج، هدى الجهوري وعايشة عبدالله. فضلاً عن المبدع والمترجم كامل يوسف حسين الذي قصدت مكتبه في جريدة «البيان» متشوقاً للقائه والحديث إليه. الشارقة كعادتي بها تحفل بنشاطها الأدبي والفني المتنوع، فلقد امتدت أعمال الملتقى لثلاثة أيام بجلسات صباحية ومسائية تضمنت قراءات قصصية شبابية وشهادات إبداعية ودراسات نقدية للتجارب النسوية في عالم كتابة القصة القصيرة تشخّص أهم العناصر التي تشكل ملامح التجربة الخليجية. إن ملتقى القصة، بالنظر إلى الظرف الاجتماعي الرجولي القاسي والقامع في منطقة الخليج، أكد لي أن حمل المرأة الكاتبة أثقل من حمل زميلها الرجل، وأن اشتغالها بالهم الإبداعي يلزمها بدفع فاتورة عالية الثمن على حساب وقتها وحياتها الأسرية والاجتماعية. على أن جميع قصص الملتقى كانت مشغولة بهم المرأة ومعاناتها، راسمة طريق خلاصها أو يأسها، وكأن المرأة المبدعة هي صوت نساء مجتمعها إن لم يكن صوت نساء العالم.
توابل - ثقافات
ملتقى الشارقة فسحة تعارف
25-06-2007