Ad

لاحظنا في الآونة الأخيرة أن العملية الديموقراطية لدينا تحولت من عمل سياسي بحت، إلى عمل تجاري خالص، وهو ما يفسر اندفاع كثير من رجال أعمال وأصحاب ملايين، أغلبهم لا يعرف الفرق بين «الكوتا» و«الكوسا» لخوض الانتخابات والاستماتة في محاولة الوصول إلى الكرسي الأخضر بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة.

مع كل عملية انتخابية يكثر الحديث عن المال السياسي وتدخل السلطة في دعم هذا المرشح أو العمل على إسقاط ذاك، وهو وضع طبيعي ومنطقي لنظرة التوجس والريبة «الدائمة» من قبل النظام لإفرازات الديموقراطية، وهي بالمناسبة حالة عربية وليست حصراً على الكويت.

كثيرون يعتقدون أن المال السياسي وتأثيره في الانتخابات، عملة لها وجهان؛ الأول، الدعم المادي المباشر للمرشح «الحكومي» المنافس على مقاعد الدائرة، والثاني المساعدة في، أو على الأقل التغاضي عن، شراء الأصوات لمصلحة بعض المرشحين.

في السابق كانت بعض الأطراف تستطيع التأثير في العملية الانتخابية عبر الكثير من الأدوات على رأسها ورقة الخدمات والمعاملات أثناء الحملات الانتخابية لدعم مرشحيها المحسوبين عليها، ولعل «العلاج في الخارج» كان أحد الشواهد على ذلك بعد أن تحولت صحة المواطن الكويتي إلى سوق «نخاسة سياسية» في انتخابات عام 2006 على حد وصف طيب الذكر وليد الجري في برنامج 6/6 قبل أشهر.

إلا أن المتابعة النيابية عبر لجان التحقيق، أو من خلال الحديث عن التدخلات الحكومية في الانتخابات، والتي أثارها بين فترة وأخرى نواب المجلس السابق، «فرملت» الجنوح الحكومي نحو التدخل «الملموس» والمباشر في التأثير على قناعات الناخبين، ليبقى المال السياسي واستخداماته، السبيل الوحيد لمن أراد التدخل في العملية الانتخابية لأسباب عدة يأتي على رأسها صعوبة إيجاد مستمسكات قانونية وأدلة دامغة على مثل هذا الأمر رغم معرفة الجميع به، كون الدائرة هنا تضيق بين المرشح و«الدافع» مما يضمن السرية، بعكس ورقة الخدمات التي يكون الناخب طرفاً فيها وبالتالي يمكن اكتشافها.

ولا يمثل الدفع والبذل المادي المباشر لدعم مرشح ما للوصول إلى البرلمان اختزالاً لتأثير المال السياسي في الانتخابات، فاسقاط مرشح معارض من الوصول لقاعة عبدالله السالم عبر الإيعاز لمرشح آخر لا يمكن أن ينجح في الحصول على ثقة الناخبين، لكن نزوله قد يشق قاعدة ذلك المرشح المعارض ويحجب الكثير من الأصوات عنه، هو في الواقع أحد تأثيرات المال السياسي بعد أن تتحمل أطراف ما تكاليف حملته الانتخابية جميعها، وهناك أمثلة كثيرة في الدوائر الخمس جميعها، أو كما كان في نظام الخمس والعشرين السابق، فكم من مرشح يعرفه أبناء دائرته، لا يملك سوى راتبه الوظيفي ويفاجؤون بنزوله المعترك الانتخابي وبحملة إعلانية قد تكلفه مئات الآلاف من الدنانير.

على كل، لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن العملية الديموقراطية لدينا تحولت من عمل سياسي بحت، إلى عمل تجاري خالص، وهو ما يفسر اندفاع كثير من رجال أعمال وأصحاب ملايين، أغلبهم لا يعرف الفرق بين «الكوتا» و«الكوسا» لخوض الانتخابات والاستماتة في محاولة الوصول إلى الكرسي الأخضر بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، بعد إدراكهم أن زيادة الأرصدة وتوالد الملايين يتم في قاعة عبدالله السالم وليس سوق الكويت للأوراق المالية، لأن الزمن لم يعد زمن الساسة والفكر، بل زمن المليون والمليار.