تشير الإحصاءات إلى أن طفلاً من كل أربعة أطفال في المملكة العربية السعودية قد تعرض بصورة أو بأخرى إلى التحرش الجنسي، فأين الكويت من هذه الظاهرة؟ وهل سندعي أننا نخلو من هذا المرض كما نخلو من كل عيوب العالم الأخرى؟تعد ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال من أقدم المشاكل الاجتماعية وأكبرها، لكنها الأقل بحثاً ونقاشاً في الوطن العربي، ودرجات الوعي والاعتراف بهذه الظاهرة وبحجمها تتباين من دولة إلى أخرى في هذه الثقافة المحافظة والمنغلقة على نفسها. فالسائد هو تحاشي التعرض الى المشاكل الاجتماعية بشكل عام والمشاكل ذات الصبغة الجنسية بشكل خاص. وكأن هذه المشاكل ستختفي لو تجاهلناها، أو كأنما المظهر البراق والصحي أهم من الباطن الذي تنخره الآفات.
ولكن الدراسات البسيطة المتوافرة في ظل هذا التعامي والإنكار تعطي مؤشرات خطيرة لامتداد هذه الممارسات المريضة وبشاعتها ضد الأطفال، ففي دراسة أعدها الدكتور علي الزهراني الحاصل على درجة الدكتواره في «سوء معاملة الأطفال والمراهقين» تشير الإحصاءات إلى أن طفلاً من كل أربعة اطفال في المملكة العربية السعودية قد تعرض بصورة أو بأخرى إلى التحرش الجنسي، والنسبة الدقيقة هي %22.7، كما تشير الدراسة نفسها إلى أن %62.1 رفضوا الإفصاح عن الأشخاص الذين اعتدوا عليهم نظراً إلى حساسية العلاقة التي تربطهم بهؤلاء الأشخاص. وهي نسب تؤكدها دراسات وأبحاث مشابهة قام بها باحثون وباحثات في المملكة مثل الدكتورة وفاء محمود عبدالله الاستاذ المساعد في جامعة الملك سعود بكلية التربية وقسم علم النفس والباحثة السعودية ناهد باشطح وكثير من الباحثين.
ونسبة الأطفال المعرضة الى التحرش تزيد أو تقل بقليل في الدول العربية الأخرى التي أخذت تبحث الظاهرة مثل مصر ولبنان والأردن والسودان وتونس. ويتوقع أن تكون النسب متقاربة في دول الخليج العربي من تلك التي وصلت اليها الدراسات السعودية وذلك للتقارب الثقافي والحضاري، فتخيل عزيزي القارئ فداحة هذه الأرقام التي تعني ببساطة انه لو كان لك 4 أولاد فإن أحدهم مرشح بشكل قوي لأن يكون الضحية القادمة لتحرش انسان مريض من حوله.
ومن الأنماط المشتركة في الدراسات المعلنة أن نسب اعتداء الأقارب على الذكور أعلى نسبياً منها على الإناث، كما تشكل النسبة الأعلى للمعتدين «60 إلى %80» من أقارب الدرجة الأولى (الأبوين والإخوة) ثم أقارب الدرجة الثانية، فالخدم والعمالة المنزلية. ويشكل الغرباء نسبة ضئيلة لا تزيد على %3. ونظراً إلى قلة الدراسات العربية والتفاوت في درجات الدقة والأمانة العلمية في البحث فمن الصعب أن نبني استنتاجات قاطعة بناء على البيانات المتوافرة. ولكن عند مقارنة نتائج الدراسات العربية بمثلها في الغرب نجد أنماطاً مشتركة. فالتحرش في الأغلب يأتي على يد الأقارب، وثقة الطفل بالقريب تجعله فريسة أسهل كما تشكك الطفل في مدى صحة الفعل. فمن الصعب على طفل صغير أن يقاوم أباه مثلا أو أن يتقبل فكرة أن أحد والديه يقصد به الأذى، والنمط الآخر المشترك أن المعتدين في الأغلب هم ضحايا التحرش الجنسي في طفولتهم، مما يعني أن هذا المسلك المرضي «يورث» بشكل ما عبر الأجيال، إذ يستمر الأبناء في التحرش بأبنائهم انتقاما لأنفسهم قبل أن يكون ذلك لإرضاء شهوات مريضة.
السؤال هنا: أين الكويت من هذه الظاهرة؟ هل سندعي أننا نخلو من هذا المرض كما نخلو من كل عيوب العالم الأخرى؟ ومن يقف مع أطفالنا؟ ومن يدافع عنهم؟ وأين البحث الأكاديمي الاجتماعي والنفسي؟ ومن سيعيد إلى الأطفال الضحايا الذين يعج بهم مجتمعنا طفولتهم وبراءتهم؟