سلامٌ حزينٌ أيها المبدعون!
لولادة القصيدة مخاضٌ ووجعٌ لا يعرفه إلا من سار على جمر كتابتها، ولكتابة القصة القصيرة نفسٌ راعف لا يعرفه إلا من عبَّ ألم اللحظة، وكذا للرواية والمسرح واللوحة والفن. ومن هنا فإن كتابة القصيدة والقصة والرواية والمسرحية ورسم اللوحة التشكيلية جهد يتصل بالوعي والموهبة والممارسة، بقدر اتصاله بالموقف من قضايا الحياة بعامة، والحياة الثقافية بخاصة. وما أكثر النماذج البشرية المبدعة التي اتحدت مع ما تكتب، مضحية بالغالي والنفيس في سبيل تلك المهمة المقدسة، ومتحملة كل النتائج المترتبة على ذلك، حتى لو كان الاعتقال أو التعذيب أو الموت.
إن المتتبع للأنشطة الثقافية والفنية التي شهدتها الساحة المحلية خلال الشهور الماضية، وما تناولته الصفحات الثقافية في الجرائد، يرى بوضوح ظاهرة عدم وجود ومشاركة المبدعين والمثقفين، بالإضافة إلى عزوف الجمهور العام؛ ولقد برر البعض ذلك بتخصص الأنشطة الثقافية والفنية، وبعدها عن الهم الثقافي العام، وانغماسها في هموم النخبة. وهناك من رأى تقصيراً في وسائل الإعلان عن هذه الأنشطة، وطرف ثالث ارتسمت على وجهه علامة استفهام ليس لغياب الجمهور العام، بل لانصراف الأدباء والمثقفين المعنيين أساساً بهذه الأنشطة، والأدباء الشباب تحديداً، الذين يمسهم موضوع النشاط بشكل مباشر. إن انصراف جمهور الثقافة العام المحلي، أمر قد يُفهم في سياق وضع اجتماعي محلي كويتي موزع ومتأثر بمجريات الحياة السياسية والاقتصادية، وهو من جهة أخرى جزء من سياق اجتماعي عربي مأزوم. كما أنه يجب التنبه إلى المعطيات الجديدة للعولمة، وانفجار ثورة المعلومات، والانتشار السرطاني للقنوات الفضائية، إضافة إلى مواقع الإنترنت، ووسائل الاتصال المتطورة، الأمر الذي ربما يصب في خانة الانشغال أو البعد عن حضور الأنشطة الثقافية. لكن هذا يبدو مختلفاً تماماً عن السبب وراء عدم حضور الجمهور الخاص المعني بالثقافة، من مبدعين وكتاب ومثقفين ومهتمين. فإذا كنا نجد العذر للجمهور العام، فإننا نقف موقف المتألم لحال القطيعة بين جيل الشباب والأنشطة الثقافية والفنية، ويتبادر إلى ذهننا التساؤل وليس المساءلة: أين هم المبدعون الشباب المعنيون بالأمر؟ إن انشغال جيل الشباب بلقاءاتهم ومجالسهم الأدبية الخاصة، وانغلاقهم على نحو لافت، يجعل قضية التواصل بين الأجيال أمراً صعب المنال، مثلما يؤثر في تواصل وتجربة كلا الطرفين، ويصيب المشهد الثقافي في مقتل. مع الأخذ بعين الاعتبار أن المبدع أو الكاتب أو المثقف هو ابن بيئته، وهو مشارك أساسي في صنع أحداثها، وأخيراً هو متأثر بها ومؤثر فيها. إن انصراف المبدعين الشباب عن الأنشطة الثقافية، يشكل ظاهرة خطيرة يجب الوقوف عندها، وتخصيص ندوة موسعة لها، ودراستها دراسة وافية، وتحليل الأسباب وراءها، ومن ثم التوصل إلى حلول قد تكون ناجعة في معالجتها. وهذا -مجتمِعاً- يجب أن ينجز بحضور الأدباء والمبدعين والمثقفين، وبالتعاون مع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية والصحافية، فلربما يكون ذلك مدخلاً لعلاج وضع ثقافي راهن يدعو إلى الحزن.