النائب الذي يدفع باتجاه التدوير لا أراه إلا واحداً من ثلاثة:إما نائباً لا يفهم معنى طرح الثقة ولم يسبق له أن قرأ نصوص الدستور أو اطلع على مذكرته التفسيرية، وإما نائباً لم يكن يرغب في استجواب الوزير أصلاً، وإما أنه نائب من «حدس»!
من يتابع ما يحدث ويتداول هذه الأيام على خلفية استجواب وزير النفط الشيخ علي الجراح لا يملك إلا أن يشعر بأن هناك تواطؤاً بين الحكومة وبعض النواب على تدمير الديموقراطية الكويتية والضرب بكل أساساتها عرض الحائط.
الدستور الكويتي، الذي هو دليل هذه الديموقراطية والأساس الذي قام عليه برلماننا وانتخاب نوابنا، يقول في مذكرته التفسيرية بوضوح لالبس فيه، إن تجريح الوزير، أو رئيس مجلس الوزراء بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون، كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام، حتى لو لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية الكبيرة اللازمة لإصدار قرار بعدم الثقة أو بعدم التعاون. ويضيف الدستور أن شعور الرجل السياسي الحديث بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية، وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح، قد حملا الوزير البرلماني على التعجيل بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة أو ممثليها!
هذه النصوص الدستورية الواضحة يتم اليوم تجاهلها والالتفاف عليها مع سبق الإصرار و «التقصّد»، فالشيخ علي الجراح، وقبل أن يصعد إلى منصة الاستجواب، ناله من التجريح ما ناله، وطاله الكثير من النقد، وبالرغم من ذلك كله فشعور الرجل بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية، وحسه المرهف من الناحية الأدبية، كما يقول الدستور، لم يحملاه على الاستقالة، ولم يجعلا رئيسه يوجهه لذلك! وبعدما صعد إلى المنصة وتعرض لذلك الاستجواب القاسي على مدى ثماني ساعات انتهت بتقديم عشرة نواب وخلفهم عشرة آخرون طلب طرح الثقة به، وتقاطر الكثير من النواب الآخرين لدعم هذا التوجه بعدها، نرى الحديث اليوم عن تدويره إلى وزارة أخرى، فهل هناك ضرب بالدستور عرض الحائط، واستخفاف بالإرادة الشعبية أكثر من هذا؟!
لكن المخزي أن من يرفع راية التسويق لهذه الفكرة البائسة عالياً هم بعض النواب، في حين أنهم هم الذين يفترض فيهم أن يكونوا الأكثر حرصاً على مبادئ الدستور والأكثر احتراماً للإرادة الشعبية التي جاءت بهم إلى البرلمان!
أفهم أن تدفع الحكومة باتجاه التدوير، فقد تعودنا من حكومتنا على قصر النظر وسوء التخطيط، وعلى عدم احترام إرادة الأمة والانجراف لمعارك خاسرة بحثاً عن الانتصار لأشخاص على حساب الوطن والمبادئ الديموقراطية!
أما النائب الذي يدفع باتجاه التدوير فلا أراه إلا واحداً من ثلاثة: إما نائباً لا يفهم معنى طرح الثقة ولم يسبق له أن قرأ نصوص الدستور أو اطلع على مذكرته التفسيرية، وإما نائباً لم يكن يرغب في استجواب الوزير أصلاً، لكنه خوفاً من الاحتراق شعبياً لم يملك إلا تأييد طرح الثقة، واليوم عاد ليطلب الصفح من الحكومة من خلال المناداة بالتدوير، وإما أنه نائب من «حدس»!