الكل يتحدث هذه الأيام عن تحويل الكويت إلى مركز مالي وإنشاء ما يسمى بمدينة الحرير. ومن وقت لآخر يخرج علينا وزراء ونواب ليحدثونا عن أهمية التحول إلى مركز مالي، وكأن هذا التحول هو الذي سيحل مشاكلنا الاقتصادية وينقل الكويت من دولة مستهلكة الى منتجة.
وإذا كنا نتحدث جدياً عن تغيير جذري ونافع في الهيكل الاقتصادي، فيتعين علينا استحداث مشروع فريد في المنطقة يميزنا عن بقية الدول العربية في الخليج. لذا، فالتحول إلى مركز مالي لن يكون مشروعاً نافعاً على المدى الطويل لسببين؛ أولهما، أن هناك دولاً أخرى سبقتنا في تطبيق هذا النموذج مثل الإمارات، عن طريق مدينة دبي، وقطر التي بدأت في تقليد نموذج دبي منذ مدة، إذن ما الفائدة الكبيرة التي سنجنيها من تطبيق ثالث لهذا النموذج في المنطقة نفسها؟! والآخر أن هذا النموذج لن يكون حلاً لمرحلة ما بعد النفط، مهما بعُدت هذه المرحلة عنا، فهل سيعمل أغلب المواطنين محللا ماليا ومتخصصا في الاستثمار والعقار والتمويل؟! وهل سيكون هذا المركز المالي كفيلاً بتمويل خزائن الدولة بشكل كافٍ؟!قبل عام كنت في دورة تدريبية في اليابان وقمنا بزيارة للمصانع التي تزودنا بالمعدات الثقيلة التي نستخدمها في المصافي مثل التوربينات والمضخات وقطع غيارها، وسألت أحد المديرين في تلك المصانع عن مدى اهتمامهم بتصنيع هذه المعدات والقطع في الشرق الأوسط لأن أغلبية زبائنهم في هذه المنطقة، فأجابني بأنه متى توافرت ضمانات تمكنهم من الحفاظ على الجودة، فإن ذلك سيكون ممكناً.إذن فلماذا لا نقوم بدعوة مثل هذه الشركات لإقامة مراكز تصنيع لها في بلدنا وذلك بالشراكة مع الحكومة، ونضرب بذلك ثلاثة عصافير بحجر، فنستطيع بذلك أن نتحول إلى مركز صناعي بين دول الخليج العربية لإنتاج وتصدير منتجات مختلفة مثل؛ السيارات والمعدات الثقيلة وغيرها، كما نستطيع توظيف عدد كبير من المواطنين وتدريبهم على العمل الصناعي والاستفادة من آلاف المهندسين الكويتيين الذين تصرف الدولة على كل منهم عشرات الآلاف من الدنانير لتعليمهم، ليعمل أغلبهم بعد ذلك في وظائف إشرافية من دون تطبيق ما تعلموه من تصميمات وتطبيقات هندسية!والفائدة الثالثة، تتمثل في تغيير موقف المجتمع من الانخراط في الوظائف الفنية التي نادراً ما يعمل فيها المواطنون، ولا يفوتنا أيضا أن نذكّر بأن مثل هذه المشاريع سترفع من الناتج القومي الإجمالي للدولة لأن الإنتاج سيكون في داخل الكويت إضافة إلى تصديرنا تلك المنتجات إلى الدول المجاورة، لكن لكي نضمن نجاح هذه الفكرة، يجب أن تقدم الدولة حوافز لهذه الشركات كي تقيم شراكة معها، كأن يكون العقار على حساب الدولة وتقوم الحكومة بدعم كبير لمعاشات الكويتيين، وتشكل الشركات أغلبية أعضاء مجالس الإدارات حتى تضمن تحكمها بجودة الإنتاج.وهناك الكثير من الأفكار والطرق والشروط التي يجب وضعها لتطبيق مثل هذا النموذج، لكن لن نعول على حكومتنا بالنظر إلى مثل هذه المشاريع الاستراتيجية لأنها دائما مشغولة بالترقيع هنا وهناك، بل الأمل معقود على النواب ممن يتحملون مسؤولياتهم كأعضاء مجلس أمة وإن كثرت المشاكل الملقاة على عاتقهم.*****رضوخ الوزير الطويل لمطالب النائب الدكتور وليد الطبطبائي بإعفاء وكيل الوزارة من ترؤس لجنة الوظائف الإشرافية هو دعوة صريحة إلى النواب للتدخل في شؤون السلطة التنفيذية بمناسبة ومن دون مناسبة. ولن نستغرب أبداً أن يأتي أحد النواب ليقول لوزير: «شيل هالمدير والا استجوبك».وفي خبر آخر عن جريدة «الراي»، فوجئ رئيس الوزراء بمعلومات بشأن مقارنة رواتب العاملين بالنفط مع رواتب العاملين بالقطاع العام، هذا دليل آخر على أن هذه الحكومة لا تعرف طبيعة القرارات التي تتخذها والعواقب التي تترتب عليها.
مقالات
لنكن مركزاً صناعياً لا مالياً
06-12-2007