Ad

ما حصل بين لاريجاني وأحمدي نجاد، يشبه ما حصل بين حسن روحاني ولاريجاني، وغالباً ما يحصل مثل هذا «الطلاق» في إيران بين نهجين أو أكثر في التعامل مع الملفات المختلفة لاسيما في المحطات الحرجة، لكنه -نادراً- ما يكون «طلاقاً بائناً» أي لا عودة عنه إلا بالاستعانة بـ«المحلل»!

أيـاً كانت الأسباب التي دفعت بالسيد علي لاريجاني إلى الاستقالة من منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى إلا أن القدر المتيقن منها هو أن الرجل وصل في اختلافه في الرأي مع رئيسه التنفيذي المباشر، أي رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى وهو رئيس الجمهورية، إلى الحد الذي لم يعد بإمكانه الاستمرار في العمل معه في إدارة هذا الملف الشائك والحساس، وبالتالي القيام بالمهمة المنوط بها في هذا السياق، مما استوجب إعلان «الطلاق» بينهما! أي أن يقدم الأول استقالته المؤكدة هذه المرة بعد أن سبق أن قدمها ثم سحبها نزولاً عند رغبة الوسطاء من كبار القوم أكثر من مرة، ولم تنفع في «ردع» الثاني عن التشويش على أداء الأول المقتنع اقتناعاً كاملاً بصحة أدائه ونجاعته!

وأيّاً تكن التصريحات والتأويلات والتفسيرات التي خرجت من الداخل والخارج على هذا الحدث الذي وصل بالبعض إلى وصفه بالجلل أو الخطير! إلا أن العارفين ببواطن الأشياء وطريقة تعاطي القيادات الإيرانية مع بعضها البعض، وكذلك هيكلية صناعة القرار الإيراني وآليتها، يعرفون تماماً أن القضية لا تذهب إلى أبعد من «طلاق رجعي» أقدم عليه لاريجاني مع السلطة التنفيذية ويمكن العودة عنه في أي لحظة يشاء أو أن تعود الأمور بينه وبينها إلى طبيعتها في أي محطة مقبلة يقرر فيها أهل الحل والعقد «إعادة لمّ الشمل» بين الرجلين طبقاً لموازين مصلحة النظام العليا!

ليس المقصود هنا التخفيف من آثار مثل هذه الاختلافات ولا الاستخفاف باحتمالات تداعياتها الضارة على الداخل كما الخارج، وأنه كان من الأفضل ألا تحصل في هذه اللحظة بالذات، كما أعلن أكثر من مسؤول معني، لكنني هنا بصدد تسليط الضوء على ظاهرة إدارة الصراعات في النظام الإسلامي الحاكم في إيران، والتي لاتشبه إلا نفسها، فمن يقرر تحمل المسؤولية يحشد كل ما لديه من إمكانات ومعلومات وتحليلات وخبرات وأفراد وجماعات ومعاهد دراسات مؤيدة لوجهة نظره لإقناع الجميع بأنه يملك الآلية الأنجع والطريق الأصوب للوصول إلى الهدف المشترك المنشود، ثم «فرض» ذلك كمسار سائد في مطبخ صناعة القرار الأعلى على حساب منافسيه الذين هم بدورهم سيسلمون له مادام قد نجح في «خطف» الدور المنشود! لكن لا أحد يستسلم من منافسيه أو «يحرد» أو يولّي الأدبار أو يتجه إلى التآمر «العنفي» على من تمكن من إحراز الفوز والنجاح، بل يتجه ومنذ اليوم الثاني من انتهاء «المعركة» إلى إعلان الطاعة والقبول من جهة، لكنه يعود ليقف في الطابور من جديد حاشداً ما يملك من معلومات وخبرات وإمكانات ومعاهد دراسات تعمل معه أو تحليلات مفحمة ليضعها يومياً أمام «مجالس» صناع القرار ليعيد الكرّة في المنافسة لعله يستعيد زمام المبادرة أو يفشل مرة أخرى من دون أن يستسلم من معاودة الكرّة، وهكذا دواليك!

نعم غالباً ما يحصل مثل هذا «الطلاق» في إيران بين نهجين أو أكثر في التعامل مع الملفات المختلفة لاسيما في المحطات الحرجة، لكنه -نادراً- ما يكون «طلاقاً بائناً» أي لا عودة عنه إلا بالاستعانة بـ«المحلل»!

ما حصل بين لاريجاني وأحمدي نجاد، يشبه ما حصل بين حسن روحاني ولاريجاني من قبل في أواخر عهد الرئيس محمد خاتمي، وقد كان كلاهما ولايزالان ممثلين لمرشد الثورة في مجلس الأمن القومي الأعلى، كما يشبه ما حصل بين جماعة خاتمي وجماعة رفسنجاني في لحظة أوج صعود خاتمي، بينما تقف الجماعتان اليوم متعاونتين «على» أحمدي نجاد، وهو ما ينطبق على جماعة رئيس مجلس الشورى السابق -البرلمان- الشيخ مهدي كروبي، الذي ظهر «غاضباً» على الجميع على خلفية «اختطاف» الرئاسة من بين يديه، كما أعلن في حينها وظن البعض للحظة أنه سيخرج على النظام وأعد العدة اللازمة لذلك، لكن سرعان ما خاب أمله، وهو الشيء نفسه الذي ظنه البعض وهو يسمع الرئيس السابق رفسنجاني وعلى نفس خلفية كروبي بأنه «لم يبق لديه سوى الشكوى إلى الله»! لكنه سرعان ما تفاجأ أيضا، وها هو اليوم يتفاجأ أكثر وهو يرى رفسنجاني إياه على رأس أهم مجلس من مجالس صناعة القرار، ألا وهو مجلس خبراء القيادة بالإضافة إلى احتفاظه بمجلس تشخيص مصلحة النظام!

إنها دورة الحياة السياسية الإيرانية، التي «تمأسست» أفقياً وعمودياً بطريقة يصعب على أي كان مهما علا شأنه أن يتحكم بها منفرداً، وصارت تشبه الحياة اليومية الإيرانية التي اعتاد فيها المواطنون خلال ما يقارب الثلاثين سنة الماضية أن يقفوا في طوابير أو صفوف الحليب والخبز والبنزين أو ركوب الحافلات، بانتظار حقهم أو دورهم «سلمياً» مهما طال الانتظار، حتى إن اعتقد البعض لبعض الوقت أو لكله أن حقه أو دوره قد سلب ظلماً أو تعسفاً! ذلك لأنهم باتوا على قناعة شبه راسخة بأن كلفة الانتظار المنتظم والمنظم مع العزم والإصرار أقل بكثير من كلفة الغضب اللامتناهي المصحوب بالصخب أو الانفجار!

وكما يقول بعض «الخبثاء» من الطبقة السياسية الحالية في إيماءة لا تخلو من الظرافة المشوبة بالمناكفة مع أبناء جيله: «إن ثورة واحدة في العمر تكفي!».

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي- الإيراني