القيم والمبادئ الديموقراطية لا تُمنح ولا تُفرض بقرار حكومي أو برلماني إنما تأتي نتيجة لثقافة عامة سائدة في المجتمع بحيث تكون أحد مرتكزات التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية وتصبح جزءاً أساسياً من المناهج الدراسية في المراحل التعليمية جميعها وتنعكس في السلوك الفردي والجماعي على جميع المستويات الشخصي منها والعام.إن الديموقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل هي مجموعة من المبادئ والقيم والسلوك والثقافة العامة التي نعتقد أنها غير متوافرة فى الكويت لذلك لدينا مجلس أمة ولكن ليس لدينا ديموقراطية .
فمجلس الأمة هو أحد المؤسسات الديموقراطية التي تستطيع الأمة من خلاله أن تشرع وتراقب أعمال الحكومة، وحيث أن السيادة في النظام الديموقراطي هي للأمة مصدر السلطات جميعاً كما تنص على ذلك المادة (6) من الدستور، فإن وجود مجلس الأمة أو البرلمان، كمؤسسة ديموقراطية، هو الركيزة الأساسية للنظام الديموقراطي.
لكن هنالك، بالطبع، فرقاً شاسعاً بين وجود مجلس الأمة كمؤسسة ديموقراطية وبين ترسخ القيم الديموقراطية في المجتمع. فوجود مجلس الأمة ليس بالضرورة أن يترتب عليه انتشار القيم الديموقراطية والإيمان بها، كاحترام وصيانة الحريات الشخصية والعامة مثل حرية التعبير والتجمعات والحق في الوصول إلى المعلومات، واحترام الرأي والرأي الآخر، وسيادة القانون، وتكافؤ الفرص بين المواطنين، والعدالة والحرية والمساواة، خصوصاً إذا كان انتخاب أعضاء هذا المجلس لم يتم على أسس سياسية وديموقراطية سليمة، فتجد أن أغلب أعضائه لا يؤمنون بالمبادئ والقيم الديموقراطية، بل ويعملون في أحيان كثيرة على محاربتها.
من ناحية أخرى، فإن القيم والمبادئ الديموقراطية لا تُمنح ولا تُفرض بقرار حكومي أو برلماني إنما تأتي نتيجة لثقافة عامة سائدة في المجتمع بحيث تكون أحد مرتكزات التنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية وتصبح جزءاً أساسياً من المناهج الدراسية في المراحل التعليمية جميعها وتنعكس في السلوك الفردي والجماعي على جميع المستويات الشخصي منها والعام. فتلمسها من خلال تعامل الناس في البيت والشارع والعمل وفي الحياة العامة.
فالديموقراطية، كما الانتماء والولاء الوطني، ليست قصيدة نبطية أو زهيرية أو أغنية عاطفية أو حتى نصوص دستورية لا تطبق، بل هي ممارسة حياتية وسلوك بشري دائم في جوانب الحياة كلها بدءاً من الحياة الشخصية حتى الحياة العامة مروراً بالعلاقات الاجتماعية والسياسية بين الأفراد والجماعات.
لكن بالطبع فإن للمجلس وللحكومة دوراً أساسياً وجوهرياً في وجود وتجذر القيم الديموقراطية والعكس صحيح. فإذا التزم أعضاء المجلس والحكومة بالعمل بجميع مواد الدستور فإن ذلك سيسهم، بلا شك، في نشر المبادئ والقيم الديموقراطية والمحافظة عليها. ولكن من المؤسف القول إنه وبعد خمسة وأربعين عاماً على بداية الحياة الدستورية، فإن واقع الحال يبين عكس ذلك. كيف؟
الأمثلة كثيرة ولكن لنكتفي هنا بمثالين حديثين للتدليل على الدور السلبي لمجلس الأمة:
الأول: هو الضجة الكبيرة التي أثارها بعض أعضاء المجلس بخصوص مطالبة فئة البُهرة بإقامة مسجد لهم يؤدون فيه شعائرهم الدينية، مع أن المادة (35) من الدستور تنص على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمى الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافى الآداب»!!
أما الثاني: فهو تدخل أعضاء المجلس في الحياة الخاصة للأفراد، وآخرها ما يتم تداوله حالياً من أن عضو مجلس الأمة د.سعد الشريع مقدم الاستجواب الحالي لوزيرة التربية يخبئ مفاجآت ستعرض وقت مناقشة الاستجواب يُقال إنها تتضمن تصويراً لأشرطة فيديو تتناول مشاهد من الحياة الخاصة لبعض طلبة المدارس الخاصة!! فإن صح ذلك، فإنه يعتبر انتهاكاً صارخاً للمبادئ الدستورية والقيم الديموقراطية، وللمادة (30) من الدستور التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة «.
بعد هذا، هل لنا أن ندعي أن لدينا ديموقراطية لمجرد أن لدينا مجلس أمة، مع أهميته؟!