خرج علينا بعض السياسيين العرب أخيراً بجملة يردّدونها كلما تحدث أحد عن التدخل الخارجي في شؤون بلدانهم تقول: إن من ينتقد ذلك التدخل فهو يؤمن بنظرية المؤامرة! بداية ما معنى المؤامرة؟ هي الاعتداء أو الإيقاع بالخصم عن طريق التحايل أو الغدر أو باستخدام وسائل غير مشروعة... والسؤال هنا: هل القوى الخارجية بريئة من التآمر على العرب؟ للإجابة عن هذا السؤال نود أن نطرح بعض القضايا التى شهدت ذلك التآمر في تاريخنا الحديث والمعاصر:

Ad

الحدث الأول: في أثناء الحرب العالمية الأولى أعطت بريطانيا وعوداً للشريف حسين ملك الحجاز الذي كان يدّعي قيادة العرب بالاستقلال والاتحاد في المشرق العربي في مراسلات واتفاق حسين مكماهون، وبناء عليه قام بالثورة على الأتراك وتعاون مع الإنكليز 1916، وفي السنة نفسها اتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم الأقطار العربية بينهما في اتفاقية «سايكس بيكو» من وراء ظهر الشريف حسين وأبقتا عليها سرية حتى انكشف أمرها قبل نهاية الحرب، ألم يكن ذلك التصرف تآمراً على العرب؟!

الحدث الثاني: مع نهاية الحرب العالمية الأولى سقطت الدولة العثمانية وحكم جمال أتاتورك تركيا، ولما كانت العلاقات بين تركيا وبريطانيا ليست على ما يرام وكانت مسألة الانتداب البريطاني الفرنسي مطروحة، وتتعلق بوضع تركيا والحدود فإن تقارباً فرنسياً تركياً قد بدأ، وكانت تركيا تريد حينها الاستيلاء على لواء الإسكندرونة السوري الذي يقع في شمال غرب سورية، وهو مشهور بميناء أنطاكيا ونهر العاصي. فقامت تركيا أولاً بتهجير الأتراك إلى اللواء من المناطق الحدودية القريبة لتغيير التركيبة السكانية، واتفقت مع تركيا على إقامة إدارة خاصة باللواء في الوقت الذي كانت فيه سورية تحت الاحتلال والانتداب الفرنسي وتعيش أوضاعاً سياسية مضطربة وفي الثلاثينيات من القرن العشرين قرّرت فرنسا تدويل قضية اللواء بعد الاختلاف بشأنه بين الأتراك والسوريين، وعرضت قضيته على عصبة الأمم التي كانت تتكون من الدول الاستعمارية التي تضامنت لمواجهة النازية الألمانية، فتقرّر تسليم اللواء إلى تركيا مع بداية الحرب العالمية الثانية 1939، ألم يكن ذلك تآمراً على العرب؟!

الحدث الثالث: في عام 1917 تم الاحتلال البريطاني لفلسطين، ووضعت تحت الإدارة العسكرية البريطانية، وفي العام نفسه صدر وعد بلفور البريطاني بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وفي عام 1920 صدر صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي وعد بلفور وعدت بريطانيا الحركة الصهيونية بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ويقول صك الانتداب الصادر عن مؤتمر «سان ريمو»: «لابد من وضع المناطق التي كانت تحت سيطرة الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى «الدولة العثمانية» تحت وصاية دول متقدمة حتى تأخذ بيدها إلى الاستقلال»، وفلسطين من دول المشرق العربي التي وضعت تحت الانتداب، فلم تعمل بريطانيا على إقامة حكم عربي محلي في فلسطين في أثناء انتدابها الذي امتد 28 سنة، وساعدت الحركة الصهيونية في هجرة اليهود من مختلف الدول إلى فلسطين بعشرات الآلاف سنوياً، ومنعت كل مقومات القوة للدول العربية في أثناء احتلالها لعدد منها مثل مصر والعراق وفلسطين وشرق الأردن، وانسحبت عام 1948 لتُسلّم فلسطين إلى اليهود ليقيموا دولة إسرائيل، بعد أن دعمت مقومات ذلك الكيان، وهي تنمو تحت سيطرتها خصوصاً في العقدين اللذين سبقا قيام إسرائيل، ولم ينتهِ ذلك الدور بإقامة الكيان والاعتراف به بل بالمساهمة في حمايته وتقويته في ما بعد... ألم يكن ذلك تآمراً على العرب؟!

الحدث الرابع: لقد بدأت لعبة السلام بين العرب وإسرائيل منذ هزيمة العرب في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 وتزعمت الولايات المتحدة الأميركية ذلك حتى الآن. لقد مرَّ على هذه اللعبة أربعة عقود ولم يتحقق «السلام» ولاتزال إسرائيل تحظى بالدعم والرعاية الأميركية والغربية، واللوم كله على العرب ومطلوب منهم التنازل عن الأراضي التى احتلت عامي 1948 و1967! والقيادات العربية تلهث وراء ذلك السراب الذي سمي السلام من دون أن تحقق شيئاً غير استرجاع سيناء بثمن باهظ هو خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، وهي أكبر دولة عربية، والتطبيع مع إسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد برعاية أميركية عام 1977، والآن تجري محاولات جر العرب جميعاً للاعتراف والتطبيع مع إسرائيل وليس بلداً واحداً من دون أن يظهر في الأفق أي أمل لتحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، والتي يجري قضمها بالاستيطان الصهيوني يومياً منذ ذلك التاريخ. ألم يكن ذلك ولايزال تآمراً على العرب؟!

هذه أمثلة فقط نذكرها ومسلسل التآمر طويل وأحداثه تملأ كتباً ومجلدات، ومع ذلك يخرج علينا من العرب من يقول أنتم تؤمنون بنظرية المؤامرة، وتحملون عقلية «عفى عليها الزمن»، وعليكم أن تعيشوا العولمة وحقيقة الأمر الواقع، وأن التآمر الغربي لم يعد موجوداً وأن المشكلات التى تثيرونها سببها العرب أنفسهم...إلخ!

نعم، نعتقد أنّ عوامل تخلفنا الأساسية داخلية لكن لا نقبل أن يزيف التاريخ بالقول إنه لم يكن هناك تآمرٌ، إن معظم من يقولون ذلك إذا دققت في حقيقة ثقافتهم السياسية تجد مفهومهم للعولمة هو الأمركة، والتخلي عن انتمائه إلى ثقافته بوعي أو من دون وعي.