أرقه دان: الإعدام في الإسلام كالكي الذي يكون آخر الدواء العقوبات الإسلامية في الدنيا مقررة لرفع العقوبة الآخروية

نشر في 14-03-2008 | 00:00
آخر تحديث 14-03-2008 | 00:00

أستاذ الحضارة العربية والإسلامية في جامعة الخليج، د.صلاح الدين أرقه دان، أكد أن العقوبات في الإسلام جاءت لمصلحة الفرد والمجتمع، وأنها كالكي الذي يكون آخر الدواء، والعقوبة المقررة في الدنيا هي لرفع العقوبة الآخروية.

تحدث الدكتور صلاح الدين أرقه دان مؤلف عدد من المنشورات الإسلامية المهمة، مثل «التخلف السياسي في الفكر الإسلامي المعاصر» و«مختصر الاتقان في علوم القرآن للسيوطي»، موضحا أن بعض دولنا العربية والإسلامية يعيش ثقافة الاستثناءات، وبعضها يعيش ابتزاز القوى المتنفّذة، الطائفية أو القبلية أو السياسية أو الاقتصادية، فيتم تطبيق الأحكام القضائية بشكل استنسابي، وقد ينال الضعيف أو المعارض أكثر مما ينال المتنفّذ أو الموالي، مشيرا إلى أن العقوبات الرادعة والزاجرة أصبحت تعيش «بارومتر» المتنفذين والقادرين الممسكين بالقرار السياسي، أو تخضع للقوى المسلحة الممسكة بالقرار على أرض الواقع، كما في العراق ولبنان وأفغانستان وغيرها... حيث يتخذ الصراع على السلطة أوجهاً وميادين بعيدة عن سلطان الدولة أو مؤسساتها، واختتم الأستاذ الحاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة غلاسغو في المملكة المتحدة، حديثة بمطالبة المجمعات الفقهية بأن تعيد دراسة المواضيع المطروحة على بساط البحث في العالم الإسلامي وخارجه، مبينا أنه لا يوجد في العالم الإسلامي مراكز أبحاث حقيقية وجادة في أمور المجتمع ومشاكله وكيفية معالجتها.

في بداية الحوار وجهنا إليه سؤالا عن القيود التي وضعتها الشريعة الإسلامية على تنفيذ عقوبة الإعدام، فقال «يقودنا هذا السؤال إلى سؤال أعمق، وهو ما الغاية من العقوبة في الإسلام؟ هل هي للزجر والردع وجبر الصدع، أم للانتقام والتشفي؟ وهل إذا وقع الردع والزجر بوسيلة أخرى - غير القتل أو الإعدام - نحقق مقاصد الشريعة الإسلامية، فيما تريده للفرد والمجتمع من طمأنينة وابتعاد عن العبث بأمن المجتمع، ونبرئ الذمة بالقيام بالواجب الشرعي؟

وبمراجعة النصوص في الكتاب والسنّة، وهما مصدرا التشريع الإسلامي، لا نجد ما يدعو إلى الاعتقاد بأن العقوبات، وفي مقدمها الحدود، ترمي إلى التشفي والانتقام من الذي يتجاوز حدوده ويرتكب جريمة ما، وهذا المعنى لا يتعارض مع تشديد النصوص على عظم جريمة من يتحدى حدود الله تعالى، كما في قوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة/229]. والإسلام من حيث المبدأ ضد إزهاق الأرواح التي خلقها الله وحرّم إزهاقها إلا بالحق وضمن حدود بيّنها الكتاب والسنّة، وشرح أحكامها الفقهاء في كل عصر ومصر، ونهي واضح عن المبالغة في الاقتصاص من القاتل والتمثيل به.

وبيّن الكتاب الكريم الغاية من القصاص، وهو أغلب ما يقع بين الناس، كالقتل الخطأ (مثل حوادث السيارات)، والعمد (كالاغتيالات السياسية) وشبه العمد (كمن يبالغ في استخدام القوة التي لا تقتل عادة فيقتل من يمازحه أو يصارعه)، بيّن حكم ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/178-179]، فالمقصد الواضح في كلام الله تعالى أن القصاص لا يخرج عن السياق العام الذي ترمي إليه الشريعة وهو تحقيق (الحياة) بمعناها الشامل للأمن والعمران... إلخ، وليس عملية للإبادة أو القتل حباً في القتل نفسه، مع إعطاء ولي أمر المقتول الحق في العفو عن القاتل، و(العفو) هو المهيمن على الممارسة العملية في المجتمع المسلم، قديماً وحديثاً، امتثالاً لما ورد في آية النساء التي نظمت موضوع القتل الخطأ، ففيها: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا، فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء/92]. ومعنى الآية أنه لا يجوز ولا ينبغي ولا يصح من مؤمن أن يقتل مؤمناً عامداً متعمداً، فإن قتله خطأ فعليه ما ذُكر من الأحكام والكفّارات.

وقد توسعت الآية، وتوسّع المفسّرون والفقهاء في مسألة الدية والعفو. ومن يراجع تفسير الإمام القرطبي يجد فيه تفصيلاً كثيراً، يؤدي في الخلاصة إلى أن الإسلام يشجع أهل المقتول على العفو وقبول الدية، حقناً للدماء، وإزالة لما في الصدور، وفتحاً لصفحة جديدة في العلاقات الاجتماعية، وهي ثقافة بديلة عن ثقافة الثأر الجاهلية. فإن لم يكن العفو رادعاً للمجرم فالعقوبة شديدة فيمن يقطع الطريق ويزرع الرعب ويشل حركة المجتمع خوفاً على النفوس والأموال والأعراض.

وللعقوبات الدنيوية التي تنفذها الدولة المسلمة بناء على أحكام الشريعة بُعدٌ آخر، وهو رفع العقوبة الآخروية، ويمكن تلخيص ما تقدم بالقول إن العقوبات في الإسلام جاءت لمصلحة الفرد ولمصلحة المجتمع، وأنها كالكي الذي يكون آخر الدواء، وأن العقوبة المقررة في الدنيا هي لرفع العقوبة الآخروية.

وعمن يرى أنه يوجد تساهل في تطبيق هذه العقوبة في العالم الإسلامي قال د.أرقه دان «تتفاوت دول العالم الإسلامي في تطبيقها لأحكام الشريعة الإسلامية، بل وللقوانين الوضعية وللاتفاقات الدولية وللإجراءات المعتمدة أيضا، وتواجه هذه الدول تحديات داخلية كثيرة على مستوى الوعي العام والالتزام بالشريعة وغيرها من الأمور التي تعود على الناس بالفائدة، كالوعي الصحي مثلاً، ومحو الأمية، ومحاربة المظاهر السلبية، وبعض دولنا العربية والإسلامية يعيش ثقافة الاستثناءات التي يسميها الناس (الواسطة)، وبعضها يعيش ابتزاز القوى المتنفّذة، الطائفية أو القبلية أو السياسية أو الاقتصادية، فيتم تطبيق الأحكام القضائية بشكل استنسابي، وقد ينال الضعيف أو المعارض أكثر مما ينال المتنفذ أو الموالي. وتنفيذ العقوبات الرادعة والزاجرة ليست استثناء مما ورد، فهي تعيش بارومتر المتنفذين والقادرين الممسكين بالقرار السياسي، أو تخضع للقوى المسلحة الممسكة بالقرار على أرض الواقع، كما في العراق ولبنان وأفغانستان وغيرها... حيث يتخذ الصراع على السلطة أوجهاً وميادين بعيدة عن سلطان الدولة أو مؤسساته».

back to top