Ad

جاءت لجنة حماية المال العام في حقبة التسعينيات وتحديداً في عام 1995، إذ لوحظ أن مجلس الأمة استطاع بأدواته الدستورية فرض المزيد من إجراءات تعزيز الرقابة المالية على مؤسسات الدولة، ومن بينها مشتريات وزارة الدفاع من الأسلحة والمعدات، ويتضح أيضا أن اللجنة سعت إلى متابعة تطبيق قانون 25/1996 الخاص بالإفصاح عن عمولات العقود الحكومية.

أصبح مجلس الأمة في حقبة التسعينيات متنوعا في استخدام جميع الأدوات البرلمانية، كالأسئلة البرلمانية واللجان البرلمانية المختلفة، بالإضافة إلى استخدام وسائل الإعلام، من دون الوصول إلى مرحلة الاستجواب.

وقد بدت الحكومة، في المقابل، أكثر استيعابا للمرحلة الجديدة، ما أدى إلى تجاوبها جزئيا في بعض الأحيان إدراكا منها لحال التطور السياسي، فعلى سبيل المثال خصصت جلسة 12 مارس 1999 للنظر في تقرير ديوان المحاسبة الذي أعد بتكليف من مجلس الأمة بشأن الصفقة المزمع عقدها لشراء مدافع للقوة البرية من الحكومة الأميركية.

وأكد خطاب رئيس الديوان، أن تقريره قد تم إعداده وفق ما توافر من بيانات ومعلومات أمكن الحصول عليها من وزارة الدفاع. وأكد أن المرفقات محفوظة لدى المجلس لسريتها، وقد نظر المجلس في ذات الجلسة في خطاب موجه من رئيس مجلس الوزراء كان نصه التالي:

«انطلاقا من التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فقد تقرر تجميد الاتفاق الخاص بشراء المدفع الأميركي لمصلحة وزارة الدفاع، وذلك لاتخاذ الخطوات اللازمة بشأن إحالة تقرير ديوان المحاسبة وتقرير وزارة الدفاع بشأن الموضوع إلى لجنة حماية المال العام لمجلس الأمة الموقر، ليتولى تقرير سلامة وصحة الإجراءات المالية والفنية المتخذة بهذا الشأن».

وبناءً عليه، طلبت الحكومة عقد جلسة سرية لرغبتها في إيضاح جميع الردود على ملاحظات ديوان المحاسبة.

وقد استمر هذا الاتجاه من قبل البرلمان ومحاولاته الدؤوبة لأخذ زمام المبادرة في اتجاه تفعيل الرقابة على الإنفاق العسكري، كما اتضح من التوصية باقتراح تقدم به عدد من النواب يمثلون جميع التوجهات السياسية وينص الاقتراح على أن:

• يتم تقديم ميزانية وزارة الدفاع بنفس النمط الذي تقدم به ميزانية وزارة الداخلية.

• أن تعمل الحكومة على تذليل العقبات التي يواجهها ديوان المحاسبة، في مراجعة تنفيذ تقرير واف ٍعن المصروفات الجارية وميزانية تعزيز القدرات الدفاعية.

وقد حاول وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء إضعاف تلك التوصية، بتأكيده على أنه في كل بلاد العالم تتصف المؤسسة العسكرية بحساسية معينة في طريقة معاملة ميزانيتها، مؤكدا على أن الحكومة ستبذل ما في وسعها للالتزام بالتوصية، أخذا في الاعتبار حساسية المؤسسة العسكرية، وقد تمت الموافقة على التوصية.

وبغض النظر عن شكلية التوصية ودرجة إلزاميتها من الناحية اللائحية البرلمانية، إلا أنه لم يكن بالإمكان قبولها سابقا بهذه الصورة من الحكومة، ما يعني أن هناك تطورا ما في سبيل تعزيز الرقابة البرلمانية على الإنفاق العسكري. فاستمرت الممارسة بذات السياق، حيث لاحظنا أنه في جلسة 9 فبراير 2005، قدم ديوان المحاسبة تقريرا شاملا لنتائج فحصه لمصروفات وزارة الدفاع للسنة المالية 2003/2004 وردود وزارة الدفاع عليها.

وقد استمر مجلس الأمة في ذات الاتجاه التصاعدي، حيث قام بتكليف ديوان المحاسبة بفحص ومراجعة عقد المدرعة البريطانية «واريور»، وقدم تقريره التفصيلي لمجلس الأمة الذي كان واضحا فيه دقة الفحص وشمولية المراجعة التي قام بها ديوان المحاسبة، وقد نشرته جريدة القبس بتاريخ 4 أكتوبر 2006، ونظرا لأهمية التقرير وكونه يمثل نموذجا مهما لنوعية التقارير من هذا النوع، فإننا نورد هنا أهم ما جاء فيه، حيث لاحظ الديوان في تقريره انخفاض الجاهزية القتالية للمدرعة، حتى وصلت انخفاضا إلى نسبة %57 عام 2005، مما يعني توقف أو شبه توقف 109 مدرعات بسبب النقص الشديد في قطع الغيار والصيانة للمدرعة «واريور».

هذا وقد واجه فريق التدقيق على أعمال وزارة الدفاع العديد من الصعوبات والعقبات لتحقيق التزاماته القانونية والرقابية وفق قانون إنشاء ديوان المحاسبة، للتدقيق على الجانب العسكري منها، وقد طالب الديوان بضرورة الرد على الملاحظات الواردة في التقرير المرفق خلال شهر من تاريخه، إعمالا لأحكام القانون المذكور أعلاه.

وأوضح التقرير أن العقد كان قد وقع مع الحكومة في أغسطس 1993، لتوريد 254 آلية قتال مدرعة متنوعة بقيمة إجمالية (مليار و19 مليون دولار تقريبا)، وتم استكمال وصول جميع المدرعات «واريور» ودخولها إلى الخدمة بالقوة البرية في أكتوبر 1997، وكذلك تم توقيع عقود لاحقة منفردة لتوريد قطع غيار وصيانة وتدريب بلغت قيمتها الإجمالية 27 مليون دولار تقريبا (وقد ذكر التقرير كل عقد على حدة بتفاصيل كثيرة)، كما لاحظ التقرير أن وزارة الدفاع اختارت المدرعة البريطانية «واريور»، وذلك بعد المفاضلة بينها وبين المدرعة الأميركية «برادلي». إلا أن الوزارة رأت استبدال البرج البريطاني بالبرج الأميركي الصنع، مما تسبب بالعديد من المآخذ التي أورد التقرير أهمها على النحو التالي:

• زيادة التكلفة لصيانة المدرعة الكويتية «واريور» نتيجة اختلاف أجزائها، وذلك للاحتياج إلى مساندة فنية أميركية للبرج، وما يحتويه من معدات ومساندة فنية بريطانية للمدرعة وما فيها من معدات.

• زيادة تكلفة قطع الغيار الخاصة بالبرج، نظرا لعدم توافرها لدى الجانب البريطاني.

• توقف إنتاج العديد من قطع الغيار اللازمة لإعادة تشغيل المدرعة، لأنها تصنع خصيصا للكويت (وصل عددها إلى 27 قطعة حسب آخر تقرير موثق بتاريخ 3 أغسطس 2003)، ويشير التقرير المفصل إلى أنه قد تبين من خلال الفحص والتدقيق المآخذ التالية التي شابت عقد توريد المدرعة «واريور»:

أولا: الملاحظات العامة على العقد

1 - عدم قيام الوزارة بالتعاقد المباشر مع الحكومة الأميركية لتوريد البرج الأميركي للمدرعة «واريور»، وذلك لتوفير المبالغ التي تم دفعها للحكومة والشركة البريطانية، خاصة أن وزارة الدفاع ترتبط مع الحكومة الأميركية بنظام الحالات (FMS).

2 - عدم قيام الوزارة بالتعاقد مع الشركة المصنعة للبرج الأميركي مباشرة، لتوفير قطع الغيار والمساندة الفنية بعد انتهاء فترة الضمان، واستمرار الوزارة بالتعامل مع الشركة البريطانية لصيانة وإصلاح وتوفير قطع الغيار للبرج الأميركي الصنع، ما أدى إلى زيادة أسعار بعض قطع الغيار وعدم توافر القطع الأخرى لدى الجانب البريطاني.

3 - قيام الوزارة بصرف مبالغ طائلة نظير دورات التدريب والصيانة والعقود الجانبية للعقد الأساسي، وكذلك ابرام العديد من العقود للمساندة الفنية، من دون توفير قطع الغيار، الأمر الذي أدى إلى دفع مبالغ من دون الاستفادة منها.

4 - تعطل أو شبه تعطل العديد من المدرعات، الأمر الذي أدى إلى انخفاض جاهزية المدرعات حتى وصلت إلى %57 في شهر مارس 2004، وتوقف العديد من المدرعات لمدد طويلة يؤدي إلى زيادة أعطالها وعدم صلاحيتها للعودة إلى العمل، وكذلك يؤثر معنويا على الأفراد العاملين عليها.

5 - عدم قيام الوزارة بفرض غرامة تأخير على الشركة التي لم تلتزم بتوريد قطع غيار، على الرغم من دفع الوزارة كامل التزاماتها، ومثلا هناك 27 قطعة لم يتم توريدها بقيمة مليون دولار منذ 6 يناير 2004.

6 - عدم قيام الوزارة بالمطالبة بمبلغ مليون و300 ألف دولار المستحق على شركة «آلفيس»، حيث قامت الوزارة بالتعاقد مع شركة آلفيس للتدريب استنادا إلى ان يحل الطالب الكويتي الخريج محل احد فنيي الشركة ويعمل ضمن فريق الصيانة الخاص بـ «واريور» في موقع العمل، على ان تدفع الشركة مبلغا يوازي 1000 دولار شهريا لوزارة الدفاع مقابل العمل الذي يقوم به الخريج الذي تتم إجازته من قبل الشركة. ومع أن عدد الخريجين كان قد بلغ 105 خريجين كويتيين من الدورة الأولى إلى الدورة الحادية عشرة، بمبلغ إجمالي يقارب المليون ونصف المليون دولار أميركي، إلا أن الوزارة لم تقم بالمطالبة بالمبلغ المطلوب من الشركة.

7 - عدم قيام الوزارة بمطالبة الحكومة البريطانية بالقيام بدورها في إلزام الشركات البريطانية توفير قطع الغيار اللازمة للمدرعات، حيث انها تأخذ ما نسبته %2 من قيمة العقد، نظير الرعاية والإشراف وغيرها من الملاحظات غير المباشرة.

ثانيا: النقص الشديد في قطع غيار مدرعات «واريور»

الأمر الذي تسبب في تعطل أو شبه تعطل وانخفاض جاهزية المدرعات ويرجع ذلك للأسباب التالية:

1 - عدم شمول العقد على قطع الغيار اللازمة والضرورية والمهمة لإدامة واستمرارية وكفاءة عمل المدرعة وعدم توقفها.

2 - عدم وجود مخزون استراتيجي لقطع الغيار لضمان عمل المدرعة وعدم توقفها.

3 - تأخر الوزارة في الاستجابة لطلبات القوة البرية من قطع الغيار الضرورية.

4 - إرسال العديد من قطع الغيار لإصلاحها في الخارج (بلغ ما أمكن حصره منها 370 قطعة تم إرسالها في سنة 2000 فقط)، وعدم اتخاذ القرار المناسب لتوفير الميزانية اللازمة لإصلاحها وإعادتها إلى البلاد، مما أثر سلبا على جاهزية المدرعات.

5 - عدم شمول العقد على توفير أو ضمان استمرارية إنتاج قطع الغيار الخاصة بالمدرعة لمدد طويلة، تصل إلى 20 سنة على الأقل.

6 - عدم وضع خطة طويلة المدى لتوفير قطع الغيار اللازمة للمدرعة.

7 - تأخر الوزارة في إبرام العديد من العقود الخاصة بتوريد قطع الغيار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار تلك القطع، والمثال على ذلك هو ارتفاع قيمة جهاز (sensor unit) من 12 الف دولار عام 2000 إلى 400 ألف دولار عام 2005، وكذلك ارتفاع أسعار إصلاحها وذلك بنسبة %284 تقريبا.

وقد قدم التقرير جملة من التوصيات وافق عليها مجلس الأمة، عكست حال عدم الرضا من سلوك وزارة الدفاع، ويعكس التقرير التطور الملحوظ للطبيعة الفنية التي يسعى إليها مجلس الأمة في الرقابة على الإنفاق العسكري من خلال تكليفه لديوان المحاسبة، الذي اتضح انه طور من قدراته الفنية للتصدي لهذه المهمة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن هذا الأسلوب الرقابي هو سلوك تقليدي يتسم بذات الدرجة من الدقة في كل الأحوال، فقد ثبت أن هناك العديد من الحالات التي اتضح لاحقا انها عانت من قصور مشابه في طبيعة الأجهزة المشتراة، لكنها لم تحصل على ذات الاهتمام والتركيز.

الوسائل الرقابية الأخرى

1- الأسئلة

يستخدم مجلس الأمة وسائل رقابية أخرى في محاولته تفعيل رقابته على الإنفاق العسكري، فعلى سبيل المثال فإن التقرير السابق لديوان المحاسبة، كان احدى النتائج لأسئلة وجهها النائب ناصر الصانع إلى الوزير المختص، فالأسئلة البرلمانية باتت وسيلة فاعلة بهذا الخصوص، بسبب مرونتها وقابليتها لتحريك الرأي العام، وفي مثال آخر نرى السؤال الذي وجهه النائب مشاري العصيمي بتاريخ 18 مايو 2002 بخصوص عزم وزارة الدفاع شراء 16 طيارة أباتشي و4 محركات إضافية و300 من صواريخ هلفاير بتكلفة إجمالية قدرها مليار و855 مليون دولار، حيث استطرد السؤال مستفسرا عن عدد اللجان التي تم تشكيلها لتحديد احتياجات الجيش من الأسلحة ما بين عام 1991 وحتى عام 2002، وطالب بتوفير نسخ من قرارات تشكيل تلك اللجان وأسماء أعضائها وأسباب تغيير أعضائها، وكان هذا في إشارة إلى قيام كبار مسؤولي الوزارة بإعفاء بعض أعضاء تلك اللجان من مهامهم في حال عدم موافقتهم على إصدار أوامر شراء لسلاح معين، وحدث أن تمت عملية الإعفاء أحيانا بأوامر شفوية، ما جعل النائب يطلب قرارات التعيين المكتوبة.

وفي مثال آخر تقدم النائب عبدالله النيباري بسؤال بتاريخ 25 أغسطس 2001، بشأن الإجراءات التي تتبعها وزارة الدفاع في حال قيامها بتوقيع عقود تموين مع مزودين محليين، ومدى تطابق وتوافق تلك الإجراءات مع قانون المناقصات العامة، في إشارة إلى ما اشتهر باسم «مناقصة الخس»، التي تحولت إلى قضية رأي عام.

كذلك فقد قدم النائب وليد الجري في 13 ديسمبر 2003 سؤالا، طالب فيه وزارة الدفاع بالإفصاح عن العمولات التي تم دفعها في عقود وزارة الدفاع، استنادا إلى أن قانون الإفصاح عن العمولات قد تم إقراره عام 1996، ولم يتم أي إفصاح حتى تاريخه بموجب القانون المذكور.

كذلك وجه النائب عبدالله النيباري سؤالا بتاريخ 26 أكتوبر 2002 لوزير الدفاع، مستفسرا عن الإجراءات التي اتبعتها الوزارة في شراء نظام التحكم والسيطرة (سي 41) من شركة «بريتش أيروسبيس» بتكلفة إجمالية بلغت ملياري دولار.

وقد اشتكى النائب في سؤاله من أنه لم يتلقَ إجابات عن نفس السؤال، حيث أوضح أنه قدم السؤال للمرة الرابعة من دون جدوى، وقد استخدم النائب سؤاله في شرح ملابسات الموضوع، وهو أسلوب يلجأ إليه النواب عادة لشرح موضوع ما للرأي العام، حيث أوضح كيف أن الشركة المذكورة قد فازت بالعقد بالاشتراك مع مقاول بالباطن، وهي شركة «لوكهيد مارتن»، وأضاف أنه برغم أن المنافس لهما وهي شركة «رايثون الأميركية» كانت قد حازت على الموافقة من اللجنة الفنية، فقد تمت ترسية المناقصة والعقد لشركة «بريتش أيروسبيس»ن ثم استرسل النائب في سؤاله في تعداد وتبيان المخالفات التعاقدية التي وقعت بها الشركة الفائزة، وقد طلب في نهاية سؤاله جميع المراسلات بين وزارة الدفاع والشركة الفائزة، وكذلك الشركات الأخرى.

ولا يخفى أهمية وتأثير تلك الأسئلة على الرأي العام، كونها تشكل ضغطا على الوزير المختص، وتحرك الرأي العام ضد تلك الإجراءات التي تقوم بها وزارة الدفاع، وأصبح أمرا معتادا أن يقوم النائب بنشر نص السؤال الذي يوجهه للوزير المختص في الصحافة المحلية، في الوقت الذي يوجهه للوزير المختص. ويلاحظ أن الأسئلة البرلمانية في العديد من الأحيان وبالذات الأسئلة الموجهة لوزارة الدفاع، ليست أسئلة استفهامية بالمعنى الدقيق، فهي عادة ما تتحول إلى شرح للموضوع وتبيان مخالفاته وطلب تأكيدها أو نفيها.

2 - اللجان البرلمانية

تلعب اللجان البرلمانية المختلفة أدوارا متباينة في رقابتها على الإنفاق العسكري، وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تلعب لجنة الداخلية والدفاع دورا ما، حتى ولو كان غير مباشر في ترتيب أوضاع ومتابعة الخلل الحادث في الأجهزة الأمنية، وترشيد أدائها، من خلال متابعة سلوك كل من وزارتي الداخلية والدفاع، إلا أنه قد أصبح أمرا تقليديا أن تحرص الحكومة حرصا كبيرا وملحوظا على إيصال العناصر المقرية من الحكومة من النواب لعضوية تلك اللجنة، الأمر الذي أبعدها عن أي دور رقابي يذكر، سواء أكان ذلك على وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع، فعلى سبيل المثال في عام 2003 كان على جدول أعمال اللجنة 68 موضوعا، لكنها اتخذت قرارات بشأن 42 منها وأجلت النظر في 26 موضوعا آخر، واتضح أن غالبية تلك الموضوعات التي اتخذت بشأنها قرارات هي من الموضوعات غير المثيرة للجدل، مثل مطالبة الحكومة ببناء مخفر شرطة في منطقة معينة أو فتح شوارع، أو شؤون الإقامة.

ويبدو أن اللجنة التي يعول عليها في هذا الشأن هي لجنة حماية الأموال العامة التي تأسست بموجب قرار المجلس عام 1995، وبالتالي فهي لجنة جاءت في سياق حقبة التسعينيات من القرن الماضي التي لاحظنا فيها مزيدا من إجراءات تعزيز الرقابة البرلمانية على أداء الحكومة، ويتضح أن اللجنة سعت منذ تشكيلها إلى متابعة تطبيق القانون رقم 25/1996 الذي جعل الإفصاح عن أي عمولات يتم تقاضيها في العقود الحكومية أمرا إلزاميا، ولاشك أن صدور هذا القانون عام 1996 يأتي في ذات السياق المذكور من تعزيز أدوات الرقابة البرلمانية.

وقد اشتكت اللجنة مرارا من عدم جدية الحكومة في تطبيق القانون المذكور وطالبت بتفعيله، وفي سبيل ذلك فقد طالبت اللجنة في فبراير 2003 بأن يقوم ديوان المحاسبة بتشديد رقابته وسيطرته على كل العقود، خاصة تلك العقود الخاصة بمؤسسة البترول الكويتية ووزارة الدفاع، وهي العقود التي رأت اللجنة بأن أغلب العمولات تدفع من خلالها، وقد أوصت اللجنة بعدة تعديلات على القانون المذكور، خاصة في شكل ضمانات إدارية لتحسين فعالية القانون، وقد سعت اللجنة في سبيل زيادة فعاليتها إلى نشر تقارير محددة حول اتهامات معينة لعقود بعينها، فعلى سبيل المثال نشرت اللجنة تقريرا في أبريل 2003 بشأن العقد الذي وقعته وزارة الدفاع مع شركة سوفيمي لتطهير الألغام (القطاع الفرنسي)، وكذلك العقد الذي وقعته الوزارة مع شركة «سي إم سي آي» لتطهير الألغام (القطاع الأميركي)، وتقدمت اللجنة من خلال التقريرين بتوصيات محددة لعدم تكرار استغلال الأموال العامة، وأنهت تقريريها بالطلب من ديوان المحاسبة بتسمية الإداري المسؤول عن الخروقات الإدارية التي وردت في التقريرين لاتخاذ الإجراءات المناسبة بحق ذلك الشخص.

3 - دور الإعلام

يحرص أعضاء مجلس الأمة على استخدام الإعلام وبالذات الصحافة، بأشكال مختلفة لإيصال رؤاهم وتصوراتهم للرأي العام، وربما للتأثير على متخذ القرار، فعلى سبيل المثال انتقد النائب جاسم الكندري في مؤتمر صحافي وزارة الدفاع حين تم إعلان أن الإنفاق العسكري قد بلغ 1300 مليون لسنة 2003، حيث أكد على أن ميزانية البلاد يتم انهاكها بمثل هذا الإنفاق غير المجدي، وبالذات إذا كان ذلك مرتبطا بالعقود الثلاثة التي تمت إحالتها على القضاء والمحاكم، والتي تبدو فيها شبهات الفساد وتبديد الأموال، وفي مجال آخر طالب النائب ناصر الصانع بعدم تجاهل وجهات النظر الفنية للمتخصصين خدمة لجماعات الضغط والمصالح، وقد ترتب على ذلك أن رد وزير الدفاع في الصحافة مؤكدا ثقته بأبناء القوات المسلحة واختيارهم للأفضل بالنسبة لاحتياجات الجيش، مؤكدا بأنه لا يتدخل في عمل اللجان الفنية إطلاقا، متعهدا بأنه لن يوقع أي عقد تحوم بشأنه الشبهات، ومن جانب آخر، وجدنا النائب ناصر الصانع يعقد مؤتمرا صحافيا يشكر فيه الوزير والوزارة بسبب إعلانهما إلغاء العقد الخاص بمنظومة (سي 41) (تكلفتها 500 مليون دولار)، ومدرعات (بيرانا) (تكلفتها 620 مليون دولار)، والذي جاء نتاجا لقيامه مع نواب آخرين بالتحذير من إبرام تلك التعاقدات.

ويبدو أن تلك الضغوط البرلمانية قد تثمر أحيانا بنتائج ذات قيمة حقيقية، حيث بلغت الحالات التي تمت إحالتها على النيابة العامة 34 قضية، كان قد جرى حفظها من قبل النائب العام السابق بسبب عدم تعاون وزارة الدفاع، ويبدو أن وزيرا جديدا ونائبا عاما جديدا (2003) قد دفعا في اتجاه تحريك تلك القضايا التي نتج عنها إدانة عدد من المسؤولين.