من يربح المليار؟

نشر في 28-04-2008 | 00:00
آخر تحديث 28-04-2008 | 00:00
 د. بدر الديحاني

الممارسة السياسية لدينا لم تتطور، بل تراجعت عما كانت عليه في بدايات التجربة البرلمانية لأن كثيرين ممَن لا يفقهون العمل السياسي ولا يملكون رؤى سياسية يصبحون أعضاءً في مجلس الأمة، لذا استشرى الفساد السياسي وانتشر التكسب الانتخابي وازداد استخدام المال السياسي.

يتساءل بعض من لم يتابعوا الشأن العام عن السر في «التقاتل» على الترشيح لمجلس الأمة. ففجأة وعند الإعلان عن الانتخابات العامة يتقدم الصفوف للترشح أناس ليس لهم أي دور في العمل السياسي أو العمل العام ولا يعرفون ماهية وطبيعة العمل السياسي.

فتجد مَن هو لاهٍ في شؤونه الحياتية الخاصة ثم يصبح فجأة سياسياً يريد الوصول إلى مجلس الأمة، أو مَن هو منشغل في تجميع ثروته المالية الهائلة ثم فجأة يعلن ترشحه للانتخابات العامة ويصرف الملايين على حملته الانتخابية. وهناك من جانب آخر مَن يستغل العمل العام (الجمعيات التعاونية، النوادي الرياضية، المجلس البلدي، جمعيات النفع العام، النقابات العمالية، اتحادات الطلبة) كجسر للوصول إلى مجلس الأمة بعد أن يصل إلي قيادته بأي طريقة (انتخابات فرعية، تقديم الخدمات من خلال الواسطة أو حتى استخدام المال إذا تطلب الأمر) ولا يضيف له شيئاً يذكر.

والمستغرب أكثر أن بعضهم ممَن لا يفقه شيئاً في العمل السياسي يستمر في الترشيح رغم سقوطه في الانتخابات البرلمانية كلها التي خاضها منذ ما يزيد على العشرين عاماً يكون خلالها قد زار دواوين المنطقة كلها وحضر مجالس العزاء جميعها وزار المرضى كلهم في مستشفيات الكويت كلها وراجع الدوائر الحكومية جميعها للتوسط لتمرير معاملات ناخبي المنطقة وصرف الأموال الضخمة على الحملات الانتخابية.

وبعضهم الآخر يحاول «تلميع» نفسه بإبراز صوره في وسائل الإعلام في كل شاردة وواردة. ومنهم مَن «يقاتل» للعمل في مراكز خدمة المواطنين الحكومية للتوسط لناخبيه المحتملين كجزء من شروط قبول «أوراق اعتماده» للترشيح لأنه «خدم» أبناء المنطقة!

والواقع يؤكد أن الممارسة السياسية لدينا لم تتطور، بل تراجعت عما كانت عليه في بدايات التجربة البرلمانية، لأن كثيرين ممَن لا يفقهون العمل السياسي ولا يملكون رؤى سياسية يصبحون أعضاءً في مجلس الأمة، لذا استشرى الفساد السياسي وانتشر التكسب الانتخابي وازداد استخدام المال السياسي.

والسؤال المحير هو إذا كان هؤلاء المرشحون لا يملكون تجربة أو فكراً سياسياً وليس لديهم برنامج سياسي ينوون تنفيذه في حالة نجاحهم، فما الذي يجعلهم يتكبدون هذه المشقة كلها للوصول إلى مجلس الأمة؟ لابد أن في الأمر شيئاً ما غير الخدمة العامة، وهذا الشيء أو لنقل الأشياء لم تعد خافية على المتابعين للشأن السياسي والبرلماني فقد بدأت وسائل الإعلام تتناقلها بشكل علني.

لذا لابد بعد انتهاء الانتخابات الحالية من التوقف قليلاً عند كيفية ترشيد العملية السياسية من خلال التفكير في استحداث نظام انتخابي جديد يقضي على السلبيات المرافقة للنظام الانتخابي الحالي، مثل الدائرة الواحدة والقوائم النسبية التي يجب أن تخضع لدراسة جادة مع الأخذ في الاعتبار التجارب العملية للدول التي تطبق هذا النظام.

وأيضا السماح بإنشاء الأحزاب السياسية على أسس ديموقراطية حتى تتمكن من طرح رؤى وبرامج سياسية يتم انتخابها بناء عليها. فمن أسف أن أغلب التنظيمات والقوى السياسية التي تنشط الآن لا يقوم على أسس ديموقراطية سليمة ولا يؤمن بعضها بالنظام الديموقراطي، لذا تستخدم وسائل غير ديموقراطية وتكرس ممارسات فئوية وطائفية تضر تطورنا الديموقراطي.

وهنا لعله من المناسب أن تكون قضية تطوير وترشيد النظام الديموقراطي من ضمن القضايا المحورية التي يجب أن يتصدى لها المرشحون الوطنيون في حملاتهم الانتخابية، لأنه لو استمر الوضع السياسي على ما هو عليه الآن، فسنعود إلى المربع الأول... «فلا طبنا ولا غدا الشر».

back to top