وراء الأكمة ما وراءها!!

نشر في 13-08-2007
آخر تحديث 13-08-2007 | 00:00
 صالح القلاب

مما لاشك فيه أن شق صفوف الشعب الفلسطيني في مثل هذه اللحظة التاريخية الخطيرة لم يستفد منه إلا الإسرائيليون الذين يرفضون اتفاقيات «أوسلو» والذين يعتبرون عملية السلام القائمة على هذه الاتفاقيات أكبر خطر يتهدد مشروعهم القائم على كذبة «الأرض الموعودة».

حتى الآن فإن الواضح، بل المؤكد، أن سورية لن تُدعى إلى المؤتمر، الذي يوصف بأنه دولي والذي هو ليس كذلك، والذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش ولهذا فإنها غير راضية عنه وأنها وإيران تسعيان الى الحؤول دون انعقاده بحجج كثيرة من بينها أنه لا يجوز عقد أي مؤتمر للقضية الفلسطينية بينما الفلسطينيون منقسمون على هذا النحو وبهذه الطريقة.

إن هذا أمر لم يعد خافياً فالرئيس الأميركي قال بصراحة، لا تحتمل التأويل، إن هذا المؤتمر، الذي وصفه بأنه سيكون دولياً، وهو ليس كذلك، سيكون مؤتمراً للقضية الفلسطينية وللصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وأنه لن يكون مؤتمر قضية الشرق الأوسط كلها... ولذلك فإن سورية لن تُدعى إليه حتى ولو بصفة مراقب!!

ولذلك فإنه أمر طبيعي أن تسعى سورية، التي تخشى الاستفراد بمسارها إنْ تم حل القضية الفلسطينية إن في هذا المؤتمر وإن في المرحلة اللاحقة، إلى وضع العصي بالدواليب، وأن تستنجد بإيران، المتضررة بدورها، لإفشال هذه المحاولة التي ربما لا يجوز التعويل عليها كثيراً، لكنها، وفي كل الأحوال، أفضل من لا شيء وأفضل من ذلك الجمود الذي دخلته القضية الفلسطينية منذ نحو ستة أعوام وهو لايزال مستمراً حتى الآن.

ولهذا فإن محمود عباس (أبو مازن) عندما يرفض مبدأ الحوار مع حركة «حماس»، ويضع أمام ذلك شروطاً يعتبرها بعض «المتوسطين» تعجيزية، فلأنه يشعر أن القبول بمجرد الحوار، وحتى إن بقي هذا الحوار حواراً ولن يتم التوصل إلى أي شيء، سيعرقل انعقاد هذا المؤتمر الذي لم يبق على الموعد المفترض لانعقاده سوى نحو ثلاثة أشهر وسيبقى على الفلسطينيين أن يعيشوا حالة الجمود التي أنهكتهم والتي هي أحد أهم أسباب تحول الشعب الفلسطيني نحو حركة المقاومة الإسلامية وإدارة ظهره لحركة «فتح» ولاتفاقيات «أوسلو» وللسلطة الوطنية.

مما لاشك فيه أن شق صفوف الشعب الفلسطيني في مثل هذه اللحظة التاريخية الخطيرة لم يستفد منه إلا الإسرائيليون الذين يرفضون اتفاقيات «أوسلو» والذين يعتبرون عملية السلام القائمة على هذه الاتفاقيات أكبر خطر يتهدد مشروعهم القائم على كذبة «الأرض الموعودة» وعلى فرضية: «نفي النفي ونفي الأغيار». ومما لاشك فيه أيضاً أن انقلاب غزة العسكري الأخير قد أعطى مصداقية لادعاء الإسرائيليين بعدم وجــود الطرف الفلسطيني الذي من الممكن مفاوضته... ولادعائهم أن الفلسطينيين منقسمون وأنه لا يوجد الطرف الذي يستطيع التحدث باسمهم!!

والآن، وهذا يعرفه محمود عباس ( أبو مازن) ولذلك فإنه يرفض كل وساطات حتى سعاة الخير على أساسه، فإن أي حوار بين السلطة الوطنية وحركة «حماس»، تحت راية «رأب الصدع» وبحجة إعادة توحيد صفوف «الأشقاء الفلسطينيين»، والذي لن يكون إلا حواراً من أجل الحوار سيكون بالنسبة للإسرائيليين، الذين لا يريدون مؤتمر الخريف المقبل الذي دعا إليه جورج بوش والذين يسرهم أن تتكدس العراقيل في وجهه، بمنزلة هدية لا تقدر بثمن حيث سيعودون مرة أخرى ومن جديد إلى اتهام الرئيس الفلسطيني بأنه لا يختلف عن خالد مشعل وأنه لا توجد الجهة الفلسطينية التي تريد السلام حقاً والتي من الممكن الجلوس معها على طاولة المفاوضات.

ربما لا يعرف بعض العرب الذين تقدموا بمبادرات لـ«رأب الصدع بين الأشقاء الفلسطينيين» أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هذا الشعار الجميل تقف وراءه لعبة سياسية كان انقلاب غزة العسكري الأخير أحد أركانها، وأن الهدف منه هو منع أي «حلحلة» على مسار القضية الفلسطينية مادام أن مأزق الملف النووي الإيراني لايزال قائماً ومادام أن الحل المنشود على مسار هضبة الجولان المحتلة لاتزال تقف أمامه عراقيل كثيرة... ومادام أن ما يجري في العراق وما يجري في لبنان أيضاً لم يستثمر بعد على النحو المطلوب بالنسبة للصياغة الإقليمية المنشودة في هذه المنطقة!!

 

*كاتب وسياسي أردني

back to top