Ad

المحيلان

حقيقة لقد كنتُ أنوي قبل سرد الحلقتين السابقتين من سيرة طائر الصحراء أن أتحدث عن أحد الشخوص الثقافية المهمة في الكويت، ولكنني لست أدري لماذا استطردت في التداعي إلى معركتي مع القبيلة من أجل إقناعها بأن التلفزيون ليس موبقة تثلم شرف القبيلة؛ بل هو ينقل الفضيلة والقرآن الكريم وأخبار الملوك والأمراء وعلوم المطر، و(فيه) قبائل عندها «فنجال وعلوم رجال» ترحل وتنزل مثلهم وفيها أبطال يهزمون القوم، وذلك من خلال استغلالي أحد المسلسلات البدوية، التي كانت تبث آنذاك من تلفزيون الكويت، ولو أنهم اعترضوا على قبائل التلفزيون، لأنهم يتناولون الفنجان بأيديهم اليسرى (!!)، الأمر الذي حداني لأن «أرقّع» لتلك القبائل بقولي إنهم هناك يختلفون عنا قليلاً، لأنهم يقولون إن اليد اليمنى للسيف واليسرى «للكيف»!، فتقبلوها على مضض.

«ما علينا من ذلك كله» المهم أنني حينما اقتنيت التلفزيون، وأفلحت في إقناع القبيلة أن التلفزيون «زين» وأنني «خوش ولد» أصبحت أتابع أغلب برامج التلفزيون، ومما لفت نظري في تلك الفترة أوائل السبعينيات، بل ولفت أنظار كل المشاهدين في الكويت هو ظهور شاب كويتي وسيم وأنيق له «قَبْلة» وحضور جذاب يشدّ المشاهد إلى التلفزيون بلهجته الكويتية المحببة وقفشاته الطريفة وتعليقاته الساخرة، ولم يكن حينها يفعل شيئاً في إطلالته تلك سوى قراءة الصحف في التلفزيون لا أكثر!

ولكم أن تتصوروا كيف يشد مذيع أنظار الناس إلى هذا العمل البائت، لكنني لست أدري ما السر الذي شدّ الناس إلى ذلك الفتى، وأصبحوا يتنادون كلما ظهر على الشاشة الفضية، ثم يتداولون في اليوم الثاني في قطار أعمالهم ماذا قال المحيلان بالأمس، نعم لقد كان ذلك الشاب هو عبدالله المحيلان ليس غيره، والذي كان حلمي أن أراه شخصياً آنذاك، ولم أدر أن الأيام ستجمعنا في صداقة متينة امتدت إلى أعوام عدة وإلى أن فرقتنا الأيام أيضاً، وقبل أن أتحدث عن نشوء تلك الصداقة دعوني أفسر لكم سر جاذبية عبدالله للمشاهدين في ذلك الزمان، فالناس قد تعودوا على المذيع المتجهّم المحنط الجاد القسمات والذي لا تعنيه همومهم، إذ كل ما عليه أن يقرأ النشرة أو يقدم البرنامج ثم يولي الأدبار، أما عبدالله المحيلان فقد لامس جروحهم من خلال تصفحه الجرائد اليومية عبر شاشة التلفزيون؛ إذ كان يقف عند الخبر الذي يهم الناس ويعلّق عليه بطريقة محببة ساخرة، وكأنه يتحدث للمشاهد وهو يجلس معه في الديوانية لا من خلال شاشة التلفزيون، وكان أكثر ما يتناول بالانتقاد غلاء الأسعار وزيادة الرواتب وأقوال بعض المسؤولين والأخبار الطريفة وهموم الناس ولو من خلال صفحات القراء التي تنشر في الصحف آنذاك، لينقلها إلى التلفزيون ويقول هكذا: أسمعت يا وزير الصحة أو التربية أو العمل شكوى المواطن فلان؟ ثم يشبك يديه ويتحدث إلى صاحب الشكوى بقوله «تشوف وصلنا صوتك للوزير نشوف وش يسوي في الحلقة القادمة»، وهكذا كان عبدالله يشد المشاهد إليه ويقيم معه علاقة مباشرة ليس كما اعتادها من المذيعين أو مقدمي البرامج الذين يتصنعون الوقار الكاذب!

أما ما كان يشدنا إلى المحيلان آنذاك نحن الشباب فكان لياقته ولباقته وأناقته وثقافته وجرأته بالطرح، وكان بالفعل نموذجاً للشباب العصري في ذلك الوقت، أما ما كان يشد إليه الفتيات فهو وسامته وابتسامته وإطلالته المشرقة التي «يا قَبْله الله عليها»، كما كن يقلن، هذه المفردة التي جعلت رجلاً يطلّق امرأته بسبب هذه الجملة بالذات، وما أكثر المطلقات آنذاك، كما أعتقد، إذا كان مجرد قول هذه الجملة يدعو الى الطلاق!