Ad

ظلت فلسفة إدارة الدولة كما هي تتعامل وفق تلك العقلية البسيطة القائمة على أساس الترضيات، وبقي أسلوب المحاصصة الطبقية والقبلية والطائفية هاجساً يهيمن على أصحاب القرار، وهنا تكمن إحدى أهم إشكاليات اختيار الحكومات، لاسيما منذ التسعينيات.

التشكيل الحكومي في الكويت اعتمد منذ الاستقلال وبداية العمل بالدستور، في الغالب، على عرف الترضيات السياسية عائلياً وقبلياً وطائفياً، واستمر هذا النهج معتمداً على البساطة السياسية في ذلك الوقت، حيث كانت بدايات نشأة الدولة الحديثة والطفرة المالية غير المسبوقة تشكلان وعاءً حكومياً كبيراً وقادراً على تلبية احتياجات المواطنين وطموحاتهم بلا استثناء، سواءً في التعيين أو في التدرج السريع نحو الوظائف الإشرافية والقيادية. وكانت خطط التنمية ببساطتها كفيلة بأن تحدث طفرة نوعية في قطاعات العمران والخدمات الأساسية من صحة وتعليم، كونها بدأت من الصفر، وكانت تستوعب متطلبات الحياة الأساسية كلها، بحيث يفيض بها الكيل، إلى درجة أننا كنا نبحث عن مستفيدين آخرين لها خارج الكويت، ولذا كانت سمة الوزير الناجح مرتبطة بقدرته على إرضاء مطالب النواب وناخبيهم، وبحسب هذه المعادلة البسيطة فقد كان معظم الوزراء ناجحين ومرضيا عنهم، وإضافة إلى ذلك كانت مؤشرات الفساد والتنفيع محفوفة ويُسكت عنها تحت تأثير مخدر الرضا العام!

واستمر هذا المنهج في التشكيل الحكومي برغم التطور السياسي الميداني وبروز قوى ومؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك التنظيمات السياسية، ناهيك عن تعقيدات الحياة والنمو السكاني والامتداد الجغرافي، لكن ظلت فلسفة إدارة الدولة كما هي تتعامل وفق تلك العقلية البسيطة القائمة على أساس الترضيات، وبقي أسلوب المحاصصة الطبقية والقبلية والطائفية هاجساً يهيمن على أصحاب القرار، وهنا تكمن إحدى أهم إشكاليات اختيار الحكومات، لاسيما منذ التسعينيات. فالمضي في تطبيق هذه المعادلة أصبح صعباً، بل أكثر تكلفة وذلك لسببين؛ الأول، أن العدد الدستوري لم يعد يستوعب نظام المحاصصة بسبب استقطاع «كوته» لأبناء الأسرة وتوزيعهم على وزارات السيادة، والثاني، ازدياد عدد المؤسسات القبيلة والطائفية والعائلية وانتشارها إلى جانب ظهور العديد من التنظيمات والقوى السياسية الجديدة.

وأمام كثرة هذه المؤسسات وحسبة القوى السياسية بعد كل انتخابات من جهة، وقلة الحقائب الوزارية من جهة أخرى، واستمرار أسلوب الترضيات من جهة ثالثة، تتشكل الحكومات عندنا في الغالب، فيحيط بها الغموض والاضطراب من بداية اختيارها حتى نهاية عمرها، مروراً بفترة عملها، وتكون الخيارات مفتوحة على مصراعيها في جميع الأوقات، ويغلب عليها جانب الترضيات الاجتماعية والقراءة السياسية، ولهذا نرى أنه غالباً ما تتشكل الحكومات بعد ولادة عسيرة تكثر فيها الإشاعات وبورصة الأسماء، فالكثير من الفئات التي أشرنا إليها تسرب أسماء مرشحيها المفضلين عبر الدواوين والصحافة، كما يزج الكثير من أصحاب النفوذ بشخصيات قريبة منهم، إضافة إلى قائمة الرئيس المكلف نفسه، وهذا ما يربك عملية الاختيار القائمة أصلاً على أسس ضعيفة.

وبرغم هذا الاختيار الصعب تُلقى مسؤولية الدفاع عن الوزير على المجلس، وهذا ما يفتح باب الترضيات النيابية لحماية ظهره إما بالفزعة أو الخدمات أو العمل على إرضاء مؤيدي فكره وانتمائه، أياً كان ذلك، في مقابل مواجهة خصومه الفكريين والسياسيين، الأمر الذي قد يجره إلى دوامة الفساد الإداري والمالي، كل ذلك وسط تجاذبات القوى السياسية في المجلس وخارج المجلس، وأمام مثل هذه المعطيات لنا أن نتخيل قدرات الوزراء والحكومة مجتمعة في التفرغ لإعداد الخطط العامة وبرامج التنمية الشاملة ورسم معالم المستقبل!